سعيد، ياسر، سارة، اختاروا الإدلاء بشهاداتهم لفرانس24، وهم فلسطينيون من غزة، يعيشون في باريس، ينتابهم الشعور بالإحباط والخوف على أهلهم، في ظل تطور الأوضاع في قطاع غزة يوميا. وبعد قرار السلطات الفرنسية بمنع أي تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين على الأراضي الفرنسية وسحب إقامة الأجانب الذين يرتكبون جرائم تحمل طابعا معاديا للسامية، ازداد شعور هؤلاء بالوحدة والعجز مع عدم قدرتهم على التعبير والتظاهر في الشوارع، للمطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من عشرة أيام، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص بينهم أطفال وإصابة أكثر من عشرة آلاف آخرين.
ثابتا وغاضبا… هكذا بدا ياسر (اسم مستعار) 38 عاما في أول لقائنا به، قال لفرانس24 “الواحد منا لا يستطيع أن يبين لأصحابه وللناس حوله، ما يشعر به… لأنه يجب أن يبدو قويا، لكن الوضع بشكل عام مرعب ومخيف، تريدين أن نتحدث عن الوضع الإنساني؟ نحن لا نريد إلا الحديث عن الوضع الإنساني، أمي لديها حصى الكلى، قطعوا الماء… ستموت…” وانفجر باكيا.
وتابع “كل ما أشرب رشفة ماء أتذكرها… هي مريضة وليس لديها ماء… وتحت القصف… ستموت…”
وتواجه غزة شحا في المياه، حذرت المنظمات غير الحكومية من تداعياته الصحية والإنسانية إذ قررت إسرائيل فرض “حصار كامل” على قطاع غزة، يشمل حظر دخول الغذاء والوقود وإمدادات المياه إلى القطاع.
اقرأ أيضامعظم المخابز تغلق أبوابها في غزة وسكان القطاع يواجهون كارثة نقص الغذاء
وتقصف إسرائيل قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر ردا على هجوم دموي غير مسبوق شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس على البلدات المحيطة بقطاع غزة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 3478 فلسطينيا وجرح 12 ألفا، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة الفلسطينية أعلنتها الأربعاء. كما أدى هذا القصف المتواصل إلى تسوية أحياء بالأرض.
هم من يطمئننا… وليس العكس
واستمر ياسر في الحديث: “قصفوا حول بيتنا منذ يومين… كنا على الهاتف معهم أنا وأخواي: أحدهما في رام الله والثاني في الإمارات… كنت أسمع أخي يصرخ… – قصفونا، قصفونا… وأمي تدعو يا الله… يارب… حتى انقطع الاتصال فجأة… في تلك اللحظة شعرت أن العالم توقف…- شعرت بأني طفل تائه، كالطفل الذي يضيع أمه… ولا يعرف أين يلجأ، ويشعر أنه فقد كل شيء، وقد كان يملك كل شيء وهو إلى جانب أمه، أنا أشعر أني أملك الدنيا عندما أكلمهم، عندما أسمع صوتهم أطمئن… هم يطمئنونني لست أنا من يطمئنهم…”.
وتابع “لا أتوقف عن مشاهدة الأخبار طيلة اليوم، أنا لا أنام… حتى إن قدرت على النوم ساعة أشاهد الكوابيس”. وياسر لا أخبار لديه عن أهله منذ الليلة السابقة. “كل ما انقطع الاتصال معهم، أنهض، وأحوم في أرجاء البيت، أعاود ترتيبه، مرددا في نفسي “هم بخير…هم بخير… لن يحصل لهم مكروه… أسجل كل مكالماتي معهم لأني أعلم أن إحداها قد تكون الأخيرة.”
سارة (اسم مستعار) تدير وجهها عن مشاهد الدمار في التلفاز وتروي بهدوء “في كل اتصال معهم، وكأنهم يودعوننا… يقولون نحن باقون هنا لن نذهب إلى أي مكان، المهم كونوا أنتم بخير. كونوا أقوياء، هم من يطلب منا أن نكون أقوياء… يوصوننا بالحياة.. يقولون لنا ’إن لم نبق على قيد الحياة، عيشوا أنتم‘…”. وانفجرت باكية.
وعائلة سارة الشابة الفرنسية الفلسطينية كلها في غزة، جدتها وعماتها وخالاتها وأخوالها.
