بعد ثلاثين عاما حاكما لمصرف لبنان، تنتهي ولاية رياض سلامة الإثنين، من دون تعيين خلف له. وسيتسلم النائب الأول وسيم منصوري مسؤولياته بالوكالة الثلاثاء ريثما يتم تعيين البديل. وسلامة، الذي يعد عراب استقرار الليرة وانتعاش الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية، مستهدف بتحقيقات أوروبية ومحلية بشأن ثروته وأدائه في منصبه. ويشهد لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.
نشرت في:
6 دقائق
أدت الانقسامات بين القوى السياسية في لبنان إضافة إلى الشلل المؤسساتي إلى انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الإثنين بدون التوصل إلى تعيين خلف له. وسلامة يواجه تهما بمراكمة أصول عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني وإساءة استخدام أموال عامة على نطاق واسع.
وسيتسلّم النائب الأول وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم بالوكالة، في انتظار أن تجد القوى السياسية حلا في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية. ويتطلب تعيين موظفين من الدرجة الأولى توافقا سياسيا يبدو من الصعب توافره في الوقت الراهن على وقع الانقسامات الحادة التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية منذ تسعة أشهر.
وكان منصوري هدّد بالاستقالة قبل أسابيع للضغط من أجل تعيين خلف لسلامة، إلا أنه تراجع عنها بعد تقارير عن حصوله على ضمانات من الطبقة الحاكمة بإقرار خطة توقف تدريجيا تمويل الدولة وتتضمن قوانين إصلاحية ولا تتيح الإنفاق الزائد من الاحتياطي الإلزامي الذي نضب خلال الأزمة.
ويشهد لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق بدأ مع امتناع الحكومة اللبنانية عن دفع ديونها المستحقة إلى المصارف، ما ساهم، بالإضافة إلى عوامل أخرى، في شحّ السيولة وفرض المصارف قيودا مشددة على المودعين وتتالي الأزمات المالية، وصولا إلى فقدان الليرة اللبنانية حوالي 98 في المئة من قيمتها.
“الشفافية الكاملة”
وقال منصوري خلال مؤتمر صحفي عقده الإثنين “نحن أمام مفترق طرق، إما الاستمرار في نهج السياسات السابقة وقد عايشنا النتائج (..) وإمكانيات المصرف المركزي محدودة”، وإما “الانتقال إلى سياسة أخرى وهي وقف تمويل الدولة بالكامل“. وأضاف “لا يمكن تغيير الوضع الحالي من دون إقرار خطة متكاملة” متفّق عليها مع الحكومة والبرلمان. كما شدّد على ضرورة إقرار قوانين تشريعية بينها الموازنة العامة والكابيتول كونترول وهيكلة المصارف. وتعد هذه القوانين جزءا من إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي لإقرار خطة مساعدات للبنان. وقال منصوري “لمن يقول إن هذا المطلب صعب المنال.. أقول إنها فرصة البلد النهائية“. وتعهد “بالشفافية الكاملة” إلى حين تعيين بديل.
وبحسب قانون النقد والتسليف، يُعيّن الحاكم لولاية من ست سنوات، بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية. ويتعيّن على الحاكم الجديد أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية، المنصب الشاغر في البلاد.
ويُعد عهد سلامة (73 عاما) الذي شغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ 1993، من الأطول في العالم لحكام المصارف المركزية. وكان سلامة مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990). لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ 2019، بات يُحمّل مع أركان الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة. ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، بات غالبية السكان تحت خط الفقر.
عدم المس بالاحتياطي الإلزامي
وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة الذي كان يعد عراب استقرار الليرة، مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها، باعتبار أنها راكمت الديون وأوصلت البلاد لما هي عليه. لكن سلامة دافع مرارا عن نفسه، مؤكدا أن المصرف المركزي “مول الدولة“. ورغم الانهيار المالي، يواصل المصرف المركزي فتح اعتمادات للحكومة لتدفع مصاريفها من رواتب وشراء مواد أساسية الخ..
واعتبر منصوري أن وقف تمويل الدولة يجب أن يتم تدريجيا “خلال فترة انتقالية”، مشيرا إلى أن أي تمويل مؤقت للدولة، الذي يتضمن رواتب الموظفين، الأدوية المستعصية، القوى الأمنية واحتياجاتها ومستلزمات الإدارة، يجب أن يكون مشروطا بضرورة إعادة الحكومة للأموال عبر تحسين الجباية. وشدد منصوري على ضرورة عدم المس بالاحتياطي الإلزامي الذي تراجع إلى عشرة مليارات دولار مقابل 36 مليار دولار في العام 2017.
اقرأ أيضاعلى الرغم من صدور عدة مذكرات توقيف أوروبية بحقه.. القضاء اللبناني يمنع رياض سلامة من السفر
في مصرف لبنان، ودّع الموظفون الذين تجمعوا في باحة مصرف سلامة الذي قال، وفق شريط فيديو نقلته وسائل إعلام محلية، “مصرف لبنان صمد (…) وأعطى النتائج التي يجب أن يعطيها قبل الأزمة، وحتى في الأزمة كان العمود الفقري الذي سمح للبنان أن يستمر“.
“كبش محرقة”
وخلال مقابلة مع قناة محلية الأسبوع الماضي، قال سلامة “سأطوي صفحة من حياتي وأعتقد أنه بين الثلاثين عاما، هناك 27 ساهم خلالها البنك المركزي بسياساته النقدية بإرساء الاستقرار والنمو الاقتصادي“. واعتبر أنه تحول إلى “كبش محرقة” منذ بدء الانهيار، معتبرا أن الطبقة السياسية نفضت يدها منه “منذ زمن“.
ومنذ عامين، يشكّل سلامة محور تحقيقات أوروبية تشتبه بأنه راكم أصولا عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان. وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ مذكرتي توقيف في حق سلامة جرى تعميمهما عبر الإنتربول، وقرر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي.
وبالتوازي مع التحقيقات الأوروبية، يقود القضاء اللبناني تحقيقا محليا حول ثروة سلامة، وقد فرض قبل أسبوعين حجزا احتياطيا على ممتلكاته. ولا يعني انتهاء ولاية سلامة غيابه عن الأضواء، كون التحقيقات الأوروبية لن تهدأ قريبا. ورجح مصدر دبلوماسي أوروبي لوكالة الأنباء الفرنسية أن تنطلق محاكمته في باريس خلال الفترة المقبلة بعد توافر المعطيات الكافة أمام المحققين.
فرانس24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.