منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وصل المئات من طالبي اللجوء إلى المعابر الحدودية البرية التي تربط روسيا بفنلندا، فيما كان من المعتاد ألا يتجاوز عددهم العشرات كل شهر. وتتهم هلسنكي موسكو بأنها تقف وراء تزايد توافد المهاجرين إلى أراضيها وأغلقت كل المعابر الحدودية تقريبا. وهو ما أدى إلى توجه هؤلاء المهاجرين إلى شمال روسيا بالرغم من البرد، على اعتبار وجود آخر معبر مفتوح إلى فنلندا في المنطقة.
نشرت في:
9 دقائق
حررت هذا المقال: كلوي لوفيرنييه
منذ مطلع الشهر إلى غاية ال17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وصل 415 مهاجرا إلى المعابر الحدودية في جنوب شرق فنلندا انطلاقا من روسيا دون أن يكون لديهم تأشيرة شينغن أو بطاقة إقامة ليسمح لهم بالعبور. ومن بين هؤلاء، سوريون ويمنيون وعراقيون وصوماليون أيضا. ويعد هذا الرقم مرتفعا بكثير عن المعتاد، حسب حرس الحدود الفنلندي، الذين بدأوا بملاحظة زيادة نسق وصول المهاجرين منذ شهر آب/ أغسطس الفائت.
عدد طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى المعابر الحدودية البرية في جنوب شرق فنلندا خلال سنة 2023. صورة حرس الحدود الفنلندي.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر مقاطع فيديو أشخاصا يركبون دراجات هوائية في معظم الحالات بصدد التوجه إلى المعابر الحدودية مع فنلندا.
Recent developments in Finland:
Over the past few days, Russia has sent an increasing number of migrants to Finland’s borders. Finland has closed several border crossing points due to the authorities’ threat assessment.
A video surfaced of the Russian operation. 1/ pic.twitter.com/Vb7c1iLLmD
— Emil Kastehelmi (@emilkastehelmi) November 19, 2023
مقطع فيديو نشر على منصة إكس (تويتر سابقا) في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 والتقط في الأراضي الروسية على بعد نحو أربعين كيلومترا من معبر فارتيوس الحدودي مع فنلندا. ونرى من خلاله أشخاص يسيرون على طريق باتجاه فنلندا. ويمكن رؤية الدراجات الهوائية انطلاقا من الدقيقة الأولى و30 ثانية.
تتهم فنلندا روسيا بالوقوف وراء تزايد توافد المهاجرين هذا. وهو موقف تشاركها فيه المفوضية الأوربية. ويؤكد الطرفان أن الهدف من هذه الخطوة هو زعزعة استقرار البلاد بعد انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي الناتو في نيسان/ أبريل الماضي وتقاربها مع الولايات المتحدة في المسائل الدفاعية.
وصرح رئيس الوزراء الفنلندي من جهته بأنه “من الواضح أن هؤلاء الأشخاص تلقوا المساعدة وتم مرافقتهم ونقلهم”.
وهو نفس ما صرح به مسؤولون في حرس الحدود الفنلندي حيث يقول الرائد بينتي ألابيلتوا في تصريح لفريق تحرير مراقبون فرانس24: “سابقا، لم تكن روسيا تترك الناس يمرون من معابرها الحدودية إذا لم يكن لديهم الوثائق المطلوبة للدخول إلى فنلندا. ولكن في الوقت الحاضر، يتم السماح لهم بالعبور. إضافة إلى ذلك، الظاهرة التي نعيشها اليوم تجد تسهيلات من عصابات الجريمة الدولية التي تنظم عمليات الهجرة غير الشرعية هذه”
في المقابل، ردت روسيا بنفي هذه الاتهامات.