“عندما يحصلون على الإنترنت يتركون لنا رسالة ليقولوا إنهم لا يزالون على قيد الحياة إذا تمكنت من التواصل معهم فإن المكالمة لا تدوم أكثر من دقيقة، ثم ينقطع الاتصال” وفق ما سردت لفرانس24.
اقرأ أيضاالرياض وصفته بـ”الجريمة البشعة” وباريس طالبت بفتح تحقيق.. تنديد عربي ودولي بقصف مستشفى في غزة
تتابع كلامها: “الغريب أنهم هم من يطمئننا في هذه المكالمات وليس العكس جدتي وخالتي كلما كلمتاني توصينانني، بأن أنتبه لجنيني لأنني حامل- لا تخافي، نحن بخير… هم من يطمئننا ويهون علينا. نحن لا نعرف كيف نواسيهم”.
وتواصل سارة حديثها: “نحن قلقون هنا لا نترك الأخبار على مدار اليوم. يجب علينا ألا نخاف، لكننا بالفعل خائفون جدا عليهم لكنهم هم يقولون إنهم غير خائفين… لديهم إيمانهم مبهر، قوي يقولون إذا متنا، فهذا قدرنا”.
“خالتي قصفوا بيتها في خان يونس”. وقد شاركتنا إسراء فيديو عملية قصف البيت وكيف تحول في لحظة إلى ركام. “خالتي الأخرى ذهبت مع زوجها إلى رفح، هم الآن ينتظرون في مدرسة… والمعبر مغلق، مصر لا تفتح الحدود”.
الحلم بأن أرجع إلى بيتي انمحى
قبل هذه الأحداث كان ياسر ينوي زيارة غزة التي لم يذهب إليها منذ نحو 12 عاما وقد قطع التذكرة وأعد قائمة بالأماكن التي سيزورها والمطاعم التي سيذهب إليها. وقد روى لفرانس24 بغصة وقهر. “كنت سأفاجئ أهلي، كنت أريد الذهاب إلى بلدي، كنت فعلا في حاجة إلى ذلك لأتجدد، خططت مع صديقي هناك، وضعنا قائمة المطاعم التي سنذهب إليها… أخبرته أني أريد أن ألتقي أساتذتي الذين درسوني، ودرسوا أجيالا، كتبت أسماءهم، كلهم ماتوا… والمطاعم كلها التي كنت أنوي زيارتها سُويت بالأرض… البيت الذي كبرت فيه والذي كنت أتمنى أن أعود وأراه وأرتاح فيه لم يعد كما كان، الحلم بأن أرجع إلى بيتي انمحى…”.
برنامج العطلة الذي أعده ياسر لعطلته التي كانت مقررة في شهر كانون الأول إلى غزة
{{ scope.counterText }}
© {{ scope.credits }}
{{ scope.counterText }}
صعوبة التحرك للإخلاء
عندما سألنا ياسر كيف هي أخبار أهله بغزة روى بغضب لفرانس24 قائلا: “عائلة خالتي كلهم ماتوا، زوجها وأبناؤها وأحفادها الأربعة الصغار أكبر واحد فيهم ست سنوات، 12 شخصا من عائلتي ماتوا جميعا، بقيت خالتي، بين الحياة والموت وهي الآن في العناية المركزة، تلقوا الأوامر بإخلاء البيت والتوجه نحو جنوب القطاع، لكنهم اختاروا البقاء، ليست هناك سيارات ولا بنزين حتى يتنقلوا… أغلب الناس ليسوا قادرين على التنقل إلى الجنوب، الأمر يكلف 200 دولار على الأقل (1200 شيكل) ما يعادل مرتب أستاذ في غزة”.
ونزح آلاف الفلسطينيين من مدينة غزة في الأيام الأخيرة في اتجاه جنوب القطاع بعد تحذيرات وجهها الجيش الإسرائيلي لإخلاء منازلهم ما يوحي بتحضيره لعملية برية ردا على هجوم حركة حماس غير المسبوق على إسرائيل.
وتابع ياسر “هذا إلى جانب وجود حالات خاصة، عائلة صهر أخي، جاؤوا في بداية أيام القصف الإسرائيلي إلى بيتنا، لكن الأب بقي في بيته، فضّل البقاء ليس لأنه متمسك ببيته، بل لأن لديه أختا مقعدة وأخا مسنا (80 سنة) قال إنه لا يقدر على الخروج وتركهم… اتصلنا بالإسعاف.. ليساعدونا على نقلهم.. قالوا لنا إن الأولوية القصوى لقتلى وجرحى القصف تحت الأنقاض، وكأن إجلاء أشخاص مسنين حتى لا يهدم البيت على رؤوسهم نوع من الرفاهية. تمكّنّا لاحقا من العثور على سيارة إسعاف لمستشفى خاص ونُقلوا إلى منزلنا… وبعد بعض الوقت تم قصف بيته… صار ركاما… الرجل كاد يجنّ وهو يشاهد ما بناه في حياته ينهار، دخل في حالة هستيريا… بالنسبة له حياته دمرت… هذا لم يكن سوى البداية قبل أن تقع المجازر الأكبر لاحقا…” “من تركوا بيوتهم أيضا تعرضوا للقصف.. عائلة صديق لي.. خرجوا وتم قصفهم…”
120 شخصا في منزل واحد
وانتقلت عائلة ياسر لاحقا إلى بيت أخته. ووفق ما روى فإنهم تلقوا تهديدات “بقصف البنايات حولنا… نحن نقطن في برج الصحافيين في تل الهوى، هو مقر إقامة الصحافيين، كان يعتبر آمنا نسبيا… لكننا تلقينا ما يسمى بالأسطوانات وهي تنبيهات ليعلمونا أنه سيتم قصف البنايات المحاذية… وأن بنايتنا في خطر ويمكن أن تدخل الشظايا إلى بيتنا… وهو ما حصل فعلا… تضرر البيت كثيرا من الداخل…” لكن القصة لم تنته عند هذا الحد ففي نفس اليوم طُلب منهم إخلاء البناية لقصفها، تلقوا التنبيهات بعد منتصف الليل واضطروا للخروج وقتها.
يشير ياسر في هذا السياق إلى أن “هناك حربا نفسية كبيرة… فمن كثافة القصف الإسرائيلي على المباني لم نعد نتلقى مكالمات، بل أصبحوا يرسلون أسطوانات كما تسمى في غزة وهي عبارة عن رسائل صوتية مسجلة جاهزة تتضمن -قد أعذر من أنذر، الجيش الإسرائيلي يطلب منكم إخلاء المربع بالكامل…” والمربع مساحة واسعة من المنطقة”.
وتابع ياسر “هم الآن في منزل أختي. قرابة 120 شخصا في منزل واحد ينامون واقفين. لا يكفي الماء للجميع… رحلة الوصول إلى بيت أختي ليلا في ظل القصف في حد ذاتها كانت صعبة للغاية عليهم وعلينا في الوقت العادي كانوا يحتاجون لنحو 7 دقائق للوصول لكنهم وقتها مشوا لأربعين دقيقة على الأقدام، ومعهم مسنون، ليس هناك بنزين للسيارات كما أن استخدام السيارات خطير وخاصة ليلا، قد يصبحون عرضة للقصف… فقدنا الاتصال بهم وقتها… لم نتمكن من معاودة الاتصال بهم إلا بعد نحو ساعتين”.
أما سعيد (اسم مستعار) الذي قدم إلى باريس منذ أكثر من خمس سنوات للدراسة فيروي لفرانس 24: “أشعر أنني أعيش حياة مزدوجة. يجب علي أن أواصل حياتي، يجب أن أذهب للعمل، وأركب المترو مبتسما، وأقوم بالتسوق والطهي والأكل، وأنا أعلم أن والديّ ليس لديهما ماء…”
عائلة سعيد تعيش في قطاع غزة، والداه وإخوته وأخواته. “نعيش في حي الناصر، وهو حي عادة هادئ جدًا في وسط مدينة غزة. عادةً ما نستضيف الأقرباء الذين تم إجلاؤهم خلال الحروب (مثل عام 2008 وعام 2014). خلال 30 عاما، لم نترك منزلنا أبدا.” لكنهم اضطروا هذه المرة لتركه”.
يشير قائلا “أمس تمكنت من الاتصال بوالدتي. تركوا المنزل قبل بضعة أيام، والآن يقيمون في مركز للأنوروا في خان يونس، جنوب قطاع غزة. هذا المركز الذي يُفترض أن يستوعب 300 شخص، فيه الآن حوالي 30,000 شخص. ليست هناك مياه صالحة للشرب، ولا توجد مياه جارية، ويوجد 40 مرحاضا فقط لخدمة 30,000 شخص، لذا الوضع الصحي صعب للغاية. هناك أطفال وكبار في السن وعائلات بأكملها تعيش في قاعات التدريب. بالطبع، هذا ليس كافيا لذا بدؤوا في النوم في الخارج حول المركز”.
