حسن الذي كان موظفا في الأمم المتحدة في بغداد آنذاك وأحد الناجين من التفجير، قال لأخبار الأمم المتحدة إن الصدمة التي عانى منها بسبب الهجوم كانت “مؤلمة جدا” لأنها وقعت في مكان نشأته وموطنه في الوقت الذي كان يخطط لمستقبله لتكوين أسرة وبناء مستقبل واعد ومستقر ليس لعائلته فحسب وإنما كذلك لمساعدة العراق.
كان الهجوم الذي وقع في التاسع عشر من آب/أغسطس عام 2003 هو الأكثر فتكا في تاريخ الأمم المتحدة. فقد أزهق أرواح 22 من موظفي الأمم المتحدة من بينهم سيرجيو فييرا دي ميلو، الممثل الخاص للأمين العام في العراق آنذاك. كما أصاب أكثر من 150 آخرين معظمهم من عمال الإغاثة الذين جاءوا إلى العراق للمساعدة في إعادة إعمار البلاد.
حسن لم يخطر في باله أن يقع انفجار بهذه الضخامة عندما كان يجلس في مكتبه في قسم تقنية المعلومات، والجميع منهمكون في إعداد البنية التحتية التقنية للموظفين الجدد في مكتب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).
هذا المكتب الذي كان يجلس فيه حسن كان قريبا من الموقع الذي كانت به السيارة المفخخة التي استهدفت فندق القناة حيث مقر الأمم المتحدة آنذاك.
والنتيجة كانت إصابة بالغة في الجانب الأيسر من جسده كله، نجم عنها أيضا فقدان لعينه اليسرى وندوب بقيت شاهدا على الحادث المؤلم.
“بغداد غيرت كل شيء”
“لقد مات جزء مني في ذلك اليوم مع رحيل زوجي وزملائنا الآخرين”… عبارة وصفت بها لورا دولشي إحساسها عندما وقع التفجير الانتحاري مستهدفا مقر الأمم المتحدة في بغداد.
كان جون سليم كنعان زوج دولشي يعمل مساعدا خاصا لكبير موظفي بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق عندما فقد حياته في الهجوم الإرهابي، ليبقى يوم 19 آب/أغسطس “محفورا في كل خلية” من جسد دولشي حسب وصفها.
وقالت دولشي إن ذلك اليوم “يعني طفلا كبر دون أن يعرف أبيه. إن تلك القنبلة التي كان تزن طنين، شوهت عائلتنا بضراوة”.
إلبيدا روكا ناجية أخرى اصطدمت في بداية حياتها المهنية بالتفجير المدمر، عندما ذهبت إلى العراق برفقة المدير التنفيذي لمكتب برنامج العراق في إحدى المهمات آنذاك.
روكا التي تعمل مسؤولة كبيرة للشؤون السياسية في الأمم المتحدة، تكبدت خسائر شخصية ونفسية بسبب الحادث. فقد عانت من اضطراب ما بعد الصدمة الذي ظل كامنا ولم يظهر إلا بعد سنوات من وقوع الحادث.
وقالت روكا إن “بغداد غيرت كل شيء في الأمم المتحدة؛ كيف نعمل، ومن نحن، وكيف ينظر العالم إلينا، وما هي فكرتنا عن أنفسنا”.
وأصبحت الأمم المتحدة هدفا بحد ذاتها حيث تعرضت مبانيها لهجمات في مناطق أخرى بما فيها الجزائر عام 2007 وكابول عام 2009.
يأس ثم أمل
بعد الحادث وأثناء عملية التعافي، دب اليأس في نفس مجاهد حسن قائلا “تلاشت طموحاتي في مستقبل وظيفي واعد في مجال العمل الإنساني”.
لكنه عاد مرة أخرى وبدأ مشروعا تجاريا لبث الأمل والطمأنينة في مجتمعه، لكنه تعثر “بعد ظهور الإرهاب مجددا في العراق عام 2014 عندما احتل تنظيم داعش مدينة الموصل شمالي العراق”.
أما لورا دولشي زوجة الراجل جون سليم كنعان، فأكدت أنها وعائلتها حافظوا على تماسكهم مستلهمين تضحية جون سليم “التي أضفت معنى جديدا لوجودنا وجعلتنا نعلي شأن قيم الإنسانية والعدالة في العمل والمنزل”.
جون سليم كنعان وكل من فقدوا أرواحهم في ذاك اليوم ألهموا كل من حمل راية العمل في الأمم المتحدة بعد ذلك، ومنهم إلبيدا روكا التي قالت إن من قضوا “يجسدون روح راية الأمم المتحدة، والتي تتحدى المخاطر وتسمو فوق السياسات وتتحدث بالنيابة عن أولئك الذين تم إسكات أصواتهم، وتواجه السلطة بالحقيقة، وتتحدى الجماعات الأقوى عندما يكونون على خطأ”.
أبطال حقيقيون
مجاهد حسن تحلى بهذه الروح رغم كل الصعاب عندما رحل من بلده العراق إلى الولايات المتحدة وتحديدا ولاية كاليفورنيا ليبدأ رحلة جديدة في مجال العمل الإغاثي والإنساني لمساعدة اللاجئين وضحايا الحروب في العراق والبلدان المجاورة.
وبما تيسر من قدرات وتمويل، نجحت المؤسسة غير الربحية التي أسسها حسن “في تأسيس أكثر من 165 مشروعا إغاثيا مختلفا”.
أما لورا دولشي فاستكملت – رغم المرارة وصعوبة الموقف – المسيرة في العمل في الأمم المتحدة حيث تشغل الآن منصب أمينة المراجعة الدورية العالمية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي كل المهمات التي تشارك بها، مازالت إلبيدا روكا تحمل جواز سفر الأمم المتحدة الذي احترق وتمزق عندما وقع التفجير الانتحاري، ليذكرها بالدور الذي تلعبه وزملاؤها كممثلين لرسالة الأمم المتحدة.
وتحدثت روكا عن التحديات التي تواجهها المنظمة في الوقت الراهن مؤكدة أنه مازال هناك العديد من الدروس التي يجب تعلمها من تفجير فندق القناة “لكي تكون بعثاتنا مستعدة للأسوأ، ولكي يدرك موظفونا تعقيدات الأماكن التي ننتشر فيها، ولكي تكون قيادتنا قادرة على إيصال ما نقوم به هناك بوضوح”.
وأعربت لورا دولشي عن أملها في أن تكون الذكرى العشرون للتفجير في بغداد فرصة لعائلة الأمم المتحدة لسبر أغوار أفضل الطرق للعمل وسط السيناريوهات المعقدة التي يعيشها العالم الآن.
“نريد أمما متحدة أقوى، تتفاوض من أجل السلام وتتوسط من أجل منع اندلاع الصراعات ووقفها” هكذا تتمنى دولشي في الذكرى العشرين وفي اليوم العالمي للعمل الإنساني.
أما مجاهد حسن فوصف كل العاملين في مجال العمل الإنساني بـ “الأبطال الحقيقيين” مؤكدا أنهم “سبب التفاؤل والأمل في عالم مليء بالتحديات والأخطار”.
وتكريما لضحايا تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، خلدت الأمم المتحدة ذكراهم بإعلان يوم 19 آب/أغسطس يوما عالميا للعمل الإنساني للدعوة إلى ضمان سلامة العاملين في مجال المساعدة الإنسانية وأمنهم.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.