انطلق “السينودوس” حول مستقبل الكنيسة الكاثوليكية الأربعاء خلف أبواب مغلقة في روما. هذا التجمع للأساقفة والكرادلة من جميع أنحاء العالم غير مسبوق في كثير من النواحي، إذ إن جدول أعماله يخطط لمعالجة أكثر الأسئلة المحظورة داخل المؤسسة، في عملية مفتوحة أمام النساء والعلمانيين. ثورة صغيرة يرغب فيها البابا فرنسيس ولكنها تثير قلق الشريحة الأكثر تحفظا من قادة الكنيسة.
نشرت في:
6 دقائق
حتى من قبل انطلاقه، يبدو “سينودوس” الكنيسة الكاثوليكية، الذي افتتحه البابا فرنسيس الأربعاء 4 تشرين الأول/أكتوبر في روما، نقطة تحول في تاريخ المؤسسة الدينية المسؤولة عن أكبر الطوائف المسيحية. و”سينودوس” الأساقفة، هو تجمع استشاري أنشأه البابا بولس السادس عام 1965 لمناقشة التوجهات الرئيسية للكنيسة.
تناط به مهمة وضع تصور لمستقبل إدارة أقدم مؤسسة في العالم التي تواجه ضعف الإقبال عليها وانخفاض عدد المؤمنين في الغرب، لهذا من المرجح أن يكون مختلفا عن أي “سينودوس” آخر.
فمن حيث الشكل أولا، هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها استشارة المؤمنين البسطاء قبل مثل هذا الاجتماع. فعلى مدار عامين، تمت دعوة 1,3 مليار كاثوليكي للتعبير عن آرائهم بشأن رؤيتهم للكنيسة والقضايا الاجتماعية.
البابا فرنسيس يفتتح الجمعية العامة لسينودوس الأساقفة
تقول مديرة مجلة “الشهادة المسيحية”، المصنفة على اليسار، كريستين بيدوتي: “كانت هناك رغبة من قِبَل البابا في أن تنطلق هذه الاستشارة من مستوى القاعدة، أي من الرعايا، أصغر الوحدات في الكنيسة. وهو أمر جديد، حتى ولو كانت هذه الآراء تمر عبر مرشحات (فلاتر) كثيرة قبل أن تصل للاجتماع”.
ولكن أبرز ما يميز هذا “السينودوس” هي هويات المشاركين الـ464 فيه، والذين يملك 365 منهم حق التصويت، والذين سيجتمعون يوميا لمدة أربعة أسابيع. فمن بينهم 96 ليسوا أساقفة، وما هو أبعد من ذلك أن بينهم 54 امرأة: وهي ثورة صغيرة داخل الكنيسة التي يهيمن فيها الأسقف الذكر على “السينودوس” تقليديا.
“يكاد يكون الأمر تناقضا مع التسمية، لأنه، من وجهة نظر القانون الكنسي، السينودوس هو اجتماع للأساقفة. والآن يشارك فيه أشخاص ليسوا من رجال الدين وحتى النساء.” حسب ملاحظة كريستين بيدوتي، التي تضيف “إنها معجزة تقريبا وتجاهل تام للعادات، إذ كان المسلم به سابقا أن رجال الدين غير المتزوجين يتمتعون بسلطة مطلقة وحصرية في الكنيسة الكاثوليكية”.
المحافظون يقاومون
هذه الخطوة التي بادر بها البابا لم تتأخر في إثارة انزعاج بعض المحافظين القلقين من تراجع دورهم ومن ضعف المؤسسة الكنسية.
“هناك ثقافة كنسية بين الأساقفة. ثقافة لن تكون فاعلة بحضور العلمانيين: لن ترضيهم الكلمات الطيبة، سيكون هناك تأكيد على الإجراءات المتبعة، والإرادة في التغيير، والفاعلية”، حسب تأكيد مراقب مطلع على الكرسي الرسولي لوكالة الأنباء الفرنسية.
إلى جانب الرغبة في إنشاء هيكلية أقل هرمية، أراد البابا فرنسيس أن يتناول “السينودوس” عددا كبيرا من المواضيع الحساسة وحتى المحظورة التي يثيرها المؤمنون: العنف الجنسي، أو الكهنة المتزوجون، أو حتى مسألة الترحيب بالمطلقين أو المثليين جنسيا.
وحذّر البابا فرنسيس في بداية أيلول/سبتمبر من أنه “في السينودوس، لا مكانَ للإيديولوجيا”، فيما يواصل الكرسي الرسولي إصراره على أهمية الحوار وأهمية “السير معا”.
لكن أيضا على هذا المستوى، تقاوم الفئة الأكثر محافظة في الكنيسة، إذ طلب خمسة كرادلة علنا من البابا فرنسيس يوم الاثنين إعادة التأكيد على العقيدة الكاثوليكية بشأن موضوع زواج المثليين ورسامة (تعيين كهنة ورهبان) النساء.
في تموز/يوليو، كان هؤلاء الكرادلة قد نشروا بالفعل قائمة من الأسئلة المطروحة رسميا على البابا وفقا للقانون الكنسي، والتي تعرف باسم “دوبيا” باللاتينية، وتعني “الشكوك”، والتي رد عليها البابا.
ولكن رد الحبر الأعظم لم يرضهم، فنشروا رسالة مفتوحة إلى الكاثوليك، يشرحون فيها “نظرًا لخطورة الأمر”، أن من واجبهم “إعلام” المؤمنين “حتى لا يتعرضوا للارتباك والخطأ والإحباط”.
وأشار الفاتيكان يوم الاثنين إلى الرد الذي أكد فيه البابا أن “الوحي الإلهي ثابت”، مؤكدا في نفس الوقت أن الكنيسة “بحاجة إلى النمو في فهمها” للأشياء.
حدود الـ”ثورة”
إذا كان هذا “السينودوس” يمثل جهدا غير مسبوق بهدف تصور كنيسة أكثر انفتاحا مع إدارة أقل عمودية، فإن عملية صنع القرار في الواقع تظل إلى حد كبير في أيدي رجال الدين.
وهكذا، فإن ملخص الاستشارة العظيمة للمؤمنين التي أرادها الحبر الأعظم، كتبه الأساقفة. وستبقى الأخيرة أيضا في الغالبية العظمى داخل هذا المجمع الروماني على الرغم من الحضور غير المسبوق للنساء والعلمانيين. أخيرا، ليست لنتائج المجمع أية صفة ملزمة. وفي النهاية، ستكون الكلمة الأخيرة للبابا فرنسيس.
وأخيرا، هل تتمكن هذه النسخة الحديثة و”الديمقراطية” من “السينودوس” من الصمود في ظل بابوية فرنسيس؟ يقول المراقب المطلع على الكرسي الرسولي المذكور أعلاه: “لقد وضعنا إصبعنا في الدوامة، ولن يتمكن السينودوس المقبل من العودة إلى الوراء”. “وبهذا المعنى، فإن (البابا) فرنسيس يحرك الحدود، ولهذا السبب يشعر الكثيرون بالخوف”.
“المشكلة هي أن هذه التطورات ليست منقوشة على الحجر”، كما تعتقد مديرة مجلة “الشهادة المسيحية”. “ومع ذلك، فإن المجتمع الكاثوليكي هو مجتمع من أصل روماني يسوده القانون”.
وبعد انعقاد هذا المجمع، ستعقد جلسة ثانية في تشرين الأول/أكتوبر 2024، وبعدها يمكن للبابا أن يأخذ في الاعتبار نتائج هذا العمل في وثيقة رسمية.
وفي هذه الأثناء، ينتظر ألا تتسرب سوى معلومات قليلة حول محتوى المناقشات التي ستجري خلف أبواب مغلقة في روما. إذ إن الفاتيكان قد أعلن بالفعل أنه سيقيد الاتصالات حتى نهاية الحدث، المقررة في 29 تشرين الأول/أكتوبر.
غريغوار سوفاج
اقتباس: فؤاد حسن
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.