- جاك ستيوارت
- صحفي في الشؤون العلمية – بي بي سي
أعلنت شركة غوغل أنها ستنتج طائرات من دون طيار لتوصيل البضائع، مع إمكانية استخدامها كذلك في أعمال الإنقاذ عند حدوث الكوارث. جاك ستيوارت، الصحفي في بي بي سي، زار المقر السري لهذه الطائرات داخل شركة غوغل لمعرفة قدراتها والأعمال التي يمكن أن تستخدم فيها.
في المنطقة التي أقيمت عليها شركة غوغل في “سيليكون فالي” بولاية كاليفورنيا الأمريكية، هناك مبنى غير مميز ولا يلفت الانتباه. وكان ما بداخله يمثل سرا بالنسبة لي حتى دخلته مع نيكولاس روي، أحد موظفي شركة غوغل.
قلت لروي مازحا إن “هذا مكان لا يدخله كثيرون ممن لا يحملون بطاقة هوية غوغل”. فرد مازحا أيضا أن “هذا مكان لا يدخله كثيرون حتى ممن يحملون بطاقة هوية غوغل”.
ومثلما أوردت تقارير كثيرة في الآونة الأخيرة، يدير روي برنامجا يُطلق عليه اسم “بروجكت وينغ” في هذا المبنى الذي يحمل اسم “هاتشري” (أي التفريخ). لكن عليك أن تبدد أي أفكار قد توحي لك بأن المبنى يحتوي على مختبرات للخيال العلمي لإنتاج مخلوقات غريبة.
فهذا هو المكان الذي تنتج فيه غوغل الجيل القادم من الطائرات ذاتية الطيران.
وقال روي بعدما قادني عبر ثلاثة أبواب أمنية على الأقل إنه “في هذا المبنى نصمم العديد من الطائرات، ونقوم بتركيبها، ثم نختبرها، ثم نعيد تركيبها مرة أخرى إذا فشلت تلك الاختبارات”.
وكشفت غوغل عن أنها تصمم طائرات ذاتية الطيران، وهو ما تصدر عناوين الأخبار العالمية. وقد تمكنت بي بي سي من إلقاء نظرة استثنائية من الكواليس على ذلك المشروع داخل القسم الذي ينتج تلك الطائرات.
وكانت الفكرة قيد التطوير سرا على مدى العامين الماضيين لدى “غوغل إكس”، وهو قسم الأبحاث السرية في شركة غوغل، والذي كان مسؤولا أيضا عن تطوير سيارة غوغل ذاتية القيادة، وعن مشروع “غوغل لوون” الذي ينشئ بالونات خاصة يمكنها بث خدمة الإنترنت في الأماكن النائية في مناطق مختلفة من العالم.
الإغاثة وقت الكوارث
جاء هذا الكشف في الوقت المناسب. فبخلاف الدور الذي تقوم به الشركات في صناعة الطائرات ذاتية الطيران المستخدمة في ساحات المعارك، فإن شركات مختلفة تعمل حاليا على تطوير مجموعة كبيرة من “المركبات الطائرة” بهدف نقل الناس أو البضائع أو الطرود من مكان إلى آخر بطريقة أكثر فاعلية.
وبينما تعمل بعض هذه المركبات بشكل ذاتي، فإن البعض الآخر منها قد حقق أخيرا حلم أصحابها الذي استمر عقودا بإنتاج مركبات يمكن أن تسافر برا وجوا.
فالطائرة ذاتية الطيران، التي بإمكانها إيصال البضائع، يمكنها أيضا نقل المساعدات في أعقاب الكوارث. والسيارة الطائرة، التي بإمكانها نقل الموظف يوميا إلى عمله، يمكنها أيضا نقل عمال طوارئ إلى إحدى المناطق المنعزلة.
ويعتبر المبنى “هاتشري”، داخل مقر شركة غوغل، المختبر الرئيسي الذي تجرى فيه عمليات الاختبار والتطوير. ويحتوي على مختبر لأجهزة الروبوت ومعدات لتجميع الأجهزة.
وتغطي طاولات العمل حول أطراف القاعة مكونات مختلفة ومفككة جزئيا، وتشمل مراوح، وأسلاك متعددة الألوان، ومحركات كهربائية، وبطاريات، وكلها تبدو على شكل أكوام تراكمت عشوائيا.
وفي وسط القاعة، توضع أحدث طائرات غوغل على إحدى طاولات العمل. وهي عبارة عن طائرة بيضاء اللون أنيقة الشكل يبلغ طولها نحو 1.5 متر. ويمكنها أن تطير أفقيا بسرعة، كما أنها قادرة على التحليق العمودي لإسقاط الطرود بواسطة حبل مثبت بها.
وتزن تلك الطائرة 8.5 كغم فقط، ويمكنها حمل طرود تزن 1.5 كغم كحد أقصى.
