مظاهرات في إدلب ضد “التوقيفات العشوائية” لجهاديين

مظاهرات في إدلب ضد “التوقيفات العشوائية” لجهاديين



منذ شهر أيار/ مايو الماضي، تخرج مظاهرات بشكل دوري في عدة بلدات في منطقة إدلب آخر معاقل المعارضة الإسلامية بسوريا في حدث نادر. ويواجه أبو محمد الجولاني -زعيم هيئة تحرير الشام، وهي منظمة متمردة قطعت علاقتها بتنظيم القاعدة وتسيطر على هذه المحافظة بشمال شرق سوريا- اتهامات بانحراف تسلطي وقيام منظمته بتوقيفات عشوائية في وقت تحاول فيه قيادتها تحسين صورتها.

نشرت في:

هيئة تحرير الشام هي منظمة تسيطر اليوم على الجزء الأكبر من محافظة إدلب إضافة إلى مناطق صغيرة في محافظات حماة وحلب والحسكة المجاورة.

ومن خلال القيام بحملة اعتقالات ضد منظمات أخرى تعتبر متطرفة، يبدو أن هيئة تحرير الشام تريد تحقيق هدفها المتمثل في إخراج إدلب من عزلتها.

وبالفعل، يسعى أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام التي قطعت علاقتها مع تنظيم القاعدة منذ سنة 2016 إلى تحسين صورته لدى الأوساط الغربية، أملا في إخراج مجموعته من القائمة الأوروبية والأمريكية للمنظمات الإرهابية.

بعد خلاف مع مقاتلي فصيل إسلامي محلي يدعى “حزب التحرير”، نفذ مقاتلو هيئة تحرير الشام مداهمات يوم 7 أيار/ مايو الفائت في عدة بلدات بمحافظة إدلب لتوقيف أعضاء هذه المجموعة. ومنذ ذلك الحين، تخرج زوجات هؤلاء في مظاهرات للمطالبة بإطلاق سراحهم. وفي 24 أيار/ مايو الماضي، أوقف جهاز الأمن التابع لهيئة تحرير الشام أربع متظاهرات.


مظاهرة نسائية في بلدة الشرارة في محافظة إدلب يوم الثلاثاء 4 تموز/ يوليو 2023.

وخرجت هذه المظاهرات التي كانت في معظمها ليلية ونظمتها أحيانا مجموعات نسائية في عدة بلدات خصوصا أريحا ودير الحسين في ريف إدلب وترمنين ومخيمات العتمة والكرامة في شمال إدلب والكفرة في شمال حلب.

حزب التحرير الذي تستهدفه هيئة تحرير الشام هو فصيل سياسي ذو أفكار متطرفة يسعى لإقامة الخلافة الإسلامية في سوريا.

“لم نقم بثورة من أجل أن يتكرر سيناريو الاعتقالات العشوائية”

وليس مقاتلو حزب التحرير فقط من كانوا مستهدفين. ففي 27 حزيران/ يونيو الماضي، أثار توقيف صحافي مستقل كان يغطي تجمعا في بلدة السمردة جدلا كبيرا. وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، أكد عمر نزهت أنه تعرض للسب والضرب على يد قوات الأمن التابعة لهيئة تحرير الشام حيث يقول:

في حدود الساعة الرابعة عصرا، كان هناك تجمع لأشخاص جاؤوا من حماس. ووجدوا في متفرق طرق ببلدة السمردة. كان تجمعا لمدنيين، لم تكن هناك أعلام لحزب التحرير. لم تكن المظاهرة سياسية أبدا. وطالب هؤلاء بإطلاق سراح أقاربهم الذين اعتقلتهم هيئة تحرير الشام لأسباب مختلفة. وعندما أنهيت التقاط الصور، عدت أدراجي باتجاه سيارتي.

قدت السيارة لمسافة 400 متر قبل أن تستوقفني أربع سيارات لجهاز الأمن التابع لهيئة تحرير الشام. ومع صحافي كان برفقتي، تم اقتيادنا إلى داخل سيارة تابعة لهم وأخذونا معهم.

وحال ما دخلنا السيارة، بدأوا بضربنا. قلت لهم إنني صحافي وأنني حصلت على بطاقتي المهنية من وزارة الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ [فريق التحرير: الإدارة المدنية لهيئة تحرير الشام].

