“فرنسا لا تواجه أزمة هجرة… ومن الممكن تأمين ظروف استقبال أفضل”

“فرنسا لا تواجه أزمة هجرة… ومن الممكن تأمين ظروف استقبال أفضل”



أعلنت الأمم المتحدة ارتفاعا كبيرا بأعداد اللاجئين والمهاجرين حول العالم، إذ تخطت عتبة الـ100 مليون. جزء كبير من هؤلاء توجه إلى أوروبا، التي أعلنت ارتفاع معدلات طلبات اللجوء لديها بنسبة 41% منذ مطلع العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من 2022. إلى جانب ارتفاع أعداد اللاجئين، تصاعدت وتيرة الخطابات السياسية المناهضة للهجرة في أوروبا إجمالا وفرنسا تحديدا، حيث اعتبر بعض السياسيين أن فرنسا تواجه “مدا من الهجرة” و”الهجرة مرتبطة بنزعة التوحش”، في حين رأى متخصصون أن البلاد “لا تواجه أزمة مهاجرين”. فيما يلي نظرة على وضع الهجرة الإجمالي في أوروبا وقراءة في تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين.

نشرت في: آخر تحديث:

عاد سؤال الهجرة في أوروبا إلى دائرة الضوء من جديد، مع حادث الغرق المأساوي لقارب المهاجرين قبالة السواحل اليونانية في 14 حزيران/يونيو الجاري، والذي كان يحمل نحو 750 مهاجرا، وفقا لشهادات الناجين، المئات منهم في عداد المفقودين. 

الحادث أعاد التأكيد على أن قضية الهجرة واللجوء مازالت متقدة، خاصة مع ارتفاع دراماتيكي بأعداد ضحايا غرق الزوارق في المتوسط تحديدا. وفقا لإحصاءات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة للعام 2022، بلغ العدد الإجمالي لأولئك الذين أجبروا على الفرار من منازلهم وأوطانهم حول العالم أكثر من 100 مليون. 

وفقا للهيئة الأممية، يعتبر هذا الرقم قياسيا مقارنة بالأرقام التي تم تسجيلها خلال السنوات الماضية، حيث يفوق نظيره الذي تم تسجيله في 2021 بأكثر من 20%. 

ومن بين هؤلاء الذين يزيد عددهم عن 108 ملايين شخص، هناك 35.3 مليون لاجئ و62.5 مليون نازح و5.4 مليون طالب لجوء و5.2 مليون شخص آخر بحاجة إلى الحماية الدولية (نازحون لم تتح لهم الفرصة بعد لتقديم الطلبات). 

ولا يبدو، وفقا لتوقعات المفوضية، أن السنوات القادمة ستشهد انخفاضا بأعداد هؤلاء، خاصة مع اندلاع المزيد من الحروب وبؤر التوتر حول العالم، آخرها الحرب الدائرة في السودان. 

ماتيو تارديس، المدير المشارك لمركز “الأبحاث المشترك” المتخصص بالهجرة، اعتبر أن أعداد المهاجرين واللاجئين ارتفعت بشكل جدي مع الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، إذ تسبب بأكبر موجة لجوء تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.  

وأورد تارديس أنه خلال الأسابيع التي تلت عملية الغزو، “شهدت أوروبا وفرنسا ما تمر به مناطق أخرى من العالم بالفعل، نزوح غير مسبوق للأوكرانيين – معظمهم من النساء والأطفال – الفارين من المعارك”.  

بعد استقبالهم وتأمين المأوى لهم، بدأت أوروبا بالتفكير في السؤال الأكبر، كيف سيمكن تأمين الموارد الكافية والمستدامة لإعانتهم؟ ومع طول أمد الحرب في بلادهم، بدأ النقاش الجدي حول إعادة توطينهم، إضافة إلى المهاجرين واللاجئين غير الأوكرانيين المتواجدين في أوروبا، وكيفية مساعدتهم على تخطي التحديات الجسيمة التي يواجهونها كإيجاد المسكن أو العمل أو تعلم اللغة…  

ارتفاع أعداد طلبات اللجوء في فرنسا 

في هذا الواقع، تقف الدول الأوروبية أمام معضلة استقبال وإدماج وإدارة المجموعات الوافدة من طالبي اللجوء والمهاجرين. في شباط/فبراير الماضي، استقبلت دول الاتحاد 76505 مهاجرا وطالب لجوء (معظمهم من السوريين والأفغان)، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 41% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. 

واستقبلت فرنسا وحدها خلال العام الماضي 130933 طلب لجوء، وفقا لوزارة الداخلية، بزيادة قدرها 26.9% مقارنة بالعام 2021. وتصدر الأفغان رأس قائمة طالبي اللجوء من حيث العدد، تلاهم البنغال والأتراك.  

قد تبدو الأرقام كبيرة، لكنها لا توحي بوجود أزمة مهاجرين وطالبي لجوء، حسب فرانسوا هيران، الباحث الديمغرافي والأستاذ في “كوليج دو فرانس”. 

