أمام هذا الكم الهائل من الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الحرب المحتدمة بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في قطاع غزة، حاورت فرانس24 الطبيبة النفسية هالة كرباجي بشأن كيفية التعامل مع هذه الصور الصادمة؟ وكيف يمكن للإنسان أن يتابع الأخبار ومجريات الأحداث بدون أن تؤثر عليه نفسيا وسلوكيا؟
نشرت في:
5 دقائق
منذ أكثر من عشرين يوما يتابع العالم باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي كمّا هائلا من المشاهد التي تتضمن صورا صادمة في ظل الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1400 إسرائيلي، وفق حصيلة رسمية، فيما أكثر من ثمانية آلاف فلسطيني، 3457 منهم أطفال، حسب آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في قطاع غزة الإثنين.
للحديث عن تأثير هذه الصور الصادمة على نفسية الإنسان وكيف يمكنه أن يحمي نفسه من تأثيرها، حاورت فرانس24 الطبيبة النفسية في فرنسا هالة كرباجي.
فرانس24: ما هو تأثير الصور العنيفة على نفسية الإنسان؟
الطبيبة هالة كرباجي: قبل كل شيء أريد أن أركز على نقطة معينة، وهي أنه من الطبيعي جدا أن يتأثر الإنسان عندما يشاهد صور عنف يسلط على أشخاص آخرين، والتأثر يدل أننا لا زلنا نحمل حسّا إنسانيّا، نتفاعل مع آلام الآخرين مهما كانت هويته أوبلده ومهما كان دينه أو عرقه.
كما أنه من غير الطبيعي ألا نشعر بالتأثر حين نشاهد صور العنف أو أن نعتبر ما يحدث أمرا عاديا في حين أن هناك أشخاص يموتون.
اقرأ أيضافرنسا: فلسطينيون “يخافون من التعبير عن رأيهم والتعاطف مع ضحايا غزة”
لذا من الطبيعي والعادي أن تحصل لدينا ردود فعل لأننا نشعر بالتعاطف عندما نشاهد صور عنف تمس أي طرف كان، أو عندما نشاهد صور أذى يحصل لأشخاص مهما كانوا فإننا نتأثر، وهو أمر صحي لأن لدينا تعاطفا مع الضحايا، وهذا يعني أن حياة الإنسان لها قيمة لدينا.
لكن من المؤكد أن هذا الأمر يؤثر علينا على المدى البعيد، فالتعرض للكثير من الصور العنيفة والمتكررة يجعل هذا الأمر اعتياديا بالنسبة إلينا، ونصل إلى مرحلة أننا لا نعود نشعر بشيء.
ما هي الأعراض التي يمكن أن تظهر؟
التعرض المتكرر لهذه الصور يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأعراض كمشاكل النوم والأرق والقلق، وحالات اكتئاب أيضا وإحساس بالعجز أي أن المرء يشعر أنه غير قادر على التأثير أو فعل شيء… وهو خلف الشاشة. ومشاهدة هذه الصور تولد هذه الأعراض لا سيما لدى الشباب والمراهقين الذين هم أكثر هشاشة فذلك يخلق لديهم أيضا اضطرابات سلوكية وشعورا بالخوف إضافة إلى التعلق بآبائهم ويخافون أن يحصل لهم شيء، كما يصبحون غير قادرين على التركيز في دراستهم.
كما يفقد الإنسان أيضا الشعور بالأمان، حيث يصبح متأهبا وقلقا بأن شيئا ما سيحصل له أينما كان.
كما أن هذه الصور يمكن أن توقظ صدمات كامنة بداخلنا، لا سيما لدى أولئك الذين عايشوا الحروب والاضطرابات أو تفجيرات… سيتجدد لديهم الشعور وبشكل أقوى بذكرياتهم وتجاربهم، إذا كانوا معرضين باستمرار لهذه الصور والمشاهد العنيفة.
كيف يمكن للإنسان أن يحمي نفسه في هذه الحالة؟
قبل كل شي يجب أن نذّكر أنفسنا ونستوعب أنه من الطبيعي التعاطف مع القضايا الإنسانية وأنه من الطبيعي أن نشعر بالخوف.
ونحاول ألا نكون معرضين لوقت طويل لهذا الكم الهائل من هذه الصور، نحاول أن نحمي أنفسنا قليلا. والهدف ليس أن نبتعد كليا عن الواقع وألا نعرف ما الذي يحصل في العالم وإنما الهدف أن نقول مثلا سأتابع عشر أو عشرين دقيقة فقط في اليوم لأخذ مسافة عن عنف هذه المشاهد.
أحاول أن أتابع الموضوع من خلال القراءة والاستماع أكثر من مشاهدة الصور والفيديوهات، لنحمي أنفسنا من الأعراض التي تحدثنا عنها.
ونحاول أن نتكلم أكثر عما نشعر مع أشخاص نثق فيهم لنعبر عن الغضب الذي نشعر به تجاه ما يحصل في العالم، نتحدث عن الخوف عن الإحساس بعدم الأمان.
الهدف ليس أن نصم آذاننا عما يحدث في العالم، لكن الهدف أن نكون أكثر وعيا بما نشعر تجاه ما يحصل في العالم.
وعلينا أن نحاول أن نواصل حياتنا بطريقة طبيعية نقتصر فيها على عشر دقائق، أو عشرين دقيقة على أقصى تقدير في اليوم، نتابع خلالها المعلومات المكتوبة والمسموعة ونحاول بعد ذلك أن نمارس العادات التي كانت في السابق تساعدنا على الخروج من حالات الضيق.
كما أنه من المهم جدا أن نحافظ على علاقاتنا الاجتماعية، لنتحدث عما نشعر به.
ونحاول أيضا أن نحمي أبناءنا بقدر الإمكان من هذه الصور، نحاول أن نجنبهم مشاهدة مقاطع العنف والصور الصادمة، لأن ذلك سيؤثر عليهم كثيرا. وأن نفسر لهم إذا طلبوا ما يحصل في العالم من أحداث، طبعا ليس قبل السبع سنوات. ونحاول أن نطمئنهم ونؤكد لهم أنهم بأمان.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.