وحتى الآن، أجرت غوغل تجاربها في مقاطعة كوينزلاند في أستراليا حيث تعد القوانين الخاصة بالطائرات من دون طيار أقل تعقيدا. وتمكنت مركبة غوغل من توصيل بعض الوجبات الخفيفة، وأطعمة أخرى للكلاب لمنزل أحد الزبائن، بعدما تم إطلاقها من منزل مجاور.
وبحسب ما نشرته مجلة “ذي أتلانتك” الأسبوع الماضي، فقد زارت إحدى طائرات غوغل مزارعا يدعى نيل بارفت. وحلقت على ارتفاع مائة قدم فوق الأرض، وأنزلت طردا صغيرا من طعام الكلاب ثم عادت إلى قاعدتها.
إمدادات مستمرة
توجه روي، الذي كان يراقب التجربة بالقرب من الموقع، بسيارته إلى منزل ذلك المزارع وجلس معه في الوقت الذي وصلت الطائرة.
ووصف روي تلك اللحظات قائلا إن “التجربة كانت شيئا مختلفا حقا، فهذا أمر مبهج عندما ترى هذه الطائرة البيضاء تحلق فوق رأسك وتأتي إلى هذا الموقع الجميل، وتنزل الطرد أمامك مباشرة، ثم تعود إلى قاعدتها.”
لكن الطائرات من دون طيار يمكن أن تستخدم في سياق أكثر أهمية. وتتوقع غوغل أن تستخدم هذه الطائرات الحديثة في إيصال إمدادات ومعدات إلى الأماكن المنكوبة بعد وقوع كوارث طبيعية مثل الفيضانات أو الأعاصير.
فعلى سبيل المثال، يمكن قيادة شاحنة إلى أقرب مكان ممكن من موقع فيضان كارثي، وعندما لا تتمكن الشاحنات من التقدم أكثر، سيفتح السائق الباب الخلفي للشاحنة ليكشف عن صف من الطائرات ذات اللون الأبيض اللامع.
وستحمل تلك الطائرات بالأدوية وأجهزة الاتصال اللاسلكي والأغذية، وسيحدد لها موقع لإيصال حمولتها.
ثم تطير وحدها إلى ذلك الموقع لتلقي بتلك الحمولة، ثم تعود لحمل المزيد. وبهذه الطريقة، فإن عددا قليلا من تلك الطائرات يمكنه القيام بسلسلة متواصلة من رحلات الإمداد.
ويمكن استخدام المبدأ ذاته لإيصال السلع عبر الإنترنت في بعض المدن – وهو الأمر الذي اقترحته متاجر أمازون في الفترة الأخيرة. إذ بإمكان سائق توصيل الطلبات الذهاب إلى وسط حي ما ليطلق سربا من الطائرات من دون طيار وينتظر حتى تنهي مهمة توصيل الطرود إلى كل منزل، بدلا من استخدام الشاحنة الثقيلة الملوثة للبيئة.
وجاء إعلان غوغل في الوقت الذي يتحقق الباحثون من إمكانية استخدام مركبات هوائية أخرى لتقديم الخدمات الإنسانية كالدراجات الهوائية الطائرة، والسيارة الطائرة التي تدعى “مافيريك” والمزودة بمروحة في مقدمتها ولها جناح مظلي في مؤخرتها.
وعلى سبيل المثال، فإن بإمكان السيارة مافيريك أن تلتقط المواد الطبية من منطقة ما دون الحاجة إلى مدرج للطيران، ومن ثم تحلق بها إلى مكان لا يمكن للسيارات العادية الوصول إليه. في غضون ذلك، تعمل شركة فايلون (Vaylon) الفرنسية على تطوير سيارة مماثلة تدعى “بيغاس”.
الحاجات المحلية
لا يمكن حتى الآن معرفة مدى الفائدة التي ستعود بها هذه الوسائل التكنولوجية في أوقات الأزمات.
ويقول كيم سكريفن، مدير أحد الصناديق المهتمة بدعم الابتكار في مجال الإغاثة الإنسانية في بريطانيا، والذي يؤيد فكرة استخدام التكنولوجيا الحديثة في أعمال الإغاثة، لبي بي سي إن هذه التكنولوجيا تتمتع بإمكانات جيدة للتطوير في المستقبل، لأن وكالات الإغاثة تنفق أموالا طائلة على عمليات النقل.
لكنه حذر أيضا قائلا “أود التأكيد على أهمية أن تكون هذه الأنظمة قوية ويمكن صيانتها محليا”.
وعادة ما تستخدم وكالات الإغاثة العمال والتقنيين المحليين لصيانة مركباتها في الوقت الحالي، ولذا فإن استخدام أي وسائل نقل طائرة يجب أن يأخذ في الاعتبار كيفية إجرء أعمال الصيانة.
وقد تبدو أحدث التطورات في مجال تكنولوجيا النقل آخر ما نحتاج إليه حاليا في قائمة الأمور الضرورية، إلا أن شركة غوغل تبدو متحمسة جدا لأن يبدأ الناس في التفكير في كيفية الاستفادة من الطائرات ذاتية الطيران – ليس لتوصيل الطلبات فقط، ولكن للتعامل مع الكوارث الطبيعية.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.