“نعطي 500 دولار لرجال حرس الحدود عن كل مهاجر ليسمح لنا بالتوجه نحو فنلندا”
في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تواصل فريق تحرير مراقبون عبر تطبيق واتساب مع أحمد (اسم مستعار)، الذي يظهر رقمه على مقاطع الفيديو التي تم التقاطها بالقرب من الحدود بين البلدين ويتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويؤكد أحمد أنه متواجد في تركيا حيث يتولى تنظيم رحلات لصالح المهاجرين من روسيا إلى الحدود مع فنلندا. حيث يروي قائلا:
أرسل الأشخاص عبر سيارات إلى الحدود باتفاق مع الشرطة الروسية. نقدم 500 دولار (فريق التحرير: نحو 457 يورو) لحرس الحدود عن كل مهاجر حتى يسمح لهم بالتوجه إلى فنلندا وبالتحديد نقاط العبور بين البلدين. يقدم لهم رجال الشرطة دراجات هوائية أيضا. في السابق، لم يكن هناك اتفاق من هذا النوع، ولذلك لم أكن أرسل الناس إلى الحدود مع فنلندا. سمعت عن هذا الأمر على لسان رجل يعمل لصالحي على الحدود هناك. كل ذلك يهدف إلى ممارسة ضغوط على أوروبا من خلال ورقة المهاجرين.
أطلب 1200 دولار (فريق التحرير: نحو 1097 يورو) من الأشخاص الراغبين في السفر لقاء خدماتي: 500 دولار تذهب إلى مصالح حرس الحدود و200 دولار لصالح سائق السيارة التي أمتلكها وأوفر لنفسي 500 دولار.
منذ عشرة أيام (فريق التحرير: أي في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري)، أرسلت نحو 200 شخص إلى الحدود بين البلدين، جاء معظمهم من سوريا والعراق وتونس والمغرب وتركيا واليمن ولبنان. وبعض من هؤلاء كانوا موجودين في روسيا وبيلا روسيا وجورجيا وتركيا في وقت سابق.
لم يتمكن فريق تحرير مراقبون من التثبت من هذه التصريحات التي أدلى بها مهرب المهاجرين من مصدر مستقل. لكن في المقابل فإن “الاتفاق الذي تحدث عنه مع الروس يتطابق مع ما أكده المسؤولون في فنلندا. إضافة إلى ذلك، وفي محادثة عبر قناة في تطبيق تلغرام، يؤكد رجل أنه على تواصل مع شخص نجح في عبور الحدود، بعد أن دفع مئة دولار لأحد رجال حرس الحدود.
إلى ذلك، تظهر مقاطع فيديو التقطت بالقرب من الحدود بين روسيا وفنلندا وتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل أشخاصا يركبون دراجات هوائية. كما نشرت وكالة رويترز البريطانية للأنباء صورا لعدد من الدراجات الهوائية الموجودة على الحدود (في مدينة سالا على سبيل المثال، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري). وبعد أن كان عبور الحدود على دراجات هوائية ممكنا في وقت سباق -مع منعه سيرا على الأقدام- بدأ حرس الحدود الفنلندي بشكل تصاعدي في منع مرور المسافرين على دراجات هوائية.
Droga przez FI wciąż reklamowana, choć z zastrzeżeniem, że szybko może zostać zamknięta. Zapraszani na szlak są migranci przebywający w RU i na BY, bez marszruty, a ceny miałyby być konkurencyjne. Droga miałaby być dostępna dla rodzin, ale nie więcej niż 3 dzieci na dorosłego… pic.twitter.com/kV60N68jUt
— Klara Maria (@klarasoltan) November 17, 2023
مقطع فيديو على اليسار، نشر في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 على تويتر والتقط في روسيا على بعد نحو 3 كيلو مترات من معبر نويجاما الحدودي مع فنلندا، ونرى من خلاله أشخاصا يركبون دراجات هوائية ونسمع ما يلي “17 تشرين الثاني/ نوفمبر، لقد انطلقنا على متن دراجات هوائية باتجاه فنلندا، نقدم تحياتنا إلى أبو موسى العراقي”.
فنلندا تغلق الغالبية الساحقة من المعابر الحدودية مع روسيا
وللتصدي لتوافد أشخاص لا يحملون بطاقة هوية، أغلقت السلطات في فنلندا أربعة معابر حدودية في الليلة الفاصلة بين يومي 17 و18 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري وثلاثة معابر أخرى في الليلة الفاصلة بين 23 و24 تشرين الثاني/ نوفمبر، وبالتالي بقي معبر حدوي واحد مفتوحا أمام طالبي اللجوء.
في يوم الجمعة 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أكد “أحمد” أنه سيواصل إرسال المهاجرين إلى الحدود مع فنلندا طالما كان هناك معبر حدودي مفتوح
وتواصل فريق تحرير مراقبون يوم الأربعاء 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري مع سوري حاول اثنان من أقربائه الوصول إلى الحدود مع فنلندا في الآونة الأخيرة حيث يقول: “نجح أحد أصدقائي في العبور إلى فنلندا قبل خمسة أيام. لقد دفع 350 دولارا لركوب رحلة امتدت لـ12 ساعة من موسكو إلى غاية معبر حدودي ثم اضطرا إلى دفع 300 دولار (فريق التحرير: 274 يورو) للحصول على دراجة هوائية. في المقابل، لم يتمكن شقيقه من عبور الحدود.”
تمكن فريق تحرير مراقبون أيضا من التواصل مع رجلين لم يتمكنا من العبور إلى الأراضي الفنلندية بسبب الإغلاق التدريجي للمعابر الحدودية. ويؤكد أحدهم، والذي رفض الكشف عن جنسيته، أنه دفع 700 دولار (نحو 640 يورو) لركوب رحلة من سان بطرسبورغ وصولا إلى الحدود مع فنلندا، وذلك قبل بضعة أيام، ولكن دون جدوى.
ويقول آخر وهو سوري الجنسية إنه دفع مئة دولار للسفر من موسكو إلى سان بطرسبورغ مع أربعة أشخاص من أصول عراقية ويمنية وسورية وصومالية. وعند وصوله إلى وجهته، دفع 300 دولار إضافية للتنقل على متن سيارة أجرة في اتجاه الشمال. وفي الوقت الذي نشرنا فيه هذا المقال، لم يتمكن هذا المهاجر السوري بعد من عبور الحدود. وأكد لفريق التحرير أن درجة الحرارة وصلت إلى 25 تحت الصفر في مكان وجوده.
“إنهم مهددون بالموت من البرد، درجات الحرارة منخفضة جدا”
وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون، قدمت لجنة الدعم المدني، وهي منظمة روسية غير حكومية تقدم يد المساعدة للمهاجرين واللاجئين وجهة نظرها بشأن قرار فنلندا إغلاق معابرها الحدودية مع روسيا.
هذا القرار سيتسبب في تعقيد الأمور على العائلات التي تعيش على جانبي الحدود. زد على ذلك أن السوريين واليمنيين والصوماليين أيضا لا يملكون تقريبا أية فرصة للحصول على اللجوء في روسيا وسيبقون عالقين في بلدنا. لكن يمكن لهم الحصول على اللجوء في فنلندا ولكن بقرارها إغلاق الحدود، أقفلت هلسنكي الباب أمام إمكانية تقديم طلب اللجوء.
في روسيا، تعرض عشرات اللاجئين مؤخرا إلى التوقيف على يد الشرطة وحكم عليهم بالترحيل لأن كثيرا منهم موجودون في وضع غير قانوني: إذ انتهت صلاحية تأشيراتهم أو أنهم لم يحصلوا على حق اللجوء.
يتحدث أحد السوريين الذين تواصل معهم فريق تحرير مراقبون فرانس24 عن مخاوفه عندما يقول: “في الوقت الحاضر، لا يمكن لي أن أخبركم عن القرية التي أتواجد بها وذلك لأنه في حال علم الروس بوجود مهاجرين هنا سيأتون للبحث عنا ومن ثم سيرحلوننا إلى سوريا”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.