إنه -برأي إحدى مراقباتنا- أول فيديو يظهر عملية ختان بنات في “مخيم للختان” إحداهن بدأت بالبكاء. وقد نشر هذا المقطع المصور في البداية عبر تيك توك وبدأ مستخدمون في تداوله منذ منتصف تموز/يوليو الجاري. وعلى الرغم من أن ذلك ممنوع في غينيا، فإن هذه العمليات تبقى رائجة بكثرة في البلاد. وأدى تحرك ناشطين بينهم مراقبتنا بعد نشر هذه الصور إلى فتح تحقيق في الموضوع. وقد تم إيقاف رجل يشتبه في أنه التقط مقطع الفيديو فيما لا تزال تبحث عن النساء اللاتي ظهرن في المشهد.
نشرت في: آخر تحديث:
8 دقائق
يبلغ طول الفيديو أقل من دقيقة. ونرى من خلاله أربع فتيات صغيرات يفترشن الأرض واحدة بجانب الأخرى. تبكي إحداهن وقد اعتصرها الألم فيما بدت الأخريات هادئات. وكان امرأتان حاضرتين في المشهد بينهن مسنة. وعلى الشاشة، كتب فوق الصورة باللغة الفرنسية ”أمي قامت بعمل جيد هذا الصباح” وهي نفس الجملة التي نطقها الرجل الذي كان يصور المشهد (يقول “اليوم” عوض “الصباح”) في بداية مقطع الفيديو بلغة “سوسو” المحلية. وتقول المرأة التي ترتدي ثيابا سوداء فيما بعد بلغة “مندنكا” وهي تتوجه للبنت الصغيرة التي كانت تبكي “لا تبكي، ابقي جالسة على الأرض، كوني أكثر ثباتا”. أما المرأة التي ترتدي لباسا أحمر فقالت باللغة “الفولانية” (لغة أطلسية غربية) لنفس هذه البنت الصغيرة “انظري، البنت الصغيرة لا تبكي، الأكبر سنا منهن هي التي تبكي وزد على ذلك أنها تمارس جهدا لكي يكون صراخها أعلى”.
وسننشر فقط مقطعا من هذا التسجيل المصور قمنا خلاله بتشويش وجوه البنات الصغيرات والمرأتين.
“ما أشد وقاحة من نشر هذه الصور”
نشر هذا المقطع المصور على تطبيق تيك توك في الأسبوع الثالث من شهر تموز/يوليو الجاري من قبل حساب قام بحذفه سريعا بعد أن تلقى وابلا من الردود السلبية. ولكن امرأتين على الأقل تمكنتا من تسجيله. فافون كوكاتي التي تملك حسابا على تطبيق تيك توك تحت اسم “مادام دياكيتي Mme Diakité” والتي تحظى بعدد واسع من المتابعين في غينيا أعادت نشر مقطع من التسجيل المصور في 19 تموز/ يوليو 2023 وأضافت إليه تعليقا أمام الكاميرا. وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون، أوضحت قائلة:
الشعور الذي انتابني بعد مشاهدة هذه الصور كان قويا جدا. وتلك البنت الصغيرة التي كانت تبكي… لم أكن أعتقد أنني سأشاهد ذلك في القرن الحادي والعشرين، كنت أعتقد أن العقليات بدأت في التغير. ما أشد وقاحة نشر هذه الصور. أنا التي تعرضت لعملية ختان أعرف أنك ستعيش مع ذلك إلى غاية الموت، أشعر بصدمة مباشرة بعد رؤية ذلك.
وتقول امرأة غينية تعيش في فرنسا -والتي فضلت عدم كشف هويتها- إنها قامت بتعليق على مقطع من التسجيل المصور ونشرته على تطبيق سناب شات. وتعلق قائلة: “أعاد لي ذلك المشهد ذكريات مروعة”. نشرت ذلك في مجموعة دردشة بين أمهات شابات وتلقيت الكثير من ردود الفعل. تعرضت أيضا للشتم إذ يقول عدد منهن “للنساء الحق في القيام بما يردن في أجسادهن”.
“ما من شك في أن مقطع الفيديو التقط في مخيم لختان البنات”
كادياتو كوناتي هي رئيسة نادي النساء الشابات الرائدات في غينيا، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى الوقاية والتنديد بختان البنات والزواج القسري، وتقول:
ما من شك في أن مقطع الفيديو التقط في مخيم لختان البنات، حتى وإن لم يكن في مقدورنا التأكيد بشكل قاطع ما إذا كانت الصور قد التقطت بعد إجراء الختان. حتى أن وضع الفتيات بتلك الطريقة هو أمر شائع في مثل هذه الحالات إذ إنهن كن يرتدين نفس الملابس، الألوان والأشكال يمكن أن تختلف لكن الرداء المربوط على الظهر وغطاء الرأس الذي ربط بطريقة معينة مع الشعر، ذلك ينطبق تماما مع ما يحدث في مخيمات ختان البنات. وضع الفتيات جميعهن على الأرض جنبا إلى جنب يمثل دليلا إضافيا. في مخيمات ختان البنات، تتم العملية بطريقة جماعية.
يتم تنظيم هذه المخيمات بشكل عام خلال فترة العطل، لدى امرأة ستقوم بإجراء الختان. يمكن أن تتم عملية الختان فسي آن واحد على عشر فتيات سيبقين في المكان لمدة تصل إلى شهر. والمرأة نفسها هي التي تتولى إطعامهن و”تربيتهن” وتعليمهن القيم التقليدية في المجتمع: أغلقي فمك، لا تتحدثي إلا عندما يخول لك ذلك. لكن في المقابل يمكن أن يتم تعليمهن بعض القيم الجيدة عن العلاقات الإنسانية.
اقرأ أيضاحملة لمكافحة ختان الإناث في غينيا
تم إبلاغ وكالة حماية الجندر الاجتماعي والطفولة والأخلاق في غينيا “أوبروجيم” (Oprogem) من طرف الأشخاص الذين تداولوا التسجيل بينهم “نادي النساء الشابات الرائدات”. وتم إلقاء القبض على شخص من المشتبه بأنه نشر المقطع المصور في مدينة كنديا وتم فتح تحقيق في الغرض، حسبما أكده لفريق تحرير مراقبون “دادوك قمرا” النائب العام لدى المحكمة الابتدائية في كنديا الذي يقول: “حسب اعترافات الشخص الذي تم إيقافه، تم تصوير المشهد في كوناكري. وتم إبقائه في حالة إيقاف لأننا لم نعثر بعد على النساء الضالعات في عملية ختان البنات. يعد هذا المقطع المصور الأول من نوعه وهو صادم إلى حد كبير. لم أرَ في حياتي قط مشهدا كهذا”.
“يجب أن يفهم الأولياء أنه تُمكن تربية البنات على القيم التقليدية دون بتر جزء من أعضائهن التناسلية”
يمنع القانون الغيني ختان البنات بموجب أمر صادر في سنة 2008 بالرغم من أن عدد هذه العمليات لم يتراجع منذ ذلك الحين حسب منظمة “بلان إنترناشونال Plan international” إذ إن %97 من النساء في البلاد تعرضن لعملية ختان حسب منظمة الأمم المتحدة. وتعود كادياتو كوناتي من “نادي النساء الشابات الرائدات” لتقول:
قمنا بالتحرك لأننا نريد على الأقل أن يتم ردع النساء الذين يلتقطن هذه المقاطع المصورة ومن ثم ينشرنها دون خجل على الإنترنت. أدانت المحكمة أشخاصا في حالات ختان بنات ولكن تم إصدار الكثير من الأحكام مع تأجيل التنفيذ وذلك لأن النساء الضالعات في ختان البنات كن من الطاعنات في السن. ولكن من وجهة نظرنا، تعود مثل هذه الأحكام إلى تسامح كبير مع مثل هذه الممارسات.
يعود إجراء ختان للبنات إلى عدة عوامل. يمكن أن يعود ذلك إلى أسباب ثقافية أو إلى التقاليد -سيقال إن الأجداد قاموا بذلك ويجب علينا إذا القيام بنفس الشيء، لأسباب اقتصادية- وذلك لأنها مصدر دخل بالنسبة للنساء اللاتي يجرينها، أو لأمور تتعلق بالكرامة والشرف، وهي تدخل في إطار رغبة نظام أبوي يسعى إلى التحكم في الرغبة الجنسية للفتيات عندما يكبرن… كل واحد يمارس هذه العادة لأسبابه الخاص. يقول البعض إن مثل هذه العمليات ستحد من خطر الحمل المبكر، وآخرون يعتقدون أن الأزواج لا يحبون أن تكون نساؤهم غير مختونات. دائما ما نجد وسيلة لتبرير هذه الجريمة.
يجب أن يفهم الأولياء أنه تُمكن تربية بناتهم على القيم التقليدية من دون بتر جزء من أعضائهن التناسلية وذلك لأن عملية ختان البنات هي بمثابة عملية استئصال. لا يمكن أن نقوم بذلك لمجرد رغبتنا في الحصول على الصورة التي نريدها في أعين باقي المجتمع.
في المقابل، أعتقد أن عدد عمليات ختان البنات في تراجع. لكن يبدو أن الناس يقومون بها خفية، لم تعد تجرى تحت الأنظار. وقد بدأ الموضوع يثير نقاشا وفهم الناس شيئا فشيئا أنه لا يمكن القبول بأن تستمر هذه الممارسات إلى ما لا نهاية.
شكرا لفريق تحرير لغات مندنكا واللغة الفولانية في إذاعة فرنسا الدولية “RFI” على ترجمة مقطع الفيديو.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.