قال راميش راجاسينغهام المسؤول بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن أحداث الأسبوع الماضي وحدها هي دليل على الوحشية غير المعقولة للصراع في غزة والذي تسبب حتى الآن في مقتل أكثر من 32 ألف شخص، وإصابة أكثر من 75 ألفا- ما لا يقل عن ثلثي هؤلاء الضحايا من النساء والأطفال.
وأشار إلى أن حادثة مقتل عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي، في الأول من نيسان/أبريل لم تكن مجرد مأساة لهم ولعائلاتهم وأصدقائهم. “بل كانت أيضا مأساة لسكان غزة”. وقدم التعازي لأسر وأصدقاء هؤلاء الأشخاص الشجعان المتفانين، “الذين كانوا هناك لمساعدة إخوانهم من بني البشر في وقت حاجتهم”.
وقال المسؤول الأممي “من المؤسف أننا لا نستطيع القول إن هذا الهجوم المأساوي كان حادثة منفردة في هذا الصراع”، مشيرا إلى أن القتلى ينضمون إلى أكثر من 220 من زملائنا في المجال الإنساني الذين قتلوا- 179 منهم من موظفي الأمم المتحدة.
وقال إن الافتقار إلى الحماية- الذي لا يمكن إنكاره- لبعثات الإغاثة قد أجبر المطبخ المركزي العالمي ومنظمة إغاثة أخرى على الأقل وهي منظمة “أنيرا” غير الحكومية على تعليق عملياتهما. وتقوم المنظمتان بتزويد مئات الآلاف من الأشخاص في غزة بالطعام كل أسبوع. ومن غير الواضح متى ستستأنفان عملهما.
مستشفى الشفاء
في 1 نيسان/أبريل، كشف انسحاب القوات الإسرائيلية من مجمع الشفاء الطبي المحاصر في مدينة غزة عن تدمير المستشفى والعديد من المباني في المنطقة السكنية المحيطة به بالكامل تقريبا. وقال راجاسينغهام إن الأمم المتحدة وشركاءها لم يتمكنوا سوى اليوم من الوصول إلى المنشأة، بعد رفض الطلبات المتكررة، للمساعدة في فحص المرضى المتبقين وتقييم الاحتياجات على الأرض.
ستة أشهر من الألم والحزن
ويصادف يوم الأحد، مرور ستة أشهر على اندلاع هذا “الفصل المروع” من الصراع في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.
وقال راميش راجاسينغهام: “ستة أشهر من الألم والحزن لعائلات وأصدقاء القتلى والمحتجزين كرهائن في الهجمات المروعة التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ستة أشهر من الموت والدمار والحرمان والصدمة والمعاناة التي لا يمكن تصورها لأهل غزة. ستة أشهر تضع إنسانيتنا الجماعية وأولوياتنا موضع تساؤل”.
أنقذوا الأطفال
واستمع مجلس الأمن كذلك إلى إحاطة من جانتي سويربتو، رئيسة منظمة أنقذوا الأطفال التي قالت إن 14,000 طفل قتلوا في هذا الصراع “دون داع وبعنف، وفُقِد آلاف آخرون، ويفترض أنهم مدفونون تحت الأنقاض”.
وأضافت “لو جلستُ هنا وقرأتُ اسم وعمر كل طفل إسرائيلي وفلسطيني مات في 7 تشرين الأول/أكتوبر ومنذ ذلك الحين، فسيستغرق الأمر أكثر من 18 ساعة”.
وأكدت أن عدد الأطفال الذين قتلوا في هذا الصراع أكبر من عدد الأطفال الذين قُتلوا في جميع النزاعات المسلحة على مستوى العالم خلال السنوات الأربع الماضية.
وقالت سويريتو عن زيارتها الأخيرة لقطاع غزة إن أول ما لفت انتباهها هو عدد الأطفال الذين لا يرتدون أحذية وسط الزجاج والركام، مضيفة “إنهم يركضون في كل مكان بحثا بيأس عن الطعام والماء لأنه لا يُسمح بدخول ما يكفي إلى غزة. إنهم يعانون من سوء التغذية بشكل واضح ويحتاجون إلى الغذاء”.
ونبهت إلى أنه إذا استمر العالم في السير “على هذا المسار، أي انتهاك جميع أطراف النزاع بشكل صارخ لقواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني، وعدم المساءلة على الإطلاق، ورفض الدول القوية استخدام أدوات النفوذ المتاحة لها، فإن المجموعة التالية من الوفيات الجماعية للأطفال في غزة لن تكون بسبب الرصاص والقنابل، بل بفعل الجوع وسوء التغذية”.
وقالت إن سوء التغذية الحاد ليس موتا هادئا أو غير مؤلم، “فعندما يجوع الأطفال تضعف أجسادهم، وتضمر عضلاتهم، وتتشوش الرؤية، وتفشل أجهزة المناعة. وتفشل الأعضاء، وتتوقف القلوب. في هذه المرحلة، يكون الأطفال أضعف من أن يبكوا”.
وأضافت “امنحوا العاملين في المجال الإنساني إمكانية الوصول الآمن ووقف إطلاق النار، وسنتمكن من إنقاذ الأرواح”.
ولفتت إلى أن ما شاهدته وسمعته في غزة “كان مهينا للإنسانية، ليس فقط بالنسبة لسكان غزة. إنه أمر يجردنا جميعا من إنسانيتنا، إذا وقفنا مكتوفي الأيدي وسمحنا بحدوث ذلك”.
وأشارت إلى أن الجالسين في قاعة مجلس الأمن يملكون الأدوات اللازمة لمعالجة هذه الأزمة، ولكنهم يفتقرون فقط إلى الإرادة السياسية لاستخدامها.
وأثناء إلقاء مسؤولة منظمة أنقذوا الأطفال كلمتها، هز زلزال بلغت قوته 4.8 درجة على مقياس ريختر قاعة مجلس الأمن. وكان ذلك باديا في حركة الكاميرا والتساؤلات على وجوه المندوبين. توقفت الكلمة للحظات قبل أن تُستؤنف مرة أخرى.
الجزائر
السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع قال إن الجريمة التي اقترفت بحق موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي “لم تكن مفاجأة وليست استثناء”. واقتبس ما قاله مؤسس المنظمة، خوسيه أندرس إن الهجوم استهدف الموظفين “بصورة منهجية، عربة تلو أخرى”.
ووصف السفير الجزائري الحادثة بأنها “فصل جديد في كتاب الجرائم المرتكبة”، مشيرا إلى أن الضحايا ليسوا فلسطينيين وأن قتلهم الوحشي يستحق الإدانة، على قدم المساواة. وقال إن التغطية الإعلامية الكبيرة والغضب في أعقاب مقتل عمال المنظمة لن يكون لهما ما يبررهما إذا لم يكونا مساويين للغضب على قتل المدنيين الفلسطينيين.
وأضاف: “هل ينبغي لنا أن ننسى أن القوة القائمة بالاحتلال قتلت أكثر من 33 ألف فلسطيني- 70 في المائة منهم من النساء والأطفال- منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ هل لنا أن نتذكر أن 224 عامل إغاثة قتلوا بواسطة القوة القائمة بالاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ هل ينبغي لنا أن نتذكر أن 484 عاملا صحيا قتلوا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟”
الولايات المتحدة الأمريكية
جون كيلي، المستشار السياسي في بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قال إن الهجوم المأساوي الذي تعرضت له قافلة مساعدات مؤسسة المطبخ المركزي العالمي “ما كان ينبغي له أن يحدث ولا يجب أن يتكرر مرة أخرى”.
وشدد على أن هذه الحوادث غير مقبولة، مؤكدا ضرورة حماية العاملين في المجال الإنساني.
وأعرب عن القلق العميق لأن إسرائيل لم تفعل ما يكفي لحماية عاملي الإغاثة أو المدنيين، مشيرا إلى أنه لهذا السبب، طالب القرار الذي قدمته الولايات المتحدة الشهر الماضي إلى المجلس جميع أطراف النزاع بالاحترام الكامل للإخطارات الإنسانية وآليات تفادي الاشتباك ومعالجة أي أوجه قصور.
وأشار إلى ما نقله الرئيس الأمريكي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بأن على إسرائيل أن تعلن تنفيذ سلسلة من الخطوات الملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة.
وأضاف أن “سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بغزة سوف تتحدد من خلال الإجراء الفوري الذي ستتخذه إسرائيل بشأن تلك الخطوات”.
وأفاد المسؤول الأمريكي بأن بلاده تدعم بشكل كامل التحقيقات الجارية بشأن وكالة الأونروا وتتطلع إلى المراجعة المستقلة التي تقودها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا.
وشدد على “دور الأونروا الذي لا غنى عنه” في توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، مضيفا أن “القيود المفروضة على عمل الأونروا غير مقبولة، خاصة في ظل المخاوف الشديدة بشأن المجاعة التي تلوح في الأفق”.
وقال إنه بينما تضغط بلاده على إسرائيل لكي تفعل المزيد لحماية العاملين في المجال الإنساني وتسهيل العمل المنقذ للحياة الذي تقوم به الأمم المتحدة، بما في ذلك الأونروا، “يجب علينا ألا نتجاهل كيف أن تصرفات حماس قد عرضت العاملين في المجال الإنساني للخطر”.
وأشار إلى أن بلاده تواصل التأكيد على أن وقف إطلاق النار الفوري أمر ضروري لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وحماية أرواح الأبرياء.
وقال إنهم حثوا رئيس الوزراء الإسرائيلي على تمكين مفاوضيه من التوصل إلى اتفاق دون تأخير لإعادة الرهائن إلى وطنهم. كما دعا حماس أيضا إلى قبول الصفقة المطروحة على الطاولة.
دولة فلسطين
من جانبه، قال رياض منصور المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، إن الآباء والأمهات في غزة يحسبون أمد هذه الحرب “بالدقائق والثواني المؤلمة”، حيث دمرت إسرائيل المنازل، وقتلت عائلات بأكملها، وشردت جميع السكان، وهدمت المستشفيات، “وبذلت كل جهد لضمان عدم وصول أي مساعدة إلى شعبنا”.
وقال: “[إسرائيل] تقتل من يشفي، ومن ينقذ، ومن يقدم المساعدة والإغاثة، ومن يطعم، ومن يبلّغ. أن تكون فلسطينيا يكفي لأن تُقتل. إن محاولة مساعدة الفلسطينيين تكفي للقتل”.
وقال السفير الفلسطيني إن مقتل عمال الإغاثة من المطبخ المركزي العالمي ليس حادثة معزولة، مضيفا أنه من المؤسف أن “الأمر احتاج إلى مقتل أجانب حتى يعترف البعض بالمصير الذي كان مخصصا للفلسطينيين لمدة 180 يوما حتى الآن”.
وقال: “لم يكن هذا هجوما على المطبخ المركزي العالمي فحسب، بل هو هجوم على المنظمات الإنسانية العاملة في أسوأ الأوضاع، حيث يُستخدم الغذاء كسلاح حرب. هذا أمر لا يغتفر”.
وقال السيد منصور إن إسرائيل، “بينما قتلت بقنابلها ورصاصها أكثر من 32 ألف فلسطيني وشوهت أكثر من 72 ألفا آخرين، حرصت أيضا على خلق مجاعة من صنع الإنسان”، فيما تتكدس أطنان من المساعدات على بعد بضعة كيلومترات فقط.
وأضاف: “من يستطيع أن يتحدث عن القيم المشتركة مع إسرائيل – التي ترتكب مثل هذه الجرائم – دون أن يلتهمه العار؟”
وقال السفير الفلسطيني إن الجميع كان يعلم ما سيحدث قبل ستة أشهر، مضيفا أن “القادة الإسرائيليين أعلنوا الإبادة الجماعية وتم ارتكابها في وضح النهار”. وقال: “لقد تم عرضها على شاشاتكم. لقد تمت مناقشتها في اجتماعاتكم. لقد تم حشد الكثير منكم لوقفها. ولكن لا تزال هناك أدوات لم يتم استخدامها، ولم يتم حتى النظر فيها”.
وأضاف: “إخفاقاتنا تعني موت المدنيين. ينبغي أن يكون هذا سببا كافيا بالنسبة لنا لبذل كل ما في وسعنا لإنهاء هذه المأساة”.
إسرائيل
جلعاد إردان السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة بدأ حديثه في جلسة مجلس الأمن بالإعراب عن الحزن إزاء الحادث المأساوي الذي أودى بحياة موظفي المطبخ المركزي العالمي في غزة. وقدم خالص التعازي لعائلاتهم وبلدانهم ولمنظمة المطبخ المركزي العالمي.
ووصف الحادثة بأنها “خطأ مأساوي”، مشيرا إلى أن إسرائيل “لا تستهدف المدنيين عمدا، ناهيك عن عمال الإغاثة الذين يقومون بعمل حاسم”.
وقال السفير الإسرائيلي إن التحقيق قد جرى في هذه الحادثة، بشكل شامل، مبينا أن النتائج أظهرت أن هذه الضربة نُفذت “بسبب خطأ في تحديد الهوية، ليلا، أثناء الحرب في ظل ظروف معقدة للغاية”.
وأضاف أن التحقيق في الحادثة أُجري من قبل هيئة خبراء مستقلة وتم الانتهاء منه الليلة الماضية، مشيرا إلى أن النتائج تم تقديمها إلى القيادة الإسرائيلية والمسؤولين في المطبخ المركزي العالمي قبل نشرها للجمهور. وقال إنه نتيجة لذلك، تم بالفعل فصل اثنين من كبار الضباط العسكريين من منصبيهما.
وأضاف: “نسقت إسرائيل توزيع المساعدات مع المنظمات الدولية آلاف المرات منذ بداية هذه الحرب. وما من شك في أن هذا الحادث لم يكن متعمدا”.
المجموعة العربية
متحدثا نيابة عن المجموعة العربية، قال المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، السفير عبد العزيز الواصل إن حادثة مقتل عمال المطبخ المركزي العالمي ليست “بحادثة مستغربة من فاعلها”. وقال إنها تمثل “دليلا آخر يضاف إلى سجل الانتهاكات التي ترتكبها سلطة الاحتلال الإسرائيلي ضد العاملين في مجال الإغاثة الذين وصل عدد الضحايا منهم إلى أرقام لا يمكن سكوت المجتمع الدولي عليها، في سابقة خطيرة تنتهك كافة المواثيق والقوانين والأعراف الدولية”.
وقال إن المجموعة العربية تدين بأشد العبارات هذه الجرائم التي ارتكبت بحق موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي وغيرهم من العاملين في مجال الإغاثة، مضيفا أن “هذه المذبحة تعد، وبلا شك، دليل إدانة جديدا للإبادة الجماعية التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي في عملياتها العسكرية في قطاع غزة”.
ولهذا، دعا السفير الواصل باسم المجموعة العربية إلى إجراء تحقيق دولي في هذه الحادثة التي قال إنها جاءت على الرغم من كل الدعوات الدولية والإدانات المستمرة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني، الذي قال إنه يواجه خطر مجاعة حقيقية بسبب التعنت الإسرائيلي.
وباسم المجموعة العربية، دعا السفير عبد العزيز الواصل مجلس الأمن إلى “اتخاذ قرار تحت الفصل السابع من مـيثاق الأمم المتحدة يضمن امتثال إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وإيقاف العدوان الغاشم ضد الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية له”.
كما شدد السفير الواصل على أهمية أن يقوم المجلس بدوره المناط به لإلزام إسرائيل على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.