وبعد تقديم إحاطته عن الوضع في ليبيا إلى مجلس الأمن اليوم الثلاثاء، تحدث باتيلي أمام الصحفيين خارج قاعة المجلس مصرحا بأنه قدم استقالته للأمين العام.
وقال باتيلي أمام مجلس الأمن إنه “مع شعور عميق بخيبة الأمل، فمن المحبط أن نرى أفرادا في مناصب السلطة يضعون مصالحهم الشخصية فوق احتياجات بلدهم”.
باتيلي الذي يرأس كذلك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، شدد على أنه في جميع أنحاء البلاد، يعبر الليبيون ذوو النوايا الحسنة من الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المختلفة، وقطاع الأعمال والمجموعات العسكرية والأمنية وكذلك النساء والشباب، عن نفاد صبرهم لكسر الجمود الحالي وإنقاذ بلادهم من ديناميكيات الفوضى والفشل.
وأشار باتيلي إلى تكثيف اتصالاته مع أصحاب المصلحة الليبيين الخمسة الرئيسيين منذ دعوته لهم إلى الحوار لحل جميع القضايا المتنازع عليها المتعلقة بالقوانين الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة، حيث اقترح طرقا لمعالجة مخاوفهم مع الحفاظ على سلامة مبادرة الحوار كما تم اقتراحها في الأساس.
وأضاف أنه “لسوء الحظ، قوبلت محاولاتي لمعالجة مخاوفهم بمقاومة عنيدة، وتوقعات غير معقولة، ولامبالاة بمصالح الشعب الليبي”.
“ساحة للتنافس”
وأشار الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا إلى أن الشروط المسبقة التي طرحها القادة الليبيون تتعارض مع نيتهم المعلنة لإيجاد حل للصراع بقيادة ليبية ومملوكة لليبيا، وأنهم “حتى الآن، لم يظهروا حسن نيتهم”.
ونبه إلى أنه يتم تحفيز تلك المواقف الراسخة من خلال المشهد الإقليمي والعالمي المنقسم، مما يؤدي إلى إدامة الوضع الراهن الذي قد يعرض ليبيا والمنطقة لمزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن.
وقال المسؤول الأممي إنه منذ نهاية عام 2022، واجهت الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للمساعدة في حل الأزمة السياسية في ليبيا من خلال الانتخابات نكسات وطنية وإقليمية، مما كشف عن تحدي متعمد للانخراط بشكل جدي وإصرار على تأخير الانتخابات بشكل دائم.
ولفت باتيلي إلى تزايد المخاوف بشأن إضعاف الإجماع الدولي بشأن ليبيا بين الليبيين، “حيث أصبحت بلادهم ساحة للتنافس الشرس بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بدافع من المصالح الجيوسياسية والسياسية والاقتصادية، فضلا عن المنافسة التي تمتد إلى ما هو أبعد من ليبيا وتتعلق بجيرانها”.
وأضاف أن “التدافع المتجدد على ليبيا وموقعها ومواردها الهائلة بين اللاعبين الداخليين والخارجيين يجعل الحل بعيد المنال”.
لقاءات عبر ليبيا
وتحدث رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) عن زياراته التي قام بها في الفترة الماضية لمناطق في ليبيا بما فيها ترهونة وجادو وبني وليد ولقاءاته مع وجهاء وممثلين للمجتمعات المحلية وناشطين سياسيين.
وقال باتيلي إنه خلال هذه الاجتماعات، استمع إلى المخاوف بشأن الإقصاء السياسي والاقتصادي، والظلم الاجتماعي، ومحنة السجناء السياسيين، فضلا عن التطلعات إلى المساواة في الحقوق.
وأضاف أنه شدد خلال تلك اللقاءات على أهمية تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وقائمة على الحقوق من أجل نجاح العملية السياسية، وحث السكان المحليين على زيادة نشاطهم السياسي من خلال ممثليهم لتوليد الضغط الاجتماعي اللازم لدعم الانتخابات.
وأشار أيضا إلى أنه شجع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على المضي قدما في انتخابات المجالس البلدية التي لا تزال تواجه عوائق بسبب عدم كفاية الدعم الحكومي لهذه العملية الحاسمة.
الوضع الاقتصادي
وتطرق المسؤول الأممي إلى الوضع الاقتصادي في ليبيا الذي قال إنه يشهد إنهاكا شديدا، وسط تحذيرات من مصرف ليبيا المركزي من أزمة سيولة وشيكة.
ودعا السلطات الليبية إلى علاج ليس فقط الأعراض، بل أيضا الأسباب الجذرية للممارسات الاقتصادية والمالية الضارة المستمرة، مضيفا أن هذه الممارسات تؤثر على البلاد بأكملها، وعلى رفاه عامة السكان، بينما تمكن أصحاب المصلحة الليبيين من الحفاظ على الوضع الراهن.
وحث السلطات الليبية على الاتفاق بسرعة على ميزانية وطنية ومعالجة أوجه القصور الكبيرة بشكل حاسم في الإدارة الشفافة والعادلة والمسؤولة لموارد الدولة لصالح جميع الليبيين، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق المهمشة في الجنوب.
وشدد كذلك على ضرورة إعطاء الأولوية للتمكين الاقتصادي للمرأة، مضيفا أنه على الرغم من الإمكانات الكبيرة المتاحة للمرأة للمساهمة في الاقتصاد الليبي، إلا أن هناك حواجز هيكلية مختلفة تعيق مشاركتها.
ودعا باتيلي إلى “تكثيف الجهود لتمكين المرأة من المشاركة الكاملة في الاقتصاد، وضمان مساهمة النساء والرجال على حد سواء في ازدهار البلاد”.
اتجاه مثير للقلق
وحذر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا من أن البعد الاقتصادي للتحالفات المتغيرة بين الجهات الفاعلة المؤسسية والسياسية والأمنية يشكل اتجاها مثيرا للقلق مع احتمال متزايد لتقويض السلام والاستقرار، مشيرا إلى أن هذا الاتجاه كان واضحا بشكل خاص في غرب ليبيا، لا سيما في مدن مثل طرابلس ومصراتة.
وأضاف باتيلي “إن وجود جهات مسلحة وأسلحة ثقيلة في العاصمة الليبية يعد مصدر قلق كبير لأنه يشكل تهديدا كبيرا لسلامة السكان المدنيين. وأحث جميع أصحاب المصلحة على السعي إلى إيجاد حل سلمي للتوترات المتزايدة وتجنب أي تصعيد إضافي”.
وأشار المسؤول الأممي إلى بعض “الاتجاهات الداخلية المثيرة للقلق” على الصعيد الأمني بما فيها مدينة الزاوية، لكنه شدد على أنه لم يتم تسجيل أي انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار.
ولفت إلى أن التقدم في تنفيذ أحكام اتفاق وقف إطلاق النار المعلقة، لا سيما فيما يتعلق بانسحاب المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة، “لا يزال يعوقه الجمود السياسي وعدم الاستقرار في البلدان الجنوبية المجاورة لليبيا، حيث ينحدر العديد من المقاتلين الأجانب والمرتزقة”.
تقويض الحريات وبث الخوف
وعبر رئيس بعثة أونسميل عن القلق البالغ إزاء تزايد عمليات الاختطاف والاختفاء والاعتقالات التعسفية في ليبيا، التي ترتكبها قوات الأمن مع الإفلات من العقاب في كل من المناطق الشرقية والجنوبية والغربية، مما يقوض الحريات الأساسية ويبث الخوف.
وشدد على أن الإصلاحات التشريعية لحماية الفضاء المدني أمر بالغ الأهمية، داعيا السلطات الليبية إلى مواصلة دعم المبادرة التي يقودها المقرر الخاص المعني بحرية التجمع وتكوين الجمعيات لدعم التزامات حقوق الإنسان.
وأعرب باتيلي كذلك عن القلق العميق إزاء الوضع المزري للمهاجرين واللاجئين في ليبيا الذين يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان طوال عملية الهجرة.
وقال إن اكتشاف مقابر جماعية في جنوب غربي ليبيا في 22 آذار/مارس، والتي كانت تضم جثث 65 مهاجرا لقوا حتفهم أثناء تهريبهم عبر الصحراء، “أمر محزن للغاية”، داعيا إلى تعزيز التعاون الإقليمي لضمان حماية المهاجرين.
وتطرق كذلك إلى التقارير الأخيرة الواردة من سبها عن معاملة مروعة للمهاجرين أثناء الاحتجاز التعسفي، قائلا إن هذا يؤكد الحاجة الملحة إلى اتخاذ السلطات الليبية إجراءات لتخفيف المعاناة الإنسانية.
شرط لا غنى عنه
وأعرب المسؤول الأممي عن الأسف لتأجيل عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية والذي كان مقررا في سرت في 28 نيسان/أبريل.
وأكد أن أونسميل ستستمر في دعم عملية المصالحة الوطنية، بما في ذلك تحديد موعد ومكان جديدين وجدول أعمال وغيرها من الاستعدادات لهذا المؤتمر.
ودعا في ختام إحاطته أعضاء مجلس الأمن إلى تحمل مسؤوليتهم قولا وفعلا، فرديا وجماعيا، من خلال إظهار الوحدة لإجبار أصحاب المصلحة الليبيين والإقليميين على دعم جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لاستعادة الوحدة والشرعية للمؤسسات الليبية من خلال الحوار السياسي.
وقال باتيلي “يظل السلام والاستقرار في ليبيا شرطا لا غنى عنه لاستقرار منطقة الساحل والمنطقة ككل. وأصبح الالتزام المتجدد والمنسق بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية أمرا حتميا أكثر من أي وقت مضى”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.