منذ منتصف حزيران/ يونيو الجاري، أكد عدة مستخدمي إنترنت – مستشهدين بمقاطع فيديو- أن جيشا مؤلفا من 500 ألف مهاجر في طريقهم باتجاه إيطاليا انطلاقا من السواحل الليبية. وبعد أن بثها حساب إيطالي مساند لليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي ، استخدمت هذه الشائعات في الحقيقة مقاطع فيديو تظهر عملية ترحيل مهاجرين غير شرعيين من قبل قوات الأمن الليبية في بداية شهر حزيران/ يونيو 2023.
نشرت في:
حرر هذا المقال: كونتان بيشارد
عملية التحقق في سطور
- منذ 16 حزيران/ يونيو 2023، تداولت عدة حسابات مساندة لليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي سردية متشابهة تعتمد على نفس الصور: إذ تحدثت هذه الحسابات عن نحو نصف مليون مهاجر في طريقهم للسفر إلى إيطاليا انطلاقا من ليبيا.
- معظم هذه الصور والنصوص المتشابهة نشرت في البداية من حساب إيطالي ناطق باللغة الإنكليزية ومساند لليمين المتطرف اسمه “راديو جينوفا Radio Genova”
- يبدو أن صاحب هذا الحساب قد قام بإدخال تعديلات على هذه الصور حتى يصعب التحقق منها ولكن فريق تحرير مراقبون تمكن من العثور على نسختها الأصلية، وتعود في الحقيقة إلى حملة واسعة النطاق لترحيل مهاجرين غير شرعيين في نهاية أيار/ مايو الفائت نفذتها قوات الأمن الليبية على الحدود الشرقية للبلاد.
عملية التحقق بالتفصيل
” في ليبيا، جيش مؤلف من 500 ألف من المهاجرين مستعدين لغزو أوروبا، إنه كابوس حقيقي. أوقفوا الغزو، أنقذوا أوروبا.” لدعم هذه التغريدة المحذرة على تويتر في 26 حزيران/ يونيو الجاري ، قام بول غولدين زعيم الحزب اليميني المتطرف في بريطانيا “بريطانيا أولا Britain First” بإرفاقها بمقطع فيديو. ونرى من خلاله موكبا هائلا في مكان صحراوي بصدد الاقتراب من آلة التصوير. وفي خلفية الصوت، نسمع أغاني دينية تنشر انطباعا بأنهم مسلمون.
وليس هذا المنشور الذي حصد أكثر من مليون مشاهدة الوحيد التي يتناول هذه السردية باستخدام صور مشابهة. إذ نشر حساب آخر على تويتر مساند لليمين المتطرف مقطع فيديو آخر في 25 حزيران/ يونيو الجاري من المفترض أنه يظهر أيضا “500 ألف (مهاجر) في الطريق”. ونرى من خلاله نفس النوع من الحشود التي شاهدناها في مقطع الفيديو الأول، تراقبهم سيارات شرطة بمنبهاتها القوية. “هؤلاء الرجال سيطلق عليهم “مهاجرون بسبب المناخ” سيتم إدماجهم وإيواؤهم وتعليمهم ومنح وظائف وذلك لأن التغير المناخي كان خطأكم” تقول هذه التغريدة على تويتر الني حصدت نحو 500 ألف مشاهدة.
وراء هذه السردية التي تناقلتها عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي معروفة بتداول الأخبار الزائفة، يتخفى حساب وحيد في تويتر تحت اسم “راديو جيوفا @RadioGenova“. واعتاد مستخدم الإنترنت هذا الذي يقدم نفسه على أنه إيطالي على نشر محتويات معادية للمهاجرين وضد لقاحات فيروس كورونا أو تشويه دول أوروبية. ولكن منذ 16 حزيران/ يونيو الجاري، تركز منشوراته على صور يقول إنها تؤكد أن نحو نصف مليون مهاجر في طريقهم إلى إيطاليا انطلاقا من السواحل الليبية.
وكان هذا الحساب وراء كل الصور التي تدعم هذه الشائعات، وفي بعض الأحيان تم أخذ النص الذي ينشره مع مقاطع الفيديو على غرار ما رأيناه في تغريدة السياسي البريطاني بول غولدينغ.
- المنشور الأول، يعود إلى يوم 19 حزيران/ يونيو الجاري، ويظهر رجالا جالسين على الأرض أمام بناية صفراء اللوء.
-
في المنشور الثاني، بتاريخ 22 حزيران/ يونيو 2023، نرى حشدا من الناس في نفس البناية في الخلفية وقد تم التقاطها من الأعلى ومن ثم نرى رجالا ينزلون من شاحنة إلى داخل إحدى البنايات.
-
في المنشور الثالث لـ”راديو جينوفا”، في يوم 23 حزيران/ يونيو 2023، نرى مقطع فيديو يظهر تجمعا حاشدا من الناس يسيرون بين عسكريين.
-
في هذا المنشور الرابع عبر تويتر، في يوم 25 حزيران/ يونيو 2023، نرى نفس النوع من حشود الناس مرفوقين هذه المرة بسيارات شرطة ذات منبهات قوية الصوت. ويتعلق الأمر بمقطع الفيديو الذي تداوله الحساب البريطانية على تويتر “بيرنيز تويت Bernie’s tweets”
-
في المنشور الخامس لحساب “راديو جينوفا”، الذي نشر يوم 26 حزيران/ يونيو 2023، يتعلق الأمر بما نراه من حشد من الرجال يسيرون باتجاه الكاميرا في مكان صحراوي و هو الفيديو الذي نشره السياسي البريطاني بول غولدينغ.
نسمع في عدد من مقاطع الفيديو هذه أناشيد دينية أو موسيقى شعبية باللغة العربية. ولكن لا يوجد أي مؤشر يحيلنا إلى مكان التقاط هذه التسجيلات المصورة. فما حقيقة مقاطع الفيديو هذه.
مقاطع فيديو التقطت في ليبيا
لمعرفة المكان الذي التقطت فيه هذه الصور، يجب الانتباه إلى تفاصيل سيارات الشرطة التي ظهرت في مقطع الفيديو الرابع. على إحدى العربات، نقرأ ما يلي : إدارة أمن درنة.
ويتعلق الأمر بمدينة على الساحل شرق ليبيا بين بنغازي وطبرق في منطقة يسيطر عليها المشير خليفة حفتر الذي يتنازع السلطة منذ عدة أعوام مع حكومة طرابلس المعترف بها من الأمم المتحدة.
يؤكد هذا المقطع المصور على الأقل أنه التقط في ليبيا ويظهر قوات الأمن في مدينة درنة. وبالعودة إلى صفحة شرطة المدينة على فيس بوك، نتأكد أن الشرطة نفسها نشرت هذا الفيديو في مطلع حزيران/ يونيو الجاري. ويشير منشور الشرطة إلى الأمن يتعلق بـ”مهام مصلحة الشرطة في مدينة مساعد.
تقع مدينة مساعد على بعد أربع ساعات بالسيارة شرق درنة بالقر ب من الحدود الليبية مع مصر.
في مقطع الفيديو الأول الذي نشره حساب “راديو جينوفا” نعثر على مؤشر يحيلنا إلى أن المشهد حدث أيضا في مدينة مساعد. حيث نرى على جدار البناية الصفراء عبارة “مديرية أمن مساعد”.
ومن خلال القيام ببحث عبر تطبيق تيك توك مع الكلمة المفتاح “مساعد” عن منشورات في حدود يوم 1 حزيران/ يونيو، نكتشف أن العملية الأمنية تم تصويرها من قبل المارة ولكن أيضا من قبل رجال مصالح الأمن. ويبدو أن أحدهم كان صاحب الفيديو المركب الذي نشره حساب “راديو جينوفا” في تغريدته الثانية. ومحاطا برجال بزي رسمي، التقط صاحب الحساب على تيك توك مقطعي فيديو (نشرهما هنا وهنا) ونشرا يوم 31 أيار/ مايو الماضي من شرفة مديرية أمن مساعد.
يمكن لنا أيضا أن الصور تم اقتطاعها من قبل حساب “راديو جينوفا” وذلك بهدف حذف اسم مديرية الشرطة في المدينة ويبدو أن ذلك كان يهدف إلى تعقيد مهمة التحقق من المكان.
نعثر أيضا على تطبيق تيك توك على مقطع الفيديو الثالث الذي نشره “راديو جينوفا” ويظهر موكبا من الناس بين عسكريين. ويعود تاريخ التقاط المقطع المصور إلى 2 حزيران/ يونيو الجاري وقد ربطه صاحبه بالأحداث التي جدت في مدينة مساعد التي يظهر اسممها في أعلى مقطع الفيديو.