تم اقتيادنا فيما بعد إلى أحد السجون. وقاموا بتقييد أيدينا والتقطوا صورة لنا كما لو أننا كنا مجرمين. وصادروا هواتفنا واطلعوا على محتوياتها. وقاموا بتغطية أعيننا وتقييدنا طيلة أربع ساعات.. حتى أنهم رفضوا إزالة الأصفاد حتى أتمكن من الصلاة.

بعد مرور أربع ساعات، جاء مسؤول وقال لي إن المظاهرة التي كنت بصدد تصويرها تابعة لمقاتلي حزب التحرير قبل أن يتم إطلاق سراحنا في الأخير.

لم نقم بثورة حتى يتكرر سيناريو الاعتقالات العشوائية لبشار الأسد.


مظاهرة في بلدة السمردة في محافظة إدلب، في 27 حزيران/ يونيو 2023.

بالرغم من خطاب الأفكار المتطرفة التي يروج لها، فإن حزب التحرير لا يحظى سوى بشعبية محدودة في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام.

“هذا الحزب موجود منذ بداية الثورة، ولم يتعرض أعضاؤه إلى مضايقات”

يقول مراقبنا قصي الشبيب الذي يعمل لصالح منظمة غير حكومية تقدم المساعدة للنازحين خصوصا في مخيم العتمة بشمال إدلب:

هذا الحزب موجود منذ بداية الثورة ولم يتعرض أعضاؤه إلى مضايقات. ولكن ما تغير هو أنه منذ شباط/ فبراير الماضي، بدأ أعضاء هذا الحزب في حمل السلاح وهو أمر مرفوض تماما من هيئة تحرير الشام,

في 7 أيار/ مايو الماضي، فتح أعضاء من حزب التحرير في بلدة دير الحسن النار على سيارة تابعة لجهاز الأمن في هيئة تحرير الشام ما أدى إلى مقتل أحد أفرادها وإصابة آخر بجروح بالغة الخطورة. ومنذ تلك اللحظة، بدأت حملة القمع ضد أعضاء هذا الحزب

“الحياة في إدلب تحت سيطرة حكومة الإنقاذ بأدق تفاصيلها”

تسعى هيئة تحرير الشام لتعزيز نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها، وذلك في مناحي الحياة المدنية وذلك تحت إشراف إدارتها المدينة المسماة “حكومة الإنقاذ”.

في 17 حزيران/ يونيو الماضي، تم إخلاء مقر نقابة مهندسي إدلب بعد أن قررت سلطات هيئة تحرير الشام حلها، حسب تأكيد مراقبنا قصي الشبيب.

قررت حكومة الإنقاذ التي تدير المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام حل هذه النقابة لتعويضها بأخرى تحت إشرافها. ولكن هذه المرة لم تحدث اعتقالات خلال هذه المظاهرات.


مجموعة من المهندسين في تجمع للاحتجاج على قرار حل نقابتهم، يوم 17 حزيران/ يونيو 2023.

ما يجب معرفته هو أن الحياة في إدلب في أدق تفاصيلها تقع تحت سيطرة حكومة الإنقاذ. وذلك فيما يتعلق بإدارة المدارس والمستشفيات وقطاع البناء وتوقيت عمل الصيدليات وحركة الطرقات، كلها تقع تحت قوانين صارمة.

بدأت السلطات المحلية في فرض أوامرها منذ بداية العام 2021، وذلك لأن تلك الفترة شهدت تراجعا كبير في الغارات والقصف وهو ما سمح باستئناف العمل في ورش البناء. على سبيل المثال، كان يحق للجميع قبل سنة 2021 قيادة السيارة ولكن منذ عامين أصبح الحصول على رخصة سياقة إجباريا.

نفس الأمر ينطبق على قطاع البناء، إذ لا يمكن بناء بيت بدون الحصول على ترخيص من حكومة الإنقاذ.

 

وتواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 مع هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ بهدف معرفة موقفها بشأن التوقيفات والقيود المفروضة على الحريات التي يُتهم التنظيم بالمسؤولية  عنها. وسننشر ردها في حال وروده إلينا.



Share this content:


اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading