في أم درمان بشمال العاصمة السودانية الخرطوم، تم نشر عملية قتل مدني وتداولها علنا من خلال نشر قاتليه مقطع فيديو لجثته الهامدة عبر حساب الضحية على تطبيق واتساب. وحسب أقارب الضحية والسلطات السودانية، فإن قوات الدعم السريع اقترفت عملية القتل انتقاما من الضحية الذي قام بتصوير عناصر القوات شبه العسكرية وهي تنهب منازل المدنيين. وتأتي هذه الصور لتؤكد انتهاكات كثيرة ضد المدنيين خلال المعارك التي تهز البلاد منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي.
نشرت في:
7 دقائق
تم إرسال مقطع الفيديو إلى كل أقارب الضحية شهاب شكاك في 29 تموز/ يوليو الماضي عبر تطبيق واتساب إضافة إلى مجموعات تواصل سكان حي العرضة في نفس ليلة وفاته.
وطيلة أكثر بقليل من دقيقة، نرى جثة هامدة لرجل تلطخ قميصه بالدماء وتم ربطه على عمود أحمر بسلسلة حديدية أحاطت بصدره. وكانت الجثة ملقاة بعيون مفتوحة على أرضية رخامية لبيت ما.
وكان رجل لم يظهر في مقطع الفيديو يصور المشهد. ويتوجه هذا الرجل إلى شقيق الضحية أسامة شكاك قائلا له: “انظر إلى أخيك، انظر الحالة التي هو عليها. العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم. بعد ما اقترفه بحق إخوتنا، نرد عليه بنفس الطريقة. سأرسل لك صورا التقتطها إضافة إلى مقطع الفيديو. انظر إلى هذه الصور، وستفهم أنه جنى على نفسه”.
وِيلكز الرجل الذي يصور الفيديو شهاب في وجنتيه وعينيه المنطفيتين بأصبعه قائلا: “تراه أخوك الآن؟ عيناه ميتتان، هو ميت، ميت، ميت”.
وكان الرجل الذي يصور مقطع الفيديو يتلقى المساعدة من شخص ثان لم يظهر في الصور هو الآخر وهو يهمس في أذنه الكلام الذي يجب ترديده أمام الكاميرا.
في 30 تموز/ يوليو الماضي، أطلق عدد من أقارب شهاب شكاك إضافة إلى بعض من سكان حي العرضة وسط مدينة أم درمان نداء استغاثة للبحث عنه عبر تويتر وفيس بوك. وفي خضم عدم ورود أنباء عنه منذ تداول الفيديو على واتساب، طلب هؤلاء من كل شخص يملك معلومات عنه بالتواصل معهم فورا.
وندد عدد كبير من سكان أم درمان، إحدى مدن منطقة الخرطوم الكبرى بـ“التنكيل بالجثة” التي عرضت في مقطع الفيديو. واتهم كثيرون قوات الدعم السريع التي اعترضها الضحية ليلة مقتله.
وقوات الدعم السريع هي ميليشيا شبه عسكرية تخضع في الأصل لسلطة مصلحة المخابرات العسكرية، وتضم في صفوفها مقاتلين سابقين في ميليشيات عربية متورطة في النزاع في إقليم دارفور. وبعد أن تم إدماجها في الجيش السوداني تحت حكم الرئيس المخلوع عمر البشير في سنة 2019 ، تحالفت مع الجيش السوداني لإزاحة الحكومة المدنية من السلطة خلال الانقلاب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
منذ ذلك التاريخ، يبدي الجنرال محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي معارضته للنظام العسكري القائم.
“بقي الفيديو طيلة 24 ساعة عبر ستوري لحساب شهاب على واتساب”
مصعب الجاك تاجر يعيش في مدينة أم درمان وأحد الأصدقاء المقربين من شهاب شكاك، روى في حديث مع فريق تحرير مراقبون فرانس 24 قائلا:
في 28 تموز/ يوليو الماضي، وجد شهاب شكاك نفسه وجها لوجه مع فرقة تابعة لقوات الدعم السريع التي كانت تنهب البيوت في الحي [فريق التحرير: حي العرضة في وسط مدينة أم درمان]. فقام بتصويرهم بهاتف لتوثيق جرائمهم. ولكن، أحد الجيران قام بدوره بتصوير شهاب ووصلت المعلومة إلى مقاتلي قوات الدعم السريع الذين يسيطرون على الحي.
في مساء اليوم التالي، اقتحم مقاتلو قوات الدعم السريع بيته ووجدوه مع صديقه وطلبوا منه فحص هاتفه. ومن المؤكد أنهم عثروا على الصور التي التقطها في اليوم السابق. وأخلوا سبيل صديقه لكن شهاب تلقى رصاصة في ساقه وتم نقله من قبل المقاتلين إلى وجهة غير معلومة.
اقرأ أيضا“#الدعم_السريع يستبيح_بيوتنا”: كيف تقتحم قوات الدعم السريع بيوت المدنيين وتعتدي عليهم في السودان
نداء استغاثة أطلقه مصعب الجاك على فيسبوك في 31 تموز/ يوليو 2023، وهو أحد أصدقاء القتيل.
“قاتلو صديقي أرادوا الحصول على فدية مقابل جثة شهاب”
لم نكن متأكدين ما إذا كان شهاب قد فارق الحياة أم لا. ولكن -في ظل عدم ورود أخبار منه أو من خاطفيه المحتملين- خلصنا إلى أنه توفي.
في يوم 30 تموز/ يوليو الماضي، تلقيت اتصالا من شخص مجهول قال إنه يعرف مكان تواجه شهاب ولكن طلب المال مقابل مدنا بالمعلومات. وقال لنا إن صديقنا رهن الاحتجاز لكنه لا يزال على قيد الحياة.
كان من الواضح أن قاتلي صديقي كانوا يريدون – بعد أن قاموا بقتله- الحصول على فدية بعد كل ذلك. ولهذا السبب، لم نعر اهتماما لهذه المعلومات.
ومع سكان الحي وأفراد عائلته، أطلقنا نداء استغاثة للبحث عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومباشرة بين الناس، ونأمل على الأقل العثور على جثته ودفنه. شارك عدد كبير من الجيران في عمليات البحث في أم درمان. وتم العثور على جثة في 2 آب/ أغسطس الجاري في خَوْرُ [مجرى مائي] بمنطقة الدوحة شرق المدينة.
وتعذر التنقل بين الحيين، بسبب الأمطار التي تهاطلت في تلك الفترة والتي عطلت حركة السير، قمنا بدفنه في عين المكان غير بعيد عن المجرى المائي. توفي شهاب عن عمر ناهز 46 عاما وهو أب لطفلين. تغمده الله برحمته.
الجيش السوداني وعائلة شهاب يتهمان قوات الدعم السريع
تتهم عائلة شهاب شكاك وأقاربه قوات الدعم السريع بالمسؤولية عن قتله. وندد كل من الجيش السوداني وتجمع الصيادلة المهنيين، وهي نقابة تناضل من أجل الحقوق المدنية والمسار الديمقراطي، بهذه القضية متهمين بدورهم قوات الدعم السريع بالوقوف وراءها.
وفي تصريح لبراميلا باترن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، أكد قائد قوات الدعم السريع، الجنرال حمدان دقلو بأن قواته “ترفض كل انتهاك لحقوق الإنسان” و”تضع نفسها على ذمتها على الأمم المتحدة لتفادي هذه التجاوزات”. ولم يتحدث دقلو عن الاتهامات الأخيرة بخصوص قضية قتل شهاب شكاك.
من جانبه، لم يتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من التأكد بشكل قطعي من وجود علاقة مباشرة بين عملية القتل هذه ومسؤولية قوات الدعم السريع عنها من خلال العناصر المرئية المتاحة. وبالرغم من تواصل فريق تحرير مراقبون معها عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لم ترد قوات الدعم السريع على استفساراتنا قبل نشر هذا المقال. وسننشر ردها في حال وروده إلينا.
منذ اندلاع المعارك المتواصلة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023، لقي ما لا يقل عن 1135 مدنيا مصرعهم حسب وزارة الصحة السودانية التي تؤكد أن هذه الأرقام لا تمثل سوى “الجزء الظاهر من جبل الجليد”. فيما تتحدث منظمات دولية غير حكومية على غرار “أكليد Acled” عن مقتل ما لا يقل عن 3900 شخص.
من جهتها، تشير منظمات حقوقية إلى مقتل ما لا يقل عن 580 مدنيا في منطقة الخرطوم الكبرى لوحدها منذ بداية النزاع.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.