مقطع الفيديو الأخير يظهر رجالا يتجهون نحو آلة التصوير في مكان صحراوي، نشر في مطلع حزيران/ يونيو الجاري من قبل حساب يبدو أن صاحبه ينتمي لمصالح الأمن الليبية. ورغم أنه لم يكتب نصا مع مقطع الفيديو، إلى أنها عنوان مقطع الفيديو يشير إلى “الهجرة في مساعد”.
في هاتين الحالتين الأخيرتين، تم حذف الموسيقى المصاحبة من مقاطع الفيديو من قبل “راديو جينوفا” ليتم استبدالها بأناشيد دينية إسلامية.
وبالتالي فإن مقاطع الفيديو الخمسة هذا التقطت في ليبيا. وتظهر نفس العملية الأمنية صورها رجال مختلفون وشاركت فيها عدة مصالح أمنية في منطقة مساعد أقصى شرق ليبيا بين يومي 31 أيار/ مايو و2 حزيران/ يونيو 2023. ولكن ماذا كان هدفها؟ وهل يتعلق الأمر بالفعل بـ”جيش من 500 ألف مهاجر” التي تحدث عنها حساب “راديو جينوفا” على تويتر.
صور تظهر عملية ترحيل مهاجرين من قبل قوات الأمن المحلية
من خلال كتابة الكلمات المفاتح “مساعد” و”مهاجرين”، وضبط تاريخ البحث بين يومي 31 أيار/ مايو 2 حزيران/ يونيو 2023، نعثر على مزيد من المعلومات. إذا يتحدث هذا المقال على موقع وسيلة الإعلام المحلية “ليبيا نيوز 24 “Libya News 24” بتاريخ 1 حزيران/ يونيو الجاري على سبيل المثال عن “نتيجة عم قوات الأمن المشتركة لترحيل مئات المهاجرين من مساعد”. ونعلم أيضا عبر المقال أن المشاهد المصورة في مختلف مقاطع الفيديو تعود إلى مطاردة مهاجرين غير شرعيين في المنطقة بهدف اقتيادهم إلى الحدود الليبية وتفكيك شبكات تهريب المهاجرين. حيث نقرأ في المقال: “عمليات مساعدة أطلقت سراح 1500 مهاجر إلى حد الآن من مستودعات تهريب البشر بينهم 700 يوجدون في مصر”.
من بين هؤلاء الـ700، يضيف المقال أن “500 تم ترحيلهم إلى بلادهم عبر معبر مساعد/ السلوم الحدودي” الذي يقع على بعد بضع كيلومترات في نقطة العبور البرية بين مصر وليبيا. إذ نعثر بالفعل على تيك تزك على مقاطع فيديو أخرى تظهر صفوفا من المهاجرين يتم اقتيادهم إلى المعبر الحدودي ووصولهم إلى مدينة السلوم المصرية في مطلع حزيران/ يونيو الجاري.
المعلومة مؤكدة عبر هذا المقطع المصور الآخر لوسيلة إعلام محلية تحدثت عن ترحيل “عدة آلاف من المهاجرين غير الشرعيين إلى مصر عبر المعبر الحدود مساعد. فيما أكد بيان لمصالح الإعلام في الجيش الليبي المسيطر على المنطقة من جهته في 31 أيار/ مايو أن “الوحدات العسكرية أوقفت أكثر من ألف مهاجر سري من جنسيات مختلفة وجدوا متفرقين بين ضيعات ومنازل مهربين بشر في مدينة مساعد”.
من الصعب بما كان معرفة العدد الدقيق للأشخاص الذين تم اعتقالهم من قبل قوات الأمن خلال هذه العملية. ولكن يبقى من المؤكد أن المجموعات الظاهرة في مقاطع الفيديو لا يمكن أن تصل إلى 500 ألف شخص.
وعكس ما يؤكده حساب “راديو جينوفا”، فإن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا في طريقهم إلى إيطاليا بل سيتم ترحيل أصحاب الجنسية المصرية إلى بلادهم. أما بالنسبة للبقية، فقد تم إيواؤهم في مركز استقبال المهاجرين غير الشرعيين في قنفودة بمدينة بنغازي في انتظار ترحيلهم، حسب موقع ليبيا نيوز 24.
حتى أن رقم 500 ألف مهاجر يبدو مثيرا للسخرية، ففي سنة 2023، قدر الفرع الليبي لمنظمة الهجرة الدولية عدد المهاجرين في كل أنحاء البلاد بـنحو 706 آلاف شخص، واستقبلت إيطاليا على أراضيها نحو 105 آلاف مهاجر بمن فيهم الأشخاص الذين يريدون البقاء هناك أو العبور إلى دول أوروبية أخرى.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.