توحيد مصرف ليبيا المركزي… خطوة نحو الحل السياسي أم مناورة في خضم الوضع الضبابي؟

توحيد مصرف ليبيا المركزي… خطوة نحو الحل السياسي أم مناورة في خضم الوضع الضبابي؟



قوبل إعلان توحيد مصرف ليبيا المركزي بترحيب دولي في مؤشر على أهمية هذه المؤسسة السيادية التي تتولى إدارة العائدات النفطية الحيوية لاقتصاد البلاد. يأتي ذلك مع إعلان مؤسسة النفط الوطنية -المؤسسة السيادية الاستراتيجية الأخرى- عودة شركات أجنبية للعمل في ليبيا بعد نحو عقد على تعليقها. إلا أن هذه الأخبار “الإيجابية” القادمة من ليبيا تحتاج لتفعيل على أرض الواقع حتى تحرك الجمود السياسي المستمر بالبلاد، وفق مراقبين.

نشرت في:

8 دقائق

أنهى الفرقاء الليبيون الأحد انقساما دام تسع سنوات في مصرف ليبيا المركزي تسبب بانهيار قيمة الدينار الليبي.

وفي تأكيد لأهمية هذه الخطوة، رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بإعلان التوحيد مؤكدة في بيان أنها “تأمل بأن تساعد عملية إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي على إعطاء زخم جديد لجهود توحيد جميع المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في البلاد، تلبية لتطلعات الشعب الليبي منذ مدة طويلة”.

خطوة “حاسمة” لاستقرار الاقتصاد

من جانبها، رحبت الولايات المتحدة بـ”خطوة حاسمة نحو استقرار اقتصاد ليبيا وتنميته”، حسبما قالت السفارة الأمريكية في البلاد في بيان عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا).

وأضاف بيان السفارة “يعتبر هذا العرض للوحدة مثالا مهما للمصالحة عبر جميع مؤسسات الدولة لبناء الأساس نحو الانتخابات”.


“خطوة في الاتجاه الصحيح”

بدوره، رحب سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا خوسيه ساباديل في منشور على حسابه بمنصة إكس “بإعادة التوحيد كخطوة في الاتجاه الصحيح لوحدة ليبيا”

وأضاف: ”يجب أن يتبع العمل السياسي والفني، لضمان تعزيز الشفافية والتوزيع العادل لدخل النفط بين جميع الليبيين كأساس للسلام والازدهار الذي تستحقه ليبيا.”


يتخذ محافظ المصرف المعترف به دوليا الصديق عمر الكبير طرابلس مقرا، فيما اتخذ مفتاح رحيل من بنغازي في الشرق مقرا للفرع المنافس. وفي أعقاب توحيد المصرف، تولى رحيل منصب “نائب المحافظ”.

يتولى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس تسلم عائدات النفط والغاز وإدارتها في ليبيا التي تملك أكبر احتياطات في أفريقيا. وتخصص هذه الأموال للإنفاق على مختلف مؤسسات الدولة، بما فيها الحكومة.

رسالة وحدة؟

ما تزال السلطة في ليبيا محل تنافس بين حكومتين منذ أكثر من عام: حكومة في الغرب برئاسة عبد الحميد دبيبة، وحكومة في الشرق يقودها أسامة حماد يدعمها الرجل القوي المشير خليفة حفتر.

يرى أحمد أزيرار أستاذ الاقتصاد بالجامعة المغربية في توحيد فرعي المصرف خطوة سياسية مهمة جدا، قد تنبأ بتقدم حاسم نحو حل مشاكل ليبيا مضيفا “المصرف المركزي له وظائف دقيقة في تسيير ناجع للعملة المحلية وصيانة قيمتها وإعادة الثقة للمتعاملين بها، دور البنك في هذه المرحلة من الأهمية بمكان لإعادة تشغيل فعال وإعادة هيكلة هذه المنظومة المالية. الأمر كذلك جوهري لأن المصرف سيعمل على تجميع المدخرات المالية للبلاد وجعلها في متناول الدولة لتامين تسيير دواليبها. المهم هو أن إعادة توحيد المصرف إشارة إلى عودة الدولة موحدة ونهاية مرحلة الشقاق”.

ويخلص أزيرار إلى أن عودة عمل المصرف موحدا ستعطي “ثقة” كبيرة للمتعاملين الداخليين والخارجيين.

مناورة “صورية”

يرى الباحث المتخصص في شؤون ليبيا جلال الحرشاوي في هذا التوحيد “الصوري” بأنه يعود لرغبة محافظ البنك الصديق عمر الكبير في الحفاظ على منصبه “في خضم تراجع نفوذ دبيبة حتى في مسقط رأسه مصراتة مع معارضة علنية له من رجال أعمال نافذين في المدينة”.

ويضيف الحرشاوي: “هذه الشكوك بشأن مستقبل دبيبة جعلت الكبير يقبل بالتعاون مع المصرف الموازي شرق ليبيا. إلا أن توحيد المصرف لن يحدث تغييرات جوهرية في السياسة المالية، سيكتفي عمر الكبير بمواصلة صرف رواتب الموظفين بدون تخصيص موارد للباب الثالث من الميزانية المخصص للمشاريع بما فيها تلك المتعلقة بإعادة الإعمار التي يرى فيه البعض بابا للفساد”.

ويذكر الحرشاوي أن قاض بمدينة أجدابيا الواقعة تحت سيطرة حفتر صرح قبل بضعة أسابيع بأن “مستوى الفساد في طرابلس وصل إلى مستوى غير مقبول. وقرر تشكيل لجنة مكونة من فاتح رحيل وعمر الكبير للإشراف على عائدات النفط. هذا الأخير المعترف به دوليا لم يكن أمامه سوى المشاركة في اللجنة وبالتالي الجلوس فعليا إلى فاتح رحيل الذي لا يحظى بأي اعتراف. هذه المناورة القضائية التي يبدو أن حفتر يقف وراءها نجحت في استغلال حالة الشك في طرابلس لدفع الكبير للتعامل مع سلطات الشرق”.

لكن دبيبة رحب بإعلان توحيد مؤسسة المصرف، وحث المحافظ ونائبه على مواصلة الجهود “لمعالجة الإشكالات المترتبة عن الانقسام السابق.. مع استمرار التزامنا بالتكامل وتعزيز إجراءات الشفافية والإفصاح التي تبنتها حكومتنا”.


 

بدوره، رحب رئيس الحكومة الموازية في شرق ليبيا أسامة حماد بالقرار مثمنا “كافة الجهود المبذولة الداعمة لتوحيد المصرف الذي على ضوئه ستتم معالجة الأثار التي نجمت عن الانقسام”.


 

عودة الشركات النفطية الأجنبية… خطوة للأمام أم “مجاملة”

يأتي إنهاء انقسام المصرف المركزي بعد إعلان المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا منذ أسبوعين تلقيها إخطارا من ثلاث شركات أجنبية باستئناف أنشطتها بعد نحو عقد على تعليقها.

وقالت المؤسسة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني إنها “استلمت إخطارا رسميا من شركات “إيني” الإيطالية و”بريتيش بيتروليوم” برفع القوة القاهرة في حوض غدامس والقطعة البحريةC.

وتتكرر عمليات إغلاق الحقول والموانئ النفطية في ليبيا منذ نحو عقد لأسباب مختلفة، سواء احتجاجات عمالية أو تهديدات أمنية وخلافات سياسية.

هنا، يعود حرشاوي ليؤكد أن تقريرا دوليا يؤكد أن إنتاج النفط في ليبيا تراجع في 2023 مقارنة بنفس الفترة من 2022 حيث يقول “إعلان القوة القاهرة من هذه الشركات ليس إلا مجاملة للمؤسسة الوطنية للنفط ولا مؤشرات إلى حد الآن لعودتها الفعلية في ظل الوضع المضطرب. رئيس إيني جاء لطرابلس في يناير الماضي مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ووقع اتفاقا مع مؤسسة النفط لإنشاء حقل إنتاج بحري ورصدت له 8 مليارات دولار. لكن هذه الأموال -لا من جانب إيني أو من مؤسسة النفط الليبية اللتين تمولان المشروع مناصفة- لم تصرف بعد وهو ما يجعل منه مجرد حبر على الورق حتى الآن”، حسب تحليل حرشاوي.

تفادي “العاصفة”

سياسيا، أصدر المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقلية صالح ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الأحد بيانا مشتركا بعد اجتماعهم في بنغازي أكدوا فيه “الملكية الوطنية لأي عمل سياسي وحوار وطني، وعدم المشاركة في أي لجان إلا من خلال الإطار الوطني الداخلي دون غيره”.

هنا، يرى الحرشاوي أن زيارة المنفي إلى بنغازي تأتي لرغبته في إظهار أنه يحظى بقبول في الشرق وبإمكانه السفر لبنغازي والالتقاء بحفتر وصالح قبل أن يضيف: “الكبير أيضا يدعم المنفي ومن مصلحته التقرب منه خصوصا في خضم الوضع الضبابي الحالي في طرابلس ومن مصلحته أن يبقى على الحياد بين الفرقاء الليبيين. المنفي يحظى بدعم مصر وواشنطن. الكبير يسعى للخروج بأخف الأضرار من العاصفة الحالية”.

هذا “البيان الثلاثي” أشار أيضا إلى أن مجلس النواب سيتولى اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة باعتماد القوانين الانتخابية المحالة إليه من لجنة “6+6” بعد استكمال أعمالها واجتماعاتها لوضعها حيز التنفيذ.

في السياق، يؤكد الحرشاوي أن هذه اللجنة المؤلفة من أعضاء بمجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس توصلت إلى مشاريع قوانين جيدة لتنظيم الانتخابات. لكن، بحسب رأيه، “لا توجد نية لدى مجلس النواب أو المجلس الأعلى للدولة للمصادقة عليها”.

ويعبر الحرشاوي عن جزء من الأسئلة التي تطرح في المرحلة الحالية مع توحيد المصرف المركزي، إن كانت بنوع من الجدية لتجاوز المأزق السياسي الطويل الأمد أم خطوة صورية ستتلاشى مع استمرار الوضع على ما هو عليه؟



Share this content:


اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading