سلوك إسرائيل بالضفة الغربية أدى إلى تصاعد “المقاومة الفلسطينية”

سلوك إسرائيل بالضفة الغربية أدى إلى تصاعد “المقاومة الفلسطينية”



واصلت إسرائيل الثلاثاء عمليتها العسكرية واسعة النطاق في جنين بشمال الضفة الغربية المحتلة، ما أسفر عن سقوط عشرة قتلى على الأقل ومئات الجرحى في صفوف الفلسطينيين، فيما أعربت وكالات أممية عن قلقها من هذا الهجوم الأوسع منذ نحو عقدين.

نشرت في:

شهدت مدن الضفة الغربية الثلاثاء إضرابا شاملا استجابة لدعوة حركة فتح احتجاجا على العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين، والتي أسفر عنها مقتل ما لا يقل عن عشرة فلسطينيين وجرح أكثر من مئة آخرين منهم 20 في حالة خطرة. وبيّنت هويات الضحايا العشرة أن ثلاثة منهم لا تتعدى أعمارهم 17 عاما، والبقية ما بين 18 و23 عاما.

وقد أوضح نائب محافظ جنين كمال أبو الرب بأنه ومنذ بدء العملية “غادر حوالي 3000 شخص منازلهم في مخيم جنين” مشيرا إلى “ترتيبات جارية لإيوائهم في المدارس وغيرها في مدينة جنين القريبة”.

ويعيش في مخيم اللاجئين هذا نحو 18 ألف فلسطيني، وتنظر إسرائيل إليه كمعقل للمسلحين والمطلوبين الفلسطينيين.

من جهة أخرى، أصيب سبعة أشخاص بجروح إثر عملية دهس في تل أبيب نفذها فلسطيني قُتل على الفور، قال الأمن الإسرائيلي إنه من الخليل.

للوقوف عند آخر التطورات الميدانية في مخيم جنين وتداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية، حاورنا المحلل السياسي عماد أبو عواد وهو مدير مركز القدس للدراسات في رام الله.

  • ما هي آخر التطورات في مخيم جنين وهل يمكن أن ينتقل الصراع إلى باقي الأراضي الفلسطينية؟

تحاول إسرائيل إلى الآن الانضباط قدر الإمكان، مع وجود تخريب متعمد لممتلكات الفلسطينيين من تجريف وتهجير منذ البارحة. لكن الصراع في المدن الفلسطينية موجود في الأساس. لاحظ على سبيل المثال عملية (الدهس في تل أبيب) التي نفذها فلسطيني من مدينة السمّوع بجنوب الضفة الغربية. هناك أيضا ثماني عمليات منذ بداية العام، والمؤثرة منها بشكل فعلي على الاحتلال كانت كلها خرجت من مدينة جنين.

اقرأ أيضاعباس يقرر وقف اللقاءات والتنسيق الأمني مع إسرائيل وسط استمرار العملية العسكرية بجنين

بالتالي، فإن إسرائيل تحاول أن تجعل من جنين وكأنها هي المشكلة لتقول عمليا إن الفلسطينيين غير موحّدين على المقاومة وهذا غير دقيق لأنهم موحدون خلفها، بدليل أن كل المدن الفلسطينية خرّجت عمليات بشكل أو بآخر خلال الفترة الأخيرة.

فالضغط الإسرائيلي المهول والكبير، الاستيطان، وابتلاع أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، تهويد مدينة القدس مع تسجيل خمسين ألف مقتحم للمسجد الأقصى سنويا من قبل المستوطنين، وتحويل المستوطنات إلى شبه بلديات بإمكانها التوسع ذاتيا.. كل ذلك يؤدي إلى المزيد من ردة الفعل الفلسطينية.

  • كيف تنعكس هذه الأحداث على عملية السلام؟

في اعتقادي، فإن مسار السلام قد انتهى منذ 2002. فحتى يومنا هذا لا يوجد أي أفق، أما الحديث عن السلام فهو يأتي فقط لشراء الوقت وإشباع ربما رغبات السلطة الفلسطينية، ولإثبات أنه لا يزال هناك دور للمجتمع الدولي في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. من الممكن أن يكون هناك مسار سياسي لكن ليس في اتجاه وجود دولتين، ربما ترتيبات ليست لها علاقة بإقامة دولة فلسطينية، فقط حكم ذاتي للفلسطينيين في المناطق المكتظة بالفلسطينيين ليس أبعد من ذلك. والسبب أن إسرائيل لا يمكن لها أن تتخلى ضمن السياق الحالي عن أراضي المنطقة (ج) في الضفة الغربية والتي تشكل ستين بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

اقرأ أيضاما هي المنطقة (ج) في الضفة الغربية المحتلة التي لا يريد اليمين الإسرائيلي التنازل عنها أبدا؟

  • ما هي الأهداف والدوافع الإسرائيلية من عملية جنين؟

الأهداف الإسرائيلية المعلنة من وراء عمليتها العسكرية في مخيم جنين هي ذاتها نفس الأهداف التي كانت معلنة قبل عشرين عاما، أي القضاء على المقاومة الفلسطينية، القضاء على الفكر المقاوم في فلسطين، اعتقال المقاومين الفلسطينيين أو قتلهم، وإعادة الأمن والهدوء. لكن الناظر إلى الواقع الميداني يرى أنه لا يمكن لإسرائيل أن تستعيد الهدوء أو أن تستطيع في سياق تعاطيها الحالي في الضفة الغربية، أن تحجّم المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فإن الأهداف هي تكتيكية وليست استراتيجية.

  • كيف تقيم المواقف العربية والدولية بعد كل تصعيد؟

لا تزال المواقف العربية والدولية هي ذاتها، شجب واستنكار وإدانة. عمليا وتاريخيا لم تؤد تلك المواقف إلى ما يعرف بالقدرة على تحسين الواقع الفلسطيني المعاش أو تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية ذات صلة ومركزية وإعادة الرمزية لها في المحافل الدولية. وبالتالي، لم يعد الفلسطينيون يثقون في أي من هذه المواقف. كما تراجع دعم المجتمع الدولي ودعم الدول العربية للقضية الفلسطينية كثيرا، وهناك شعور مستمر بأن الحالة والقضية الفلسطينية تتآكل بشكل كبير.

ضف إلى ذلك، سلوك إسرائيل في الضفة الغربية أدى إلى تصاعد “المقاومة الفلسطينية” وانزياح غالبية الفلسطينيين باتجاه الفكر المقاوم. في ظل وجود دولة للمستوطنين في الضفة مع تسع مئة ألف مستوطن مسيطرين على الأرض بشكل كبير وفي ظل ما يمارسونه من تنكيل وضغط على الفلسطينيين، أدى كل هذا إلى وجود انزياح وإيمان فلسطيني بضرورة المقاومة، حتى إن هناك شرائح كبيرة من الفلسطينيين لا تؤمن إلا بهذا الخيار حاليا. هذا سيؤدي إلى المزيد من التصعيد والانفجار. كذلك، لا إسرائيل تستطيع أن تضبط مستوطنيها في الضفة الغربية في ظل تحولهم إلى دولة، ولا السلطة الفلسطينية تستطيع أن تضبط حالة المقاومة، ما يعني أننا سنستمر في دائرة التصعيد، سيأخذ في كل مرحلة منحنيات أكثر تصاعدا وقسوة وصولا إلى انفجار سيكون مهولا ليس فقط في ساحة الضفة الغربية إنما في ساحات أخرى أيضا.

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *