كشفت السلطات الفرنسية أن عددا لابأس به من المشاركين في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أيام على خلفية مقتل الشاب نائل برصاص شرطي أثناء محاولته الفرار من عملية تدقيق مروري، فتية “صغار جدا”. وحمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية عن ميل هؤلاء المراهقين إلى تنظيم “تجمّعات عنيفة”.
نشرت في:
مع استمرار رقعة الاحتجاجات وأعمال الشغب التي تشهدها فرنسا منذ أيام بعد مقتل الشاب نائل برصاص شرطي، أعلنت السلطات المحلية أن أعدادا لا بأس به من المراهقين يشاركون في الصدامات والمناوشات مع الشرطة التي أوقفت 875 شخصا ليل الخميس “ثلثهم شباب، وأحيانا فتية صغار جدا” حسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتقول السلطات المحلية إن فتية “صغار جدا” بعضهم من تلاميذ الثانويات وبعضهم يدرس في معاهد مهنية وآخرون يعملون في المطاعم والمقاهي يشاركون في هذه الاحتجاجات بدوافع مختلفة منها التنفيس عن الغضب الاجتماعي، بينما اتهم ماكرون بعض وسائل التواصل الاجتماعي بأنها مسؤولة عن ميل هؤلاء المراهقين لممارسة العنف.
أعداد غير مسبوقة
وعرفت احتجاجات سابقة مشاركة مراهقين، ففي عام 2005، اشتعلت ضواحي المدن الفرنسية الكبرى غضبا إثر مصرع مراهقين صعقا بالكهرباء في حيّ كليشي-سو-بوا بضاحية سين-سان-دوني الباريسية أثناء محاولتهما الفرار من الشرطة.
لكن السلطات المحلية تقول إن هذه أول مرة تشهد احتجاجات مشاركة من صغار السن بهذا الحجم، سواء من حيث العدد الإجمالي للمشاركين أو من حيث صغر سنهم مقارنة بالاحتجاجات السابقة.
اقرأ أيضامقتل الفتى نائل: متى يسمح القانون الفرنسي للشرطة استخدام السلاح؟
والجمعة، قالت مارتين أوبري رئيسة بلدية مدينة ليل إنّه في تلك المرحلة “كان هناك عدد أكبر من الشبّان في الشوارع وكانوا أكبر سنا. كانوا يضرمون النار في السيارات وعربات الإطفاء، لكن كان بإمكاننا أن نتواصل معهم”.
وأضافت المسؤولة الاشتراكية أنّه بالمقابل فإنّه في الاحتجاجات الراهنة “لدينا عدد كبير من الأطفال” الذين “لا يمكننا أن نتحاور معهم”.
ووفقا لوزير الداخلية جيرالد دارمانان فإنّ متوسّط أعمار المراهقين الذين أوقفتهم الشرطة هو 17 عاما.
وبعض هؤلاء الموقوفين بدأوا بالمثول أمام محاكم المنطقة الباريسية. وقد تبيّن أنّ بعضهم تلامذة في المرحلة الثانوية، وآخرون تلامذة في معاهد مهنية، بينما يعمل بعضهم الآخر ندلاء في مطاعم وحانات، وكثر منهم بالكاد بلغوا سنّ الـ18 عاما، وغالبيتهم ليس لديه أيّ سجل إجرامي.
تحركات منظمة
يتحرك الكثير من مرتكبي أعمال الشغب هؤلاء ضمن مجموعات صغيرة تتميّز بقدرتها العالية على الحركة وسرعتها في التفرّق.
وعلى سبيل المثال، فإنّه في حيّ بابلو بيكاسو بضاحية نانتير (غربي باريس) حيث كان يقطن الشاب نائل م. الذي أشعل مقتله هذه الاحتجاجات، لاحظ صحافيو وكالة الصحافة الفرنسية أنّ المحتجّين يتوزّعون ضمن مجموعات ويتّبعون طريقة محدّدة للتحرّك.
في هذا الحيّ تتولّى مجموعات شبابية جيّدة التنظيم مهمّة مراقبة مداخل الحي لإخطار البقية عند رصد أي تعزيزات أمنية، فتنتشر عند كل من هذه المداخل مجموعة شبابية، في حين تتجول بين المجموعة والأخرى دراجات نارية أخفيت لوحاتها.
وفي حين تتولّى هذه المجموعات عند المداخل مهمّة الرصد والمراقبة، تتوزع داخل الحي مجموعات أخرى مهمّتها التصدّي لقوات الشرطة وإطلاق المفرقعات والأسهم النارية باتّجاهها.
وما يميّز هؤلاء الشبّان هو أنهم دائمو التنقل ويتواصلون مع بعضهم باستمرار بواسطة هواتفهم النقالة ويتوزعون في أنحاء مختلفة من حيهم، وما أن يهبط الليل حتى ينضم إليهم شبان آخرون غالبا ما يرتدون ملابس سوداء ويخفون وجوههم خلف أوشحة أو شالات.
اتهامات لوسائل التواصل الاجتماعي
وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لما يقوم به هؤلاء الشبان الذين قال عنهم ماكرون إن “بعضهم يطبّقون في الشارع ما يعيشونه في ألعاب الفيديو التي سمّمتهم”.
ووجّه الرئيس الفرنسي أصابع الاتّهام بالخصوص إلى منصّتي سنابتشات وتيك توك حيث يتمّ تنظيم “تجمّعات عنيفة”، معتبراً أنّ هاتين المنصّتين “تثيران أيضا شكلا من أشكال محاكاة العنف، مما يؤدّي في صفوف الأصغر سنا إلى شكل من أشكال الخروج من الواقع”.
والتقت وكالة الأنباء الفرنسية عددا من هؤلاء الشبّان وقد أكّد قسم كبير منهم أنهم إنما يرتكبون هذه الأعمال “تنفيسا عن الغضب” الناجم عن شعورهم “بالظلم”.
وقال أحد هؤلاء المحتجين في باريس ويدعى ابراهيم (اسم مستعار) إنّ “أعمال النهب لن تفيد بشيء لا التحقيق ولا نائل”.
وأضاف وقد وقف أمام متجر أزياء تعرض للنهب في شارع ريفولي إنّ “تحطيم أشياء وإظهار غضبنا يظهران أننا سئمنا من أخطاء الشرطة الفادحة”.
وتابع الشاب البالغ 16عاما وقد ارتدى سترة رياضية سوداء ووضع حول عنقه سلسلة فضية “لقد سئمنا من كلّ أولئك الذين قتلوا من أجل نعم أو كلا. (احتجاجنا) سيغيّر قليلا بعض الأمور التي لم تتحرك أبدا”.
وأكد الشاب الذي يقيم في مونروج في جنوب باريس أنّه “عندما نتحدّث، عندما نتظاهر، عندما ننظم مسيرات، يكون الأمر عديم الفائدة تقريبا … بينما عندما يرون أنّنا نقوم بأفعال، فنحن نظهر لهم أنّنا غاضبون، نظهر لهم أنّه إذا لم يحرّكوا ساكنا فيمكننا أن نغضب وأن نكسّر أشياء، وهنا يتحرّكون”.
وبرأي أستاذ علم الاجتماع في جامعة رين (غرب) سامي زغناني فإنّ أعمال العنف التي شهدتها فرنسا هذا الأسبوع يجب النظر إليها من منظور الانتفاضة وليس أعمال الشغب.
وقال زغناني لوكالة الأنباء الفرنسية إنّ “مصطلح ’أعمال شغب’ يقلّص هذا العنف إلى جنوح حضري بسيط في حين أنه ينطوي على بعد سياسي لا يمكن إنكاره” في سياق الفروقات الاجتماعية المتزايدة في البلاد.
فرانس24/أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.