بعد أن كتبت كثيرا عن أوضاع الأحياء الشعبية والضواحي الفرنسية واتهمت بعض سكان هذه المناطق بعدم احترام الجمهورية الفرنسية ومبدأ العلمانية، اليوم ليديا غيروس (39 عاما) مطالبة بفرض مبدأ المساواة في الفرص بهذه الأحياء وإعادة بعث الحياة فيها مجددا وذلك بعدما عينها الرئيس إيمانويل ماكرون محافظة منتدبة ومكلفة بمنطقة “جيروند” بجنوب غرب فرنسا. فهل ستنجح ابنة “تيزي هيبل” بأعالي منطقة القبائل بالجزائر في مواجهة التحدي وتغيير رؤيتها إزاء هذه الأحياء التي لم تكف عن انتقادها؟
نشرت في:
7 دقائق
بعد مرور عدة أيام على نهاية أعمال العنف التي انتشرت في العديد من المدن والضواحي الفرنسية بسبب مقتل الشاب نائل (17 عاما) من قبل الشرطة في 27 يونيو/حزيران 2023 ببلدة “نانتير” غربي باريس، بدأ إيمانويل ماكرون يكشف عن بعض القرارات الهادفة إلى تهدئة الأوضاع في الأحياء الشعبية وفرض السلم والأمن فيها.
ويكمن القرار الأول في تعيين ليديا غيروس (39 عاما)، وهي مواطنة فرنسية من أصول جزائرية، محافظة منتدبة ومكلفة بفرض مبدأ المساواة في الفرص والتماسك الاجتماعي بالأحياء الشعبية، إضافة إلى دمج الأجانب في النسيج الفرنسي وذلك بمنطقة جيروند بجنوب غرب فرنسا.
وليست غيروس غريبة عن هذه الملفات الاجتماعية، بل سبق وأن عملت في جمعيات كانت تنشط في الأحياء الشعبية والضواحي لمساعدة الشبان على الاندماج في النسيج الفرنسي. وهي أصلا من عائلة مهاجرة إذ ولدت في قرية “تيزي هيبل” بأعالي جرجرة بمنطقة القبائل الجزائرية. جاء والدها إلى فرنسا من أجل العمل مثل العديد من المهاجرين الآخرين.
“الله كبير والجمهورية أيضا”
باشرت هذه الشابة التي حصلت على شهادة في الاقتصاد من جامعة “باريس دوفين” في 2009 حياتها السياسية في حزب الوسط الذي كان يتزعمه فرانسوا بيرو. ثم انتقلت بعد ذلك إلى حزