بعد الخرطوم ومدن سودانية أخرى، انتقلت المواجهات الدامية بين قوات الدعم السريع وعناصر من الجيش السوداني إلى إقليم دارفور الواقع بغرب السودان. فبعدما استولت قوات الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي” على بلدات عدة مثل ديالا والضعين والجنينية، تدور المعارك من أجل السيطرة على مدينة الفاشر، العاصمة الإدارية والسياسية. فهل بات سقوط دارفور وشيكا؟
نشرت في:
8 دقائق
بينما تتجه أنظار العالم منذ أسابيع نحو منطقة الشرق الأوسط والحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، انتقلت المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني من العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى إلى إقليم دارفور الذي يعتبر منطقة استراتيجية بسبب احتوائها على مخزون هام من النفط.
الاشتباكات التي وقعت بين قوات الدعم السريع وعناصر من الجيش السوداني تنذر بأزمة إنسانية جديدة في هذا الإقليم الذي عرف نزاعا مسلحا من 2003 لغاية 2016 بين متمردين ضد نظام عمر البشير والجيش السوداني. ما أدى إلى نزوح ولجوء عشرات الآلاف إلى دول ومناطق مجاورة.
اقرأ أيضاما هي قوات الدعم السريع التي تخوض مواجهات مسلحة مع الجيش السوداني؟
ويعود السبب إلى تمدد قوات الدعم السريع في الإقليم الواقع غرب السودان وسيطرتها على غالبية المدن والبلدات القريبة من الفاشر، العاصمة السياسية والإدارية للإقليم.
قوات الدعم السريع التي يتزعمها الفريق أول محمد حمدان دقلو المدعو “حميدتي” أصبحت تكثف جهودها للاستيلاء على الفاشر، التي أعلنت بعض الحركات المسلحة المتواجدة فيها مثل حركة “تحرير السودان” بأنها ستدافع عنها رفقة الجيش السوداني.
وسبق لقوات الدعم السريع أن سيطرت في منتصف الشهر الحالي على مدينة الضعين، معقل قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” وغالبية قادة قواته ومقاتليه.
“عمليا الدعم السريع استولى على إقليم دارفور”
ومنذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استولت نفس الجماعة على مدينة نيالا في الجنوب وزالنجي في الوسط والجنينة في الغرب. ولم يتبق لغاية اليوم سوى مدينة الفاشر لكي يبسط حميدتي سيطرته كاملة على إقليم دارفور.
ويعتقد المحلل السياسي والأستاذ الجامعي السوداني طلحة جبريل، أن الفرصة فاتت لوقف تمدد قوات الدعم السريع، وأن سقوط إقليم دارفور في يد الدعم السريع مسألة وقت فقط.
وقال لفرانس24 “قوات الدعم السريع فرضت سيطرة كاملة على عدة مدن رئيسية وهي نيالا والجنينية وارتكبت مذابح فيها وها هي الآن على وشك السيطرة على العاصمة الفاشر التي حاصرتها من جميع الجوانب”.
وتابع “عمليا الدعم السريع استولى على إقليم دارفور ولم يعد هناك تواجد للجيش السوداني الذي تشتت”، متوقعا نزوحا أكبر لسكان الإقليم وإمكانية تعرض القبائل الأفريقية إلى تطهير عرقي من قبل قوات حميدتي التي تلقت الدعم من قبائل عربية، وفقه.
الاتحاد الأوروبي يندد بـ”الجرائم” المرتكبة في دارفور من قبل الدعم السريع
وأضاف “في حال سقوط دارفور، الحرب ستتحول إلى حرب أهلية شاملة، ذات طابع قبلي وستكون بداية لتفتت السودان مرة أخرى”، محذرا من ارتفاع حدة الأزمة الإنسانية التي يمر بها هذا البلد منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل الماضي.
والأمر الذي قد يزيد الطين بلة، هو إمكانية تدخل الحركات المسلحة غير العربية المتواجدة في دارفور على خط الصراع والمشاركة في العمليات العسكرية دفاعا عن المدنيين من أصول أفريقية.
أبرزها “حركة تحرير السودان” التي قال زعيمها وحاكم دارفور في نفس الوقت مني أركو مناوي في تصريح نقلته وسائل إعلام عربية بإنها “خرجت من الحياد الذي التزمت به وإنها ستدخل في الحرب لدحر قوات الدعم السريع من الإقليم وحماية المدنيين غير العرب”.
وجدير بالذكر أن سقوط دارفور في يد قوات الدعم السريع سيؤجج الأزمة الإنسانية التي يعاني منها السودان منذ أكثر من ستة أشهر.
ويقول جيرمي لورانس من مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، “الاعتداءات ضد لاجئين سودانيين من أصول أفريقية في مدينة الجنينة بدأت منذ شهر على الأقل وخلفت العديد من القتلى والجرحى. ما جعل الاتحاد الأوروبي يندد بهذه “الجرائم” التي ترتكبها عناصر من الدعم السريع واصفا إياها “بالتطهير العرقي”.
مفوضية شؤون اللاجئين تحذر من تكرار سيناريو الفظائع التي ارتكبت في 2003
من جهتها، عبرت “قوى الحرية والتغيير” عن قلقها إزاء تصاعد وتيرة المواجهات المسلحة في كافة أرجاء البلاد والجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في هذه الحرب، لا سيما “الجرائم الشنيعة التي وقعت بغرب دارفور إثر اقتحام قوات الدعم السريع للجنينة” وفق البيان الصحفي الذي نشرته من القاهرة.
كما نوهت لما سمته بـ “المؤشرات الواضحة التي تغذي الصراع في دارفور من خلال خطوات ملحوظة ومرصودة لتحويل الحرب إلى مواجهة أهلية شاملة بين المكونات السكانية للإقليم”. فيما طالب جميع “المكونات الاجتماعية بالإقليم بعدم الانسياق لهذا المخطط الذي لن يورث الإقليم إلا مزيدا من الخراب والدمار وإطالة أمد الحرب وزيادة كلفتها”، داعيا في الوقت نفسه إلى “الاستفادة من تجربة الحرب التي عاشها الإقليم منذ العام 2003”.
هذا، وحذرت مفوضية شؤون اللاجئين من تكرار سيناريو المجازر التي وقعت قبل 20 عاما. وكتب فيليبو غراندي، المفوض العام في مفوضية اللاجئين في تقرير نشر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني ” قبل عشرين عاما، صدم العالم بالفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في دارفور. نخشى ظهور ديناميكية مشابهة في هذا الإقليم”. وواصل:” المدنيون يغادرون الإقليم أفواجا. أكثر من 8000 لاجئ جدد وصلوا إلى تشاد المجاور خلال أسبوع فيما تم قتل حوالي 800 شخص من قبل جماعات مسلحة في بلدة “أردماتا” بغرب دارفور”.
نشر قوات متعددة الجنسيات لوقف الاقتتال
من ناحيتها، قالت الأمم المتحدة إن “دارفور تحول إلى جهنم حقيقية لملايين الأطفال، فيما تم قتل أو جرح حوالي 800 آخرين بسبب انتمائهم العرقي”. أما منظمة اليونيسف، فأكدت أن حوالي 4000 مدرسة تم إغلاقها بسبب العنف”. واعتبر المحلل السياسي والأستاذ الجامعي السوداني طلحة جبريل أن عبد الفتاح البرهان هو “المسؤول الأول عن الوضع الذي آل إليه السودان ودارفور على حد سواء”. “فبعدما تعرض الجيش السوداني إلى تصفية ممنهجة من قبل البشير، أقدم البرهان على تنحية كل الكفاءات العسكرية وطلب من حميدتي أن يعزز صفوف الميليشيات ويرفع من حجمها إلى 100 ألف مقاتل.
وبشأن الحلول الكفيلة بإنهاء الحرب في بلاد النيلين، أحصى المحلل حلين فقط: الأول نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (القبعات الزرق) لكن هذا الخيار سيواجه فيتو من روسيا حسب رأيه. أما الحل الثاني والذي تسوق له الولايات المتحدة، فهو يكمن في نشر قوات عسكرية متعددة الجنسيات، مثل ما حدث في كوسوفو في 1998 مع بناء جيش جديد ومرحلة انتقالية تتبعها انتخابات نزيهة. فهل يتوصل الفرقاء إلى حل ينهي الحرب واللجوء والنزوح؟
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.