يشاركنا قلقه على أخته أيضا. “انهارت بالبكاء أمس عندما تحدثت معها. إنها تنام في سيارة بالقرب من المركز مع ابنتيها. كان من المفترض أن تغادر في إطار تبادل جامعي في الولايات المتحدة هذا الشهر، لكن ذلك لم يتحقق”.
ويقول سعيد لفرانس24: “هناك أجانب معهم في المركز، عمال من منظمات غير حكومية أوروبية وأمريكية عالقون هناك. ولهذا السبب، توجه الكثيرون إلى هذا المركز، لأنه يوجد فيه أجانب. وجود الأجانب يحمي المركز من التعرض للقصف… كلما اتصلت بأبي أسأله “هل الأجانب ما زالوا معكم أم لا؟” أخشى أن يتحول هذا المركز إلى هدف سهل بمجرد أن يرحل العاملون الأجانب، أو يتم تبادلهم مقابل مساعدة إنسانية مع مصر أو إسرائيل”.
وعن أهلها قالت سارة: إنهم “الآن هم في بيت جدتي في عزقولة وسط غزة، على بعد خمس دقائق من المستشفى الذي تعرض للقصف الدامي ليلة 17 من أكتوبر/تشرين الأول، هم 70 شخصا في بيت واحد، رجال ونساء، تنقصهم المياه حتى للنظافة الشخصية، تنقصهم أبسط مقومات الحياة.. الكل يتعاون، لكن الوضع صعب للغاية، ليس لديهم شيء… يقولون إنها أسوأ حرب، هم خائفون جدا”.
وتابعت: “إحدى خالاتي اختارت الذهاب مع زوجها إلى رفح، هم الآن ينتظرون في مدرسة… والمعبر مغلق، مصر لا تفتح الحدود. والآن نقص الماء وانقطاع الكهرباء يعقد الأمر كثيرا… خال أبي وكل عائلته ماتوا في القصف، السبت الماضي، طلبوا منهم إخلاء البيت، لكنهم قصفوه قبل أن يتمكنوا من الخروج، ماتوا جميعا، عائلة كاملة تم محوها من السجل المدني خالي 70 عاما، زوجته 60 عاما، أولادهم وأحفادهم بين 11 و18 عاما”.
“موقف مخز”
وما يزيد من قسوة شعور هؤلاء بالوحدة، قرار وزارة الداخلية الفرنسية الخميس 12 أكتوبر/تشرين الثاني بمنع أي تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين على الأراضي الفرنسية. وفي تعميمها على السلطات المحلية، أشار وزير الداخلية جيرالد دارمانان أن الأشخاص الأجانب المرتكبين لجرائم تحمل طابعا معاديا للسامية “يجب أن يتم سحب إقامتهم ويجب تنفيذ قرار طردهم على الفور”.
يقول سعيد بشأن ذلك: “جئت إلى فرنسا بحثا عن حرية التعبير. أن أرى عائلتي وشعبي في مثل هذا الوضع أمام أعيننا، وألا نستطيع التحدث علنا في الشوارع والمطالبة بوقف كل هذا، أجد ذلك غير عادلا أبدا”!
نفس الموقف يتقاسمه سعيد مع ياسر… الذي أخبرنا قائلا “أنا أعتبر نفسي فلسطينيا فرنسيا، أنا الآن محبط وأشعر بالأسى والخذلان من موقف الحكومة الفرنسية… هو موقف مخز وأنا متأكد أن هذا ليس موقف الشعب الفرنسي، ولا يعبر عن قيم الجمهورية الفرنسية”.
العلم الفلسطيني والعلم الفرنسي معلقان في شباك شقة ياسر
{{ scope.counterText }}
© {{ scope.credits }}
{{ scope.counterText }}
يضيف سعيد “عندما تحدثت مع والدتي يوم السبت، كان ذلك يوما للمظاهرة الكبرى في لندن. سألتني ماذا يفعل العالم لدعمهم. حدثتها عن تلك المظاهرة الضخمة وسمعتها تكرر ذلك على الفور للآخرين الذين نزحوا معها.
“الأسبوع الماضي، أردت أن أنضم إلى أصدقائي من غزة للمشاركة في مظاهرة في ساحة الجمهورية، لكن ذلك كان خطيرا (لأن الاجتماعات المؤيدة لفلسطين تم منعها من قبل وزارة الداخلية الفرنسية). كنت أول من غادر المظاهرة عندما رأيت شرطيا، لأنه إذا تم فحصي، فإنني لا أواجه غرامة فقط بل أكثر بسبب كوني أجنبيا. تصريحات جيرالد دارمانان حول هذا الموضوع ليست واضحة جدا، بل هي غامضة بما فيه الكفاية لتسبب لي الخوف”.
واصل سعيد وصف شعوره بالإحباط قائلا: “عندما رجعت مع أصدقائي، لم تكن لدى أي منا القدرة على العودة إلى منازلنا، لنشاهد التلفاز، أو الأجهزة اللوحية، وتلقي الأخبار السيئة والشعور بالعجز. قضينا ثلاث ساعات نتجول في شوارع باريس دون أن نعرف تماما إلى أين نتجه، فقط لتجنب العودة إلى المنزل”.
يضيف ياسر: “لست مؤيدا لحماس، ولم أكن أبدا مؤيدا لها. وعائلتي ليست تابعة لحماس…”
وتروي سارة من جانبها قائلة: “في بداية الأحداث كنت أذهب إلى العمل في المكتب، لكن اليوم مع التضامن مع إسرائيل وإحساسي بأن الناس لا يشعرون بنا، اخترت أن أعمل من البيت، نشعر وكأنه عندما يخسر إسرائيليون حياتهم، بالنسبة إليهم أمر مؤلم، وأنا متفقة مع ذلك، لكن وكأن الأمر مختلف مع الفلسطينيين، هذا أراه حتى في نطاق عملي… أدرك أنه في أذهان الناس، إذا مات فلسطيني، بالنسبة لهم لا مشكلة، أما إذا مات إسرائيلي فالأمر خطير… هذا من الصعب تحمله يوميا، لذا انعزلت في بيتي”.
وتواصل روايتها: “أصدقائي الفلسطينيون هنا، وهم قلة، يعولون عليّ للمشاركة في المظاهرات لأني أحمل الجنسية الفرنسية وولدت هنا… أما هم فيخافون من التعبير عن رأيهم والتعاطف مع ضحايا غزة.. يخافون أن يتم طردهم من البلد… لا سيما وأننا نتحدث الآن عن اعتقال العشرات. ليس لدينا الحق في التعبير والأدهى يتهموننا بمعاداة السامية، وهذا الأمر غير صحيح، أنا مثلا أرفض أي تصريح معاد للسامية وكل أقوال ضد اليهود… هي ليست حربا دينية. يحاكموننا بشكل غير عادل… يتهموننا بأننا ضد الإسرائيليين في شخصهم في حين أننا ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية التي نذكر أنها حكومة يمين متشدد، وهي سياسة إجرامية وضد الإسرائيليين الذين هم ضدنا، نحن الفلسطينيين نريد العيش بسلام”.
والثلاثاء، فشل مجلس الأمن الدولي في تبني مشروع قرار صاغته روسيا لإرساء هدنة “إنسانية” بين إسرائيل وحركة حماس. وحصل مشروع القرار على 5 أصوات مؤيدة (بينها روسيا والصين) و4 معارضة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان)، فيما امتنع 6 أعضاء عن التصويت (اقتراح بناء على ملاحظة بوعلام بينها البرازيل التي قدمت بدورها أيضا مشروع قرار لم يتم إقراره بسبب فيتو من الولايات المتحدة الأربعاء على الرغم من حصوله على تأييد 12 عضوا وامتناع دولتين عن التصويت إحداهما روسيا). هناك قرار جديد لمجلس الأمن رفض إدانة الحرب بفيتو من الولايات المتحدة يمكن إضافته.
ويقول سعيد: “لدي العديد من الأصدقاء الفرنسيين الذين يدعمونني، ولكني أشعر بارتباك لديهم. بالنسبة لهم، من الصعب الذهاب أبعد من أن يقولوا إنهم قلقون من أجل عائلتي. يتعرض الفلسطينيون لاتهامات خطيرة للغاية، بما في ذلك معاداة السامية. أتمنى منهم أن يتحدثوا عما يجري في غزة، وعن انتهاكات حقوق الإنسان التي تم التنديد بها من قبل منظمات غير حكومية، وأن يتخذوا إجراءات للمطالبة بوقف القصف. حتى الآن، عائلتي لا تزال على قيد الحياة، وأتمنى أن يستمروا طويلا.
صبرا المنصر
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.