في زيارة مخصصة لملف الهجرة، يصل البابا فرنسيس إلى مرسيليا الجمعة. وقال رئيس الكنيسة الكاثوليكية سابقا مرات عدة “سأزور مرسيليا وليس فرنسا” موضحا أن “المشكلة التي تشغلني هي مشكلة البحر المتوسط” في إشارة إلى مسألة الهجرة. ومن المفترض أن تستمر الزيارة ليومين إذ سيرأس قداسا مفتوحا للعموم بعد الصلاة تكريما لذكرى المهاجرين الذين فقدوا في البحر.
نشرت في:
6 دقائق
يصل البابا فرنسيس إلى مرسيليا التي يزورها الجمعة وهي أحد الموانئ الرئيسية على المتوسط وتشكلت منذ تأسيسها من خلال موجات الهجرة المتتالية وتتعايش فيها جماعات وأديان، وهما موضوعان يشكلان ركيزة هذه الزيارة.
وقال رئيس الكنيسة الكاثوليكية مرات عدة “سأزور مرسيليا وليس فرنسا” موضحا “المشكلة التي تشغلني هي مشكلة البحر المتوسط”.
وفي المقام الأول مصير المهاجرين إذ كانت أول رحلة بابوية له إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي يصلها آلاف المهاجرين منذ سنوات والتي تشهد حاليا تدفقا جديدا.
“المتوسط مقبرة”
وفي شهر آب/ أغسطس الماضي وفي مؤتمر صحافي عقده في الطائرة خلال رحلة العودة إلى روما من لشبونة حيث أحيا الأيام العالمية للشبيبة، قال البابا فرنسيس “سبق أن ذهبت إلى ستراسبورغ (في العام 2014) سأتوجه إلى مرسيليا (في 22 و23 أيلول/سبتمبر) وليس فرنسا”، مؤكدا مع ذلك عدم وجود أي “مشكلة” مع فرنسا.
كما شدد البابا آنذاك البالغ 86 عاما والذي جعل من ملف الهجرة قضية أساسية لحبريته على أن “المشكلة التي تثير قلقي هي المشكلة المتوسطية، لذا أتوجه إلى فرنسا. استغلال المهاجرين جريمة”.
ومن المرتقب أن يرأس الحبر الأعظم قداسا مفتوحا للعموم بعد الصلاة تكريما لذكرى المهاجرين الذين فقدوا في البحر.
وإلى ذلك، قال البابا “في المتوسط، الأساقفة يعقدون هذا اللقاء للتفكير في مأساة المهاجرين”.
وشدد على أن “المتوسط مقبرة. لكنها ليست الأكبر: المقبرة الأكبر في شمال أفريقيا. الأمر رهيب. لذا سأتوجه إلى مرسيليا”.
يندد البابا بانتظام بـ”اللامبالاة” في مواجهة غرق السفن المأسوي الذي خلف أكثر من 28 ألف مفقود في المتوسط منذ 2014 بحسب منظمة الهجرة الدولية.
ويقول تييري فابر مؤسس “لقاءات ابن رشد” التي تجمع منذ 30 عاما في مرسيليا مثقفين وفنانين “للتفكير في المتوسط من الضفتين”، إن “المبدأ المؤسس لهذه المدينة هو خليط بين ناس أتوا من أماكن أخرى وأناس من هنا”.
ويذكر بأصل المدينة بحسب الأساطير وهو الزواج بين البحار اليوناني بروتيس الذي وصل قبل 2600 سنة من فوتشا (في تركيا اليوم) وغيبتيس ابنة زعيم قبيلة محلية. وأضاف “حين ننظر على المدى البعيد، نرى أن هذه القصة صامدة وتتحول، لكنها صامدة”.
مدينة مقياس للهزات
وتأثر تاريخ المدينة بالتجارة، خصوصا التجارة الاستعمارية التي جعلتها منطقة غنية، ولكن أيضا بالحروب والفقر والكوارث. قال فابر “في كل مرة تحصل فيها هزة كبيرة تاريخية، هناك هزات ارتدادية في مرسيليا، هي مدينة مقياس للهزات”.
حل فيها اليونانيون والإيطاليون والأرمن واليهود من أوروبا الوسطى أو شمال أفريقيا، ورعايا من المغرب العربي وجزر القمر وفي الآونة الأخيرة من أوكرانيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء الناجين من عمليات العبور الخطرة في المتوسط.
يقول فرانسوا توما رئيس جمعية “أس أو أس ميديترانيه” ومقرها في مرسيليا والتي تستأجر السفينة أوشن فايكينغ التي تقوم بإغاثة المهاجرين في البحر لا سيما قبالة سواحل ليبيا، إن البابا فرنسيس “هو من الأشخاص القلائل الذين لديهم كلمة لها وقعها .. لا يتوقف عن التنديد بهذه المأساة” في المتوسط الذي أصبح “مقبرة وبالتذكير بأن هذا الأمر يجب أن يتوقف”.
لكن في مرسيليا كما في أي مكان آخر، تواجد المهاجرين يؤدي إلى صدامات حتى لو “أنه منذ العصور الوسطى هناك تواجد أجنبي كبير، من تجار لكن أيضا سكان أكثر تواضعا قاموا بتعزيز الاقتصاد وتوسيع المدينة” كما يقول ستيفان مورلان المحاضر في التاريخ المعاصر بجامعة إيكس مرسيليا.
ويذكر الباحث الذي شارك في إعداد “أطلس الهجرات في البحر المتوسط” بأن “هذا التنوع تم النظر إليه أيضا كتهديد”. هكذا شهدت المدينة اندلاع أعمال عنف معادية للأجانب، ضد الإيطاليين عام 1881 على سبيل المثال. بدون أن يؤدي ذلك إلى وقف وصول الوافدين لأنه “عشية الحرب العالمية الأولى، كان خمس سكان مرسيليا من الإيطاليين”.
استهدفت أحداث عنف أخرى مواطنين من دول المغرب العربي العام 1973. ويقول تييري فابر “بعد الاستقلال، رفضت مرسيليا بشدة تعددية سكانها”.
“مدينة إنسانية”
لكن على الرغم من ذلك تبقى مرسيليا “مدينة إنسانية طيبة يتعايش فيها الناس” على ما تؤكد بلاندين شيليني-بون أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة إيكس مرسيليا والمتخصصة في شؤون الدين.
وتضيف “لكن هل يفضي ذلك إلى ترحيب وتسامح ديني” أو إلى “تواجد جماعات مختلفة لا تتخالط؟”
وتحظى المدينة التي تضم بعضا من أكبر الجاليات اليهودية والمسلمة في فرنسا، بهيئة منذ 1990 تجمع ممثلين عن الديانات الرئيسية إلى جانب رئيس البلدية سميت “مرسيليا الرجاء” لتشجيع الحوار ونزع فتيل التوترات المحتملة.
وتؤكد شيليني-بون أن مرسيليا ثاني مدن البلاد، تعاني أيضا من “الكثير من المشاكل والتمييز”.
وتضم المدينة أحياء بين الأفقر في أوروبا وغالبا ما يسكنها أفراد من أصول اجنبية وقد طالتها للمرة الأولى هذا الصيف أعمال العنف الحضرية التي هزت فرنسا.
يقول ستيفان مورلان إن مرسيليا معروفة بقيم “الانفتاح والاختلاط” لكنها تحظى أيضا “بسمعة سيئة” في ما يتعلق بالعنف.
من جهته، ييقول تييري فابر إن على مرسيليا “أن تكون همزة وصل، هذه هي ماهية مرسيليا”.
ويؤكد جان مارك أفلين رئيس أساقفة مرسيليا “كل الناس يعلمون أنه في مسألة الهوية هناك دائما الآخر. يأتون من أماكن أخرى لكن حين يصلون، يحبون هذه المدينة وبسرعة كبيرة يصبحون أبناء مرسيليا، ويفتخرون بهذا الانتماء ولا يهم إذا لم تكن لديهم إقامة قانونية فهم سيحصلون عليها لاحقا. لديهم هوية، وهذا أمر مهم”.
فرانس24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.