في مقطع فيديو نشر على منصة إكس (تويتر سابقا) في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، تم تصوير عربة تابعة للجيش الإسرائيلي وهي تجر جثة مقاتل فلسطيني بحبل، في جنوب إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة. وفيما تم التنديد بالتسجيل من قبل عدة حسابات مؤيدة للفلسطينيين، اعترف الجيش الإسرائيلي في تصريح لفرانس24 بتصرف “يأسف له” و”لا يتوافق مع أوامر الجيش”.
حرر هذا المقال: ناتان غالو
“إنه تصرف إجرامي” أو “إرهابي” حتى: هذا الاتهامات وجهت إلى الجيش الإسرائيلي منذ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عبر عدة حسابات مؤيدة للفلسطينيين في منصة إكس (تويتر سابقا) منددين بإهانة وتدنيس جثة مقاتل فلسطيني.
وتم توثيق هذه الاتهامات من خلال مقطعي فيديو تم تداولهما على نطاق واسع عبر منصة الملياردير إيلون ماسك واختارت هيئة تحرير فرانس24 عدم بثهما. ويظهر هذان التسجيلان المصوران جثة فلسطيني تم جرها عدة عشرات الأمتار على الأرض باستخدام عربة تابعة للجيش الإسرائيلي.
في التسجيل المصور الأول، الذي تم التقاطه من داخل العربة العسكرية للجيش الإسرائيلي وتبلغ مدته دقيقة واحدة، نرى حنديا في منطقة رملية بصدد ربط جثة من القدمين ورأسها على الأرض باستخدام حبل تم وصله بالعربة. وبعد بضعة ثوان، يظهر لقطات أخرى نفس العربة وهي تجر الجثة على مسافة عدة أمتار.
في التسجيل المصور الثاني، الذي يبلغ طوله دقيقة أيضا تقريبا وتم تصويره أيضا من داخل العربة العسكرية، الجزء الثاني من المشهد، حيث تم جر الجثة على مسافة عدة أمتار باستخدام العربة قبل أن تسير إلى الخلف في الرمال وتتوقف عند بلوغها الطريق المعبد.
في هذا المقطع المصور، نستمع إلى الجندي الذي كان موجودا داخل العربة يقول: “لقد طلبوا مني جر هذا الإرهابي إلى خارج الطريق. إليكم إذا، “عربة “زيبار Zibar” (شاحنة خفيفة” تجر الإرهابيين”.
الجيش الإسرائيلي اتخذ “إجراءات عقابية” بحق الجنود الضالعين
ومن الصعب التحقق من مكان التقاط المقطعين المصورين للوهلة الأولى، ولكن أول ظهور لنسخ من مقاطع الفيديو على منصة إكس كان في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت. وفي ذلك اليوم، نشر مصور مقاطع الفيديو الإسرائيلي ستاس كوبولو مقطع الفيديو الثاني متحدثا عن الجثة الظاهرة فيه تعود لفلسطيني “نازي إرهابي قتل في غزة”.
وبعد ذلك، تم مسح هذه التغريدة لهذا المصور الإسرائيلي من منصة إكس (تويتر سابقا) كما تم حذف حسابه. ولكن عدة حسابات مؤيدة للفلسطينيين نددوا بما كتبه هذا المصور وقد احفتظوا بصور مثبتة من الشاشة لمنشوره.
“أريد أن يعلم كل الناس أن الصحافي الإسرائيلي ستاس كوبولو احتفل بالتصرف الإجرامي لجيش بلاده وكانت له الجرأة بوصف ضحية هذه الجريمة المروعة بالنازي” هذا ما كتبه صاحب حساب في تغريدة على تويتر حصدت أكثر من مليوني مشاهدة منذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
إلى ذلك، نددت تغريدة على منصة إكس للمؤثر الأمريكي المناهض لإسرائيل جاكسون هنكل وحصدت بدورها أكثر من مليوني مشاهدة، بـ”الإرهابيين الإسرائيليين الذين جروا جثة الفلسطيني القتيل”.
وردا على سؤال من قناة فرانس24، قال الجيش الإسرائيلي في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري: “التصرف الذي رأينا عبر هذه الصور مثير للأسف ولا يتطابق مع أوامر الجيش. لم نكن على علم بالحادث ويتم النظر فيه من طرف القيادة وسنتخذ إجراءات عقابية بشأنه”.
مقطع فيديو التقط داخل إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة
تم تداول هذا المقطع المصور في وقت أعلنت فيه القوات الإسرائيلية أنها بدأت توغلات برية محدودة في شمال قطاع غزة وبالتحديد منذ مساء 27 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت.
وخلال الأيام الأخيرة، تم تداول عدة مقاطع فيديو نشرتها بالأساس القوات المسلحة الإسرائيلية وتظهر جنودا وعربات عسكرية تابعة للدولة العبرية داخل مناطق في شمال قطاع غزة، في أول اجتياح للقطاع منذ عملية “الدرع الواقي” في سنة 2014.
ولكن ماذا بخصوص مقطعي الفيديو المتداولين، هل كانا داخل القطاع أم في إسرائيل؟ إذ أنه وعكس ما أكده المصور الصحافي الإسرائيلي، لم يتم التقاط مقطع الفيديو داخل قطاع غزة بل في إسرائيل على بعد نحو كيلو متر واحد من حدود الدولة العبرية مع شمال القطاع.
وقد تأكد فريق تحرير مراقبون فرانس24 من جهته من مكان تصويره وحدد الإحداثيات الجغرافية له، وقد كانت في تخوم بلدة زيكيم بيتش (انظر الخريطة المنشورة أدناه).
وقد تم العثور على عدة معطيات بصرية من مقطعي الفيديو على تطبيق غوغل إيرث Google Earth، على غرار غابة الأشجار الصغيرة وورشة البناء الموجودة في خلفية مقطع الفيديو الأول إضافة إلى بناية صغيرة مدمرة والطريق الظاهر في التسجيل الثاني.
ولكن يبقى من الصعب تحديد يوم تصوير المشهد بدقة. ومنذ بداية الحرب بين حماس وإسرائيل، حدثت عدة اشتباكات في منطقة زيكيم بيتش بين مقاتلي الحركة وجيش الدولة العبرية.
وبينما اندلعت الاشتباكات الأعنف بعد هجوم حماس المباغت على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت قوات الأمن الداخلي الإسرائيلي “تساهال” وقوع عدة اقتحامات لمقاتلين فلسطينيين في المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وأعلنت القوات الإسرائيلية بالخصوص أنها عثرت في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على “خمسة إرهابيين مختئين” في منطقة زيكيم بيتش وقد تم قتلهم على يد القوات البحرية. وقد حدثت عملية اقتحام مماثلة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما حاول مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية حماس الوصول إلى منطقة زيكيم عبر البحر.
ومنذ مساء يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حدثت عدة معارك على الحدود الشمالية لقطاع غزة مع إسرائيل. وتم تعبئة عدد ضخم من القوات الإسرائيلية في هذه المنطقة وهو ما تظهره عدة صور نشرها الجيش الإسرائيلي في رسالته اليومية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
عملية جر الجثث: أسلوب مستخدم في حال حدوث مخاوف من وجود متفجرات عليها
وإذا ما كانت القوات المسلحة الإسرائيلية نددت بتصرف “مأسوف عليه”، فإن هذا المشهد ليس جديد عندما يتعلق الأمر بالحروب.
إذ يتم في بعض الحالات جر الجثث التي يتم العثور عليها في مناطق النزاع مع ترك مسافة عنها للتأكد من عدم وجود متفجرات فوق صاحبها.
وهو توضيح أكدته منظمة كات أوكسو CAT-UXO، التي تضم متخصصين يعملون في مجال الوقاية من المخاطر المتعلقة بالألغام والذخائر المتفجرة التي لم تنفجر بعد (أوكسو UXO): حيث تقول المنظمة في تصريح لفريق تحرير مراقبون فرانس24 “بما أننا شركة متخصصة في تحييد المتفجرات والذخائر ( نيم (NEM)، فإن منهج العمل المتعارف عليه ينص على أنه، خلال التثبت من جثة أثناء نقلها، (يتم جرها) تفاديا لحدوث أي انفجار”.
“يقوم العمل على استخدام أداة ما عن بعد لنقل وقلب الجثة باستخدام كابل جر” تقول منظمة كات إكسو ”بهدف التأكيد من عدم وجود أي آليات تفجير أو فخ أو عبوة يدوية متفجرة تحت الجثة قبل أن تتم عملية رفع بقايا الجثة”.
ومن الممكن أن يتم العثور على مقاطع فيديو من هذا الصنف في نزاعات سابقة على غرار ما حدث في حرب فيتنام ولكن أيضا في نزاعات حديثة. في أوكرانيا على سبيل المثال، تحدث كاشف ألغام أوكراني بالخصوص لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الفائت عن أن الجيش الروسي يقوم بتفخيخ جثث جنوده الذين قتلوا أثناء المعارك.
كما أن حركة حماس متعودة على استخدام الفخاخ المتفجرة خصوصا في شبكة الأنفاق التي تديرها.
“يجب توقع أي شي، لديهم الوقت لوضع فخاخ لا حصر لها” هذا ما صرح به مصدر عسكري إسرائيلي لصحيفة لوموند الفرنسية في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، فيما كان الجيش الإسرائيلي حينها يستعد لتنفيذ هجوم بري على غزة.
توجيه اتهامات سابقة للجيش الإسرائيلي في منطقة زيكيم
في كل الأحوال، ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها القوات المسلحة الإسرائيلي اتهامات بممارسات انتقامية في منطقة زيكيم.
في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، نشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو بدا وكأنه يظهر جنودا إسرائيليين يطلقون النار على أربعة رجال غير مسلحين على الرغم من أنهم رفعوا أيديهم إلى الأعلى في إشارة إلى استسلامهم.
وبعد اتصال من فريق تحرير مراقبون فرانس24، رد الجيش الإسرائيلي بأنه “لا يملك أي تعليق للإدلاء به”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.