وحسب هيران “لا يوجد ارتفاع كبير في طلبات الهجرة واللجوء (في فرنسا) من عام إلى آخر. صحيح أنه بين عامي 2015 و2016 – مع كل النزاعات في الشرق الأوسط (الحرب في سوريا) والقرن الأفريقي – شهدنا ارتفاعا حادا في طلبات اللجوء، لكنها عادت وانخفضت جذريا مع انتشار جائحة كورونا (2020). والآن نعود تدريجيا إلى مستويات ما قبل الجائحة”. 

ويرفض الباحث، وفقا لهذه المعطيات، استخدام كلمات مثل “تسونامي المهاجرين” أو “موجات مد المهاجرين” في بعض الخطب السياسية اليمينية واليمينية المتطرفة في فرنسا وأوروبا، معتبرا أن الأعداد لا تشكل أزمة. وكان عدد من القادة والوزراء الأوروبيين قد استخدموا مصطلحات مشابهة في خطاباتهم، كوزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان التي أثارت الجدل في عدد من خطاباتها بشأن المهاجرين، حيث استخدمت تعبير “غزو المهاجرين لأراضينا” أكثر من مرة. كما استخدمت مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية، تعبير “بلادنا غارقة بالمهاجرين”.  

تصاعد الخطاب المتطرف المعادي للهجرة 

في سياق تصاعد الخطاب المتطرف الذي يستهدف طالبي اللجوء والمهاجرين في فرنسا، يعتبر هيران أن “كل هذه الاستعارات اللغوية قد تكون بليغة لكنها ليست عادلة. إنها جزء من خطاب الخوف. الجدل العام لا يتماشى مع الأرقام”. 

وشهد الخطاب المعادي للهجرة تصاعدا واضحا عقب هجوم أنسي (شرق فرنسا)، إذ استنكر العديد من قادة اليمين واليمين المتطرف ما وصفوه بـ”الهجرة الجماعية”، ودعا بعضهم إلى “إعادة النظر في سياستنا للهجرة برمتها، وعدد من القواعد الأوروبية”، وأن “الهجرة الجماعية لها صلة مباشرة بنزعة التوحش التي تعانيها بلادنا” (ديفيد راشلين، نائب رئيس حزب التجمع الوطني). 

وبحسب استطلاع أجراه معهد “إيفوب” ونشرته صحيفة “لوجورنال دوديمونش” في نهاية مايو/أيار، يؤيد 69% من الفرنسيين تعديل الدستور لإتاحة عدم التقيد بالقواعد الأوروبية من أجل الحد من الهجرة. 

وكان المفوض السامي للاجئين فيليبو غراندي، خلال مؤتمر صحافي في جنيف في 13 حزيران/ يونيو، قد اعتبر بدوره أن اللاجئين يواجهون “بيئة أكثر عدائية (…) في كل مكان تقريبا”، مذكّرا القادة السياسيين “أن تكون قائدا حقيقيا يعني إقناع الرأي العام بأن هناك أشخاصا يستحقون الحماية الدولية”. 

أما ماتيو تارديس فتساءل “هل ارتفاع معدلات الهجرة هو ما يسبب تصاعد المشاعر المناهضة للمهاجرين والخطابات الشعبوية اليمينية؟”. 

يذكر أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية في فرنسا، اندلعت عدة مظاهرات لليمين المتطرف في مناطق متعددة، إحداها في باريس في 16 أيار\مايو الماضي، حين هاجم حوالي 40 شخصا ينتمون لجماعة يمينية متطرفة قاصرين مهاجرين غير مصحوبين بذويهم. 

“44 ألف لاجئ سوري” في فرنسا 

وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، تزايدت الهجرة بنسبة 67% في جميع أنحاء العالم منذ العام 2000. بالنسبة لفرانسوا هيران، تحتل فرنسا “موقعا معتدلا نسبيا على قائمة الدول المستقبلة للمهاجرين. نحن لسنا في طليعة هذه الدول، وهي فرصة، لأنها تجعل من الممكن تأمين ظروف استقبال أفضل ودمج الوافدين وتوقع وصول المزيد”. 

ويقول هيران “من عام 2014 حتى يومنا هذا، استقبلت فرنسا 44 ألف لاجئ سوري فقط (وفقا لبيانات يوروستات)، أما ألمانيا فاستقبلت 18 ضعف هذا الرقم وتركيا ما يقرب من 100 ضعف (نحو 3.8 مليون لاجئ سوري وفقا لإحصاءات مفوضية اللاجئين)”. وذكر الخبير الديموغرافي أن “السوريين والعراقيين والأفغان الذين تمكنوا من تقديم طلبات لجوئهم في أوروبا الغربية هم أفضل من الناحية المالية والمهنية من نظرائهم الذين لجأوا إلى دول الجوار (80% من اللاجئين السوريين متواجدون في البلدان المجاورة لسوريا – لبنان والأردن وتركيا)”.

Share this content:


اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading