يحتاج نحو تسعة ملايين شخص إلى المساعدة الإنسانية، وتشير التقارير إلى أن حوالي 4,000 شخص تم استهدافهم وقتلهم بسبب انتمائهم القبلي. وتبرز الآن مخاوف من إمكانية عودة دارفور إلى دوامة القتال الوحشي والفظائع المتزايدة التي شهدتها آخر مرة قبل عشرين عاما وتسببت في مقتل حوالي 300 ألف شخص وتشريد ملايين آخرين.
إذن، ما الذي يحدث الآن في دارفور؟ إليكم كل ما تحتاجون معرفته حول الصراع في الإقليم السوداني.
أولا، ما هو السياق التاريخي للوضع في دارفور؟
اشتق اسم “دارفور” من “دار الفور” ويعني “أرض الفور”. حكمت قبيلة الفور سلطنة دارفور الإسلامية والتي انتهت مع مقتل السلطان علي دينار، آخر سلاطين دارفور عام 1916. حاليا، تعد دارفور موطنا لحوالي 80 قبيلة ومجموعة قبلية- تشمل مجتمعات زراعية مستقرة وأخرى بدوية تعتمد على الرعي.
وعلى الرغم من أن الصراعات القبلية في دارفور ليست أمرا جديدا، فقد تطور الوضع بشكل خطير عام 2003 عندما حملت حركات متمردة، ولا سيما حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، السلاح ضد الحكومة السودانية، احتجاجا على التوزيع غير العادل للسلطة والثروة.
وقد استعانت قوات الحكومة السودانية بميليشيات عرفت باسم الجنجويد ضد الحركات المتمردة التي تقاوم حكم الرئيس السابق عمر البشير. وكانت النتيجة أن تكبدت دارفور خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حيث لقي نحو 300 ألف شخص مصرعهم، فيما تم تشريد الملايين- ولجأ نحو 400 ألف شخص منهم إلى مخيمات في دولة تشاد المجاورة.
وردا على هذه الفظائع، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق العديد من كبار المسؤولين السودانيين، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور.
هل يعيد التاريخ نفسه في دارفور؟
على الرغم من أن دارفور شهدت فترات متقطعة من الهدوء النسبي خلال السنوات الأخيرة- خاصة خلال الفترة التي تزامنت مع وجود البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد)، إلا أن الوضع اتخذ منعطفا خطيرا مع اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023 بين قوات القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
خلال إحاطة قدمتها لمجلس الأمن في تشرين الثاني/ نوفمبر، قالت مارثا أما أكيا بوبي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا إن الأعمال العدائية “احتدت” وأن السودان “يواجه الالتقاء بين كارثة إنسانية متفاقمة وأزمة حقوق إنسان كارثية”. وقد أثار تصاعد العنف في دارفور المخاوف من تكرار الفظائع التي ارتكبت قبل عقدين من الزمن.
وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها إزاء التقارير التي تفيد باستمرار العنف الجنسي والتعذيب والقتل التعسفي وابتزاز المدنيين واستهداف مجموعات قبلية بعينها. وشهدت ولاية غرب دارفور مقتل المئات- بمن فيهم والي الولاية السابق، خميس عبد الله أبكر- في هجمات ذات دوافع عرقية شنتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها.
وقال فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن “مثل هذه التطورات تعكس ماضيا مروعا لا ينبغي أن يتكرر”، مشيرا إلى “أشهر من المعاناة والموت والخسارة والدمار”. وفي تموز/يوليو، فتح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في مزاعم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ولاية غرب دارفور، عقب اكتشاف مقابر جماعية لنحو 87 فردا من قبيلة المساليت، يُزعم أنهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها.
كيف تقدم الأمم المتحدة المساعدة لسكان دارفور؟
في الماضي، كان للأمم المتحدة حضور قوي في دارفور من خلال العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)- التي أنشأها مجلس الأمن في تموز/يوليو2007. وتضمنت ولايتها، من بين أمور أخرى، حماية المدنيين في دارفور وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية من قبل وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى.
أنهت بعثة يوناميد مهامها في 31 كانون الأول/ديسمبر 2020 وتولت حكومة السودان مسؤولية حماية المدنيين في جميع أنحاء المنطقة. وجاء ذلك في أعقاب اتفاق سلام تاريخي بين الحكومة السودانية وحركتين مسلحتين في دارفور.
وتم بعد ذلك إنشاء بعثة سياسية تابعة للأمم المتحدة تُعرف اختصارا باسم “يونيتامس” لدعم السودان لفترة أولية مدتها 12 شهرا أثناء انتقاله السياسي إلى الحكم الديمقراطي. وشمل هذا الدعم إنشاء لجنة وقف إطلاق النار الدائمة التي كانت أساسية لتنفيذ مسار دارفور من اتفاق جوبا للسلام في تشرين الأول/أكتوبر 2020 والحيلولة دون تجدد الصراع السياسي في دارفور.
في كانون الأول/ديسمبر 2023، وبعد طلب من الحكومة السودانية، أنهى مجلس الأمن الدولي ولاية بعثة يونيتامس وقرر البدء في تصفية عملياتها خلال فترة ثلاثة أشهر من المقرر أن تنتهي في 29 شباط/فبراير 2024. لكن الأمم المتحدة لم تغادر السودان وستواصل العمل من خلال موظفيها ووكالاتها وبرامجها في تقديم الدعم للشعب السوداني.
ومما يثير القلق أن مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان قد تلقى مؤخرا تقارير موثوقة حول وجود ما لا يقل عن 13 مقبرة جماعية في مدينة الجنينة بغرب دارفور والمناطق المحيطة بها، نتيجة لهجمات قوات الدعم السريع والميليشيات العربية على المدنيين الذين ينتمي غالبيتهم إلى قبيلة المساليت. وإذا ثبت التحقق من صحة هذه الأفعال، فقد تشكل جرائم حرب.
ماذا عن الوضع في دارفور الآن؟
تقول الأمم المتحدة إنها تشعر بقلق خاص إزاء الأوضاع في دارفور، حيث يموت الأطفال في المستشفيات، ويعاني الأطفال والأمهات من سوء التغذية الحاد، كما أحرقت مخيمات للنازحين بالكامل.
وقالت مارثا أما أكيا بوبي لمجلس الأمن، إن “العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي مستمر، مع اتهامات بارتكاب العنف الجنسي من قبل أفراد قوات الدعم السريع، وأعمال اغتصاب وتحرش جنسي تورطت فيها أيضا القوات المسلحة السودانية”.
هل تصل المساعدات حاليا إلى دارفور؟
غادرت الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة دارفور عندما اندلع الصراع في نيسان/ أبريل2023 وتعرضت العديد من مرافقها للنهب أو التدمير. وقد عاد بعضهم بين الحين والآخر لتقديم الإغاثة الإنسانية عندما سمح الوضع الأمني بذلك.
وبرغم الظروف بالغة الصعوبة التي يعمل في سياقها عمال الإغاثة في دارفور، إلا أن الكثيرين منهم خاطروا بحياتهم في سبيل خدمة مجتمعاتهم. وفي ظل التحديات الأمنية، تمكن شركاء الأمم المتحدة، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، من الوصول إلى ولاية وسط دارفور بقافلة تحمل إمدادات طبية، لأول مرة منذ اندلاع القتال في منتصف نيسان/أبريل. استغرقت القافلة التي انطلقت من مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض 5 أيام للوصول إلى وجهتها.
ومؤخرا، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن وصول أول شحنة إغاثة عبر الحدود من تشاد إلى مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور. وتضمنت الشحنة إمدادات طبية وغذائية من منظمة الإغاثة الدولية غير الحكومية. وستدعم المساعدات أكثر من 185 ألف امرأة ورجل وطفل.
ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن السودان يمثل أكبر أزمة إنسانية في العالم، لكن خطة الاستجابة ممولة بنسبة 33% فقط. وقال المكتب إنه بدون المزيد من الدعم “سيموت آلاف الأشخاص”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.