من الرئيس جورج بومبيدو في مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى إيمانويل ماكرون. أربعون عاما من المخططات والاستراتيجيات تم تنفيذها في فرنسا بهدف تحسين وضع الضواحي والأحياء الشعبية. لكن رغم المشاريع التنموية وما كلفته من أموال طائلة، إلا أن سكان الضواحي وغالبيتهم من المهاجرين وأولادهم ما زالوا يعانون التهميش اقتصاديا واجتماعيا. فيما يلي عودة على أبرز هذه المخططات والمشاريع.
نشرت في:
لكل رئيس حكم فرنسا منذ سبعينيات القرن الماضي، مخططه لإصلاح الضواحي والأحياء الشعبية. فمن جورج بومبيدو إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، تنوعت الاستراتيجيات والمخططات التنموية بهدف إدماج الضواحي وسكانها في النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني. ولا شك أن أعمال العنف التي تندلع بشكل متكرر فيها أبرز دليل على أن السياسات المتبعة من قبل الحكومات الفرنسية المتعاقبة لم تأت بثمارها رغم الأموال الهائلة التي صرفت لتحسين أوضاع الناس وفتح أفق جديد لسكانها الذين يتحدر غالبيتهم من بلدان أفريقية.
فالضواحي الفرنسية يربطها تاريخ مديد مع الهجرة، إذ بُنيت معظمها من أجل استقبال عشرات الآلاف من العمال المهاجرين الذين قدموا إلى البلاد غداة الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وعاشوا فيها مع عائلاتهم وأولادهم الذين باتوا يعمرونها حتى الآن، وأصبحت ترمز اليوم إلى العنف والتدني الاجتماعي. فما هي أبرز هذه المخططات التنموية؟
1973: الرئيس جورج بومبيدو يأمر بوقف بناء الأبراج السكنية المكتظة بالعائلات المهاجرة
وزير التجهيز أوليفييه غيشار هو من نفذ مرسوم بومبيدو ووضع حدا نهائيا لسياسة بناء المباني العالية المؤلفة من عدة طوابق والتي تأوي عائلات المهاجرين. وكان الهدف من المشروع إنهاء سياسة “التمييز الاجتماعي” الذي كانت تعاني منه هذه العائلات في الأحياء الشعبية.
اقرأ أيضافرنسا: ما هي انعكاسات ليالي العنف؟
1977: الرئيس فاليري جسكار-ديستان يطلق أول “مخطط” لتحسين العيش في الضواحي
أطلق عليه اسم مخطط “السكن والحياة الاجتماعية”. وكان الهدف منه إدماج أكثر من 50 ضاحية شعبية في المجتمع الفرنسي عبر تحسين الصورة المعمارية والهندسية للمباني والشقق فضلا عن دعم الحياة والعلاقات الاجتماعية بين سكان تلك الأحياء.
1981: إنشاء ما يسمى “المناطق ذات الأولوية في مجال التعليم” من قبل الرئيس فرانسوا ميتران
كان آلان سفاري، وزير التربية آنذاك هو الذي أسندت إليه مهمة محاربة الرسوب المدرسي في المناطق والضواحي الفقيرة. لذا قام بمضاعفة الإمكانيات المالية لصالح المؤسسات التربوية لا سيما المدارس الابتدائية بهدف تقديم الدعم للتلاميذ ومساعدتهم على النجاح وتفادي الفشل الدراسي.
1984: وزير التخطيط ميشال روكار يطلق مشروعا لتعزيز التماسك بين الدولة والأقاليم
كان هدفه إنشاء هياكل اقتصادية جديدة وتعزيز البنية التحتية للضواحي مع تمكين سكانها من الخروج من العزلة الاقتصادية وإيجاد فرص عمل جديدة.
اقرأ أيضاأعمال العنف في فرنسا تلقي بظلالها على القطاع السياحي وسط “موجة من إلغاء الحجوزات”
أما في 1991، فقد قام ميتران بإقرار قانون جديد يرغم كل المدن التي يتعدى سكانها 20 ألف نسمة بتخصيص 20 بالمائة من مشاريعها العقارية لبناء سكن اجتماعي. وفرض غرامات مالية على البلديات والمدن التي لا تحترم هذا القرار. لكن مع مرور الوقت، لوحظ أن العديد من البلديات، لا سيما الغنية تفضل دفع الغرامة المالية عوضا عن تخصيص 20 بالمائة من مشاريعها العقارية لبناء سكن اجتماعي.
1992: وزير المدينة برنار تابي يطلق مشروع إدماج شبان الضواحي، عبر ممارسة الرياضة ويدعو الشركات الكبرى إلى الاستثمار في الضواحي.
1996: الرئيس جاك شيراك يطلق مخطط “مارشال” لإنقاذ الضواحي الفرنسية وينتقد ما سماه “الشرخ الاجتماعي”
أسندت مهمة إعادة تأهيل أحياء الضواحي لرئيس الوزراء آلان جوبيه الذي أعلن عن أكثر من 60 إجراء يهدف إلى إنعاش الضواحي اقتصاديا واجتماعيا. فيما أنشأ حوالي 30 “منطقة حرة” في فرنسا. كما أعفى الشركات التي تستثمر في هذه المناطق الحرة من دفع الضرائب مقابل فقط توظيف شبان الأحياء. في 1997، أسس وزير الداخلية جان بيار شوفنمان ما يسمى “الشرطة الجوارية” للتصدي للعنف الحضري.
اقرأ أيضافرنسا: عودة على تطورات الأحداث وأعمال العنف الجمعة بعد مقتل الفتى نائل
1999: رئيس الحكومة ليونيل جوسبان يطلق مشروع “التجديد الحضري والتضامني” في الضواحي الفرنسية بهدف منع تشكيل “الغيتوهات” بتكلفة قدرها حوالي 3 مليارات يورو. وفي 2001، كشف جوسبان عن مخطط ثان بقيمة 5.4 مليارات يورو. أهداف هذا المخطط الطموح هو تحسين ظروف العيش في أحياء الضواحي مع تنفيذ سياسة التجديد الحضري. فالدولة قامت بموجب هذا المخطط بهدم العديد من المباني القديمة وإصلاح الطرقات وربط الضواحي بالمدن الكبرى وهذا عبر تطوير وسائل النقل وتجديدها، بالإضافة إلى بناء مساحات خضراء (حدائق عامة) ومرافق صحية ورياضية.
2005: وزير المدينة جان لوي بورلو يصادق على قانون “التوجيه والبرمجة الخاص بالمدينة” والتجديد الحضري
هذا القانون ينص على هدم المباني القدمية وبناء سكن جديد فضلا عن تقليص الفوارق الاجتماعية بين سكان الضواحي والذين يعيشون في المدن الكبرى.
2008: الرئيس نيكولا ساركوزي يطلق برنامج “أمل الضواحي”، ويعين الناشطة فضيلة عمارة، وهي من أصول جزائرية، في منصب كاتبة دولة لسياسة المدينة. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين مسؤول حكومي رفيع المستوى من أصول أجنبية من أجل رسم سياسة جديدة للضواحي. وكان هدف مخطط “أمل الضواحي” تقليص نسبة البطالة في صفوف الشبان الذين لا تتعدى أعمارهم 26 عاما. كما خصصت الحكومة آنذاك نحو مليار يورو من أجل تطوير قطاع النقل بالضواحي الفرنسية إضافة إلى توظيف أكثر من 4000 شرطي جديد في الأحياء الشعبية الحساسة بهدف تحسين العلاقات مع الشبان. لكن المخطط اصطدم في نهاية المطاف بتصريحات ساركوزي الصادمة والمثيرة للجدل.
اقرأ أيضاماكرون يلغي زيارته لألمانيا بسبب أعمال الشغب في المدن الفرنسية
2013: خطة الرئيس فرانسوا هولاند لتأهيل أكثر من 1000 حي شعبي في فرنسا، تضمنت على حوالي 25 إجراء أبرزها توظيف شبان الضواحي من قبل شركات كبرى رغم عدم امتلاكهم شهادات تعليمية أو مؤهلات وظيفية. بالمقابل، منحت الدولة 5000 يورو للشركات والمصانع التي انخرطت في هذا المشروع عن كل شاب يتم توظيفه. كما تضمنت الخطة تعيين مدرسين إضافيين في المرحلة الابتدائية وإمكانية إرسال الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم ثلاث سنوات إلى الحضانات.
2017: الرئيس إيمانويل ماكرون يطلب من وزير المدينة السابق جان لوي بورلو اقتراح مشروع لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الضواحي الفرنسية. هذا الأخير اجتهد خلال عدة شهور لرسم خارطة جديدة للضواحي بقيمة 48 مليار يورو. وكان يُنظر إلى مشروع بورلو على أنه الأكثر تكاملا وأخذ بعين الاعتبار المشاكل الحقيقية التي يعاني منها سكان الضواحي والأحياء الشعبية. لكن أيام قليلة فقط قبل الإعلان عن مضمونه، قرر ماكرون التخلي عن المشروع، ليواجه انتقادات لاذعة. ورد الرئيس الشاب على منتقديه بالقول إن منذ توليه السلطة، صرفت الدولة الفرنسية أكثر من 20 مليار يورو.
طاهر هاني
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.