ما هو مصير الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا عائلاتهم خلال الحرب في غزة؟

ما هو مصير الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا عائلاتهم خلال الحرب في غزة؟


مطلع فبراير/شباط الجاري، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن تقديراتها تشير إلى أن نحو 17 ألف طفل فلسطيني في غزة باتوا غير مصحوبين أو انفصلوا عن عائلاتهم بعد مرور نحو خمسة أشهر على بدء الحرب بين حماس وإسرائيل. كما أن “العديد من العائلات الموسعة أصبحت غير قادرة على رعايتهم، لأنها بدورها تكافح كل يوم لإطعام أطفالها الخاصين”وفق ما صرح لفرانس24 جوناتان كريكس المتحدث باسم اليونيسف في الأراضي الفلسطينية الذي زار مؤخرا غزة. حوار

نشرت في:

12 دقائق

وفق آخر إحصائيات لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) فإن 17 ألف طفل فلسطيني على الأقل في قطاع غزة باتوا غير مصحوبين أو انفصلوا عن عائلاتهم بعد مرور نحو خمسة أشهر على بدء الحرب بين حماس وإسرائيل.

وتعرف اليونيسف الأطفال المنفصلين عن ذويهم بأنهم أولئك الذين هم بدون والديهم، في حين أن الأطفال غير المصحوبين بذويهم هم الأطفال المنفصلون والذين ليس لديهم أقارب آخرون أيضا.

ويأتي ذلك في سياق الحرب التي دمّرت قطاع غزة الفلسطيني وشردت أكثر من 80% من سكانه إثر هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) غير المسبوق على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصا من الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة الأنباء الفرنسية يستند إلى آخر الأرقام الرسميّة الإسرائيلية.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل القضاء على حماس، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة أتبعت بعمليات برية، ما تسبب بمقتل 28176 فلسطينيا، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة.

واعتبرت اليونيسف في ديسمبر/ كانون الأول الماضي قطاع غزة أخطر مكان للأطفال في العالم، وحذرت من أن التقاعس عن العمل والسماح باستئناف الهجمات، يعني السماح بقتل مزيد من الأطفال، مشيرة آنذاك، إلى أن نحو 1000 طفل تعرضوا لبتر في الأطراف.

فيما نشرت كاثرين راسل المديرة التنفيذية لليونيسف على موقع إكس في يناير/ كانون الأول بأن “الأطفال في غزة عالقون في كابوس يزداد سوءا مع مرور كل يوم”.

 


لمعرفة المزيد عن مصير الأطفال في قطاع غزة لا سيما المنفصلين عن ذويهم وغير المصحوبين، حاورت فرانس24 جوناتان كريكس المتحدث باسم اليونيسف في الأراضي الفلسطينية بعد عودته مؤخرا من زيارة إلى غزة.

 

في سياق حرب غزة، كيف يتم التعامل وتوفير الرعاية الطبية والنفسية للأطفال المصابين الذين يجدون أنفسهم وحدهم في المستشفى بدون والديهم أو أقاربهم؟

 

هذا الصراع، وهذه الأزمة في قطاع غزة، تؤثر بشكل خاص على الأطفال. نحن نعلم أن هناك تقارير تشير إلى أكثر من 27 ألف شخص قتلوا في قطاع غزة ومن بينهم 70% من النساء والأطفال. ونعلم أيضا أن هناك آلاف وآلاف الأطفال الجرحى. التقى اليونيسف العديد منهم وقدم المساعدة للعديد منهم . بالإضافة إلى ذلك الوضع في المستشفيات مأساوي بشكل خاص لعدة أسباب: أولا لأن عدد المستشفيات التي تعمل جزئيا أصبح قليلا اليوم… نحن نتحدث عن ثلاثة عشر إلى أربعة عشر مستشفى يعمل بشكل جزئي من بين مجموع 36 مستشفى. وبالتالي، فإن معدل استيعاب هذه المستشفيات يتجاوز الـ 200-300% من مرضاها العاديين، ولهذا الوضع آثار مباشرة. عندما ندخل إلى المستشفيات، نرى أطفالًا ينتظرون لتلقي العلاج في الممرات، والذين قد لا يحصلون على الرعاية التي يحتاجونها فورا. وهذا بالطبع وضع مأساوي جدا. لذلك، هذا جزء من الأولويات التي حاولت اليونيسف معالجتها وإدارتها. وما يقوم به اليونيسف هو تقديم المساعدة الطبية، بما في ذلك توفير المواد الطبية لغرف الجراحة، مثل الضمادات وجميع المعدات الطبية التي تساعد في علاج إصابات هؤلاء الأطفال. لذا، تتم رعاية الأطفال من الناحية الطبية في هذه المستشفيات، لكن في ظروف صعبة بشكل خاص.

اقرأ أيضانحو 20 ألف طفل ولدوا وسط “جحيم” الحرب في غزة وفق الأمم المتحدة

يمكننا القول إنه فعليا، هناك العديد من الأطفال الذين لا يحصلون على الرعاية الطبية التي يحتاجونها، أو على الأقل ليس على الفور هذا هو الجانب الطبي.

أما فيما يتعلق بالجانب النفسي الاجتماعي، فالاحتياجات هائلة. منذ بداية الأزمة، قدمت اليونيسف الدعم النفسي لأكثر من 40 ألف طفل، هذا رقم مهم، ولكنه غير كاف فعدد الأطفال الذين يحتاجون إلى دعم نفسي في غزة هائل. وقبل الأحداث الرهيبة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك حوالي 500 ألف طفل يحتاجون إلى دعم نفسي، واليوم، عندما نرى ما يحدث في هذه الأزمة، نقدر أن كل الأطفال، أي ما يقرب من مليون طفل في غزة، يحتاجون إلى دعم نفسي. لذا، التحديات هائلة.

أشرتم إلى أن اليونيسف تقدم دعما نفسيا لهؤلاء الأطفال، ماهي أشكال هذا الدعم؟

الدعم النفسي يأخذ عدة أشكال: أولها الدعم من خلال الأنشطة الترفيهية. لذا نقوم بتنظيم أنشطة مثل الرسم والرقص والغناء مع الأطفال في الملاجئ والمخيمات. شخصيا حضرت إحدى هذه الأنشطة ومن الملفت للنظر رؤية الابتسامة التي تظهر على وجوه هؤلاء الأطفال. هذه الأنشطة مهمة بشكل خاص للسماح لهؤلاء الأطفال بـ “الانفصال” عن حياتهم اليومية لمدة ساعة أو ساعتين. وهذه الأنشطة تمكنهم من التعامل، إلى حد ما، مع الصدمات المرتبطة بالعنف الذي تعرضوا له.

رؤى حسونة تعزف الموسيقى للأطفال الفلسطينيين في مخيم للنازحين في رفح في 18 كانون الأول/ديسمبر 2023 © أ ف ب

بالإضافة إلى ذلك، هناك الإحاطة النفسية، تُقدّم بشكل خاص من قبل شركائنا، والتي يتم توفيرها بشكل خاص للأطفال الذين قد يكونون في حالة صدمة، على سبيل المثال. وقد التقيت بالعديد من الأطفال الذين يعانون من حالة صدمة، والذين يجدون صعوبة في التحدث أو التواصل الاجتماعي، والذين يقفزون أو يبكون فور سماع صوت باب صكّ على سبيل المثال، أو عند سماعهم لقصف. لذا، هناك دعم نفسي من هذا القبيل، يُوجه بشكل أكثر مباشرة للأطفال الذين يعانون من صدمات كبيرة.

وهناك أيضًا نوع ثالث من الدعم. وهنا سأتحدث عن بُعد الأطفال المنفصلين عن ذويهم وغير المصحوبين. لدى اليونيسف وشركائها برنامج يهدف إلى محاولة، ومن المهم أن نشير إلى أنها مجرد محاولات، للمّ شمل هؤلاء الأطفال مع عائلاتهم الموسعة، مع ابن عم أو عم أو خالة.

 وما أريد التأكيد عليه هنا هو صعوبة القيام بذلك. إنه أمر صعب للغاية خاصةً في ظل استمرار العمليات القتالية، وعندما لا يوجد مكان آمن، ففي قطاع غزة، توجد صعوبة في الوصول إلى العديد من أجزائه، لاسيما في الشمال والوسط. وبالتالي، كل هذه الأمور تجعل عمل اليونيسف وشركائها صعبا بشكل خاص.

وفي سياق التتبع، من أجل تحديد ومحاولات تجميع هؤلاء الأطفال المنفصلين عن ذويهم وغير المصحوبين بذويهم ولمّ شملهم مع عائلاتهم الموسعة، أود ذكر تحدّ آخر يثير قلقا بشكل خاص، وفق ما نقله العاملون الاجتماعيون، شركاؤنا الذين يقدمون هذا الدعم: العديد من العائلات الموسعة أصبحت غير قادرة على رعاية هؤلاء الأطفال، لأنها بدورها تكافح كل يوم لإطعام أطفالها الخاصين. وهذا أمر يثير القلق بشكل خاص في معظم النزاعات، وخاصة في الشرق الأوسط. للعائلة الموسعة دور أساسي في رعاية هؤلاء الأطفال.

 

أين يتم إيواء الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم؟

التعامل مع وضعيتهم يعتمد على كل حالة على حدة. لذلك، بالنسبة لنا ولرفاهية الأطفال، الأولوية المطلقة هي محاولة بذل قصارى جهدنا لتتبع وتجميع هؤلاء الأطفال مع عائلاتهم الموسعة. هذا هو حقا الهدف الرئيسي بالنسبة لنا لأننا نعتقد أنه أفضل حل لهؤلاء الأطفال.

إلى جانب ذلك، لدينا شركاء يتولون رعاية الأطفال الذين لا يمكننا، على سبيل المثال، معرفة عائلاتهم الموسعة، أو الأطفال الذين لا تمتلك عائلاتهم الموسعة القدرة على رعايتهم. وبالتالي، يتم إيواؤهم في مراكز حيث يحصلون على دعم نفسي ودعم طبي أيضا.

ومجددا أعتقد أنه إذا كانت هناك رسالة أساسية حقا بالنسبة لنا، فهي أننا عندما نرى مدى ما يحدث وبأن نحو 17 ألف طفل فلسطيني باتوا غير مصحوبين أو انفصلوا عن عائلاتهم، الأمر الوحيد الذي يمكن أن يوفر مساعدة لهؤلاء الأطفال هو وقف إطلاق النار الإنساني.

اقرأ أيضا ﺃﻣﻨﻴﺘﻲ ﺃﻻ ﺃﻣﻮﺕ… أطفال غزة ﻳﺘﻤﻨﻮﻥ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ في 2024

ولهذا السبب، تدعو اليونيسف منذ البداية إلى وقف إطلاق نار إنساني مستدام يسمح بالتتبع أو على الأقل المزيد من التتبع للوصول لهؤلاء الأطفال في مختلف مناطق قطاع غزة. فعلى سبيل المثال، يصعب الوصول إلى شمال القطاع بشكل كبير. 

على الرغم من أننا نعلم حسب تقديراتنا بأن نحو 300 ألف شخص متواجدون هناك… لا نملك فكرة عن عدد الأطفال الذين فقدوا آباءهم، الذين هم وحدهم، الذين قد لا يكونون تحت رعاية عائلاتهم. وبالتالي، هذا حقا أمر أساسي للغاية لضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية التي يمكن أن تنقذ الأرواح، ولكن أيضا للتتبع والدعم النفسي لهؤلاء الأطفال. هذه هي رسالتنا الأساسية، ومن أجل تقديم هذه المساعدة، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار الإنساني، يجب أن يكون مستدامًا، يجب إطلاق سراح الأسرى، والأهم، يجب أن يكون هناك حل سياسي لهذه الأزمة. الأطفال يدفعون ثمنا باهظا.

خلال زيارتك لغزة ما هي القصص التي أثرت فيك كثيرا؟

لقد قضيت خمسة أيام في قطاع غزة، وهي مدة قصيرة جدا وفي نفس الوقت طويلة جدا. تمكنت من لقاء حوالي اثني عشر طفلا، تحدثت معهم. أجريت معهم مقابلات، وما يلفت الانتباه بشكل كبير هو أن نصفهم كان لديه قصة فقدان أحد الأقارب، مثل شقيق صغير، أو اثنتين من الأخوات… ومن بين هؤلاء الاثني عشر، كان هناك ثلاثة خسروا والديهم. 

ومن بين هؤلاء الثلاثة، كان هناك اثنان فقدوا كليهما. وكانت إحدى الأطفال الذين قابلتهم، تُدعى رزان. عمرها أحد عشر عاما وقبل شهرين من الآن كانت مع عائلتها في منزل عمها وتعرض هذا المنزل للقصف. وفي هذا القصف، فقدت والدها ووالدتها، وفقدت شقيقتيها الاثنتين، وأخاها، وأصيبت هي في ساقها اليسرى ونُقلت على وجه السرعة إلى المستشفى. لم يكن من الممكن إنقاذ ساقها، تم بترها.

 اليوم رزان على قيد الحياة يرعاها عمها وعمتها. نزحوا إلى رفح، حيث التقيت بهم. يعيشون في مدرسة تم تحويلها إلى مركز للاجئين والنازحين.

 تحدثت رزان عن يوم القصف كيف كانت جالسة على الشرفة وكيف تحولت في لحظة إلى مجرد غبار وضجيج من حولها. تشرح كيف فقدت عائلتها، لكنها كانت تصر كثيرا على ساقها التي فقدتها. في الواقع، كانت تروي باختصار شديد وأستطيع فهم ذلك لعلّه لعدم استحضار تجربة هذه الصدمة مرة أخرى. وكانت تؤكد أنها تريد فعلا ساقا جديدة.

ولأن الوضع في ملجأ للنازحين ليس مثاليا على الإطلاق، بعيدا جدا عن ذلك، فإن حركتها مقيّدة جدا ففي الصباح تجلس في الخارج وفي نهاية اليوم يأتون ليأخذوها إلى سريرها. ليس لديها بالطبع أي تسهيلات في التنقل لذوي الاحتياجات الخاصة سواء للوصول إلى الحمام أو الحصول على الطعام أو أي شيء آخر. لذا فهي في حاجة للاعتماد على الآخرين وتذرف الدموع وتطلب ساقًا جديدة. بالنسبة لي عندما رأيتها وعندما استمعت إلى ما كانت تشرحه، أدركت أنها في كل مرة ترى فيها ساقها المبتورة، تستحضر تجربة هذه الصدمة الشديدة التي مرت بها وفقدان والديها”.



Share this content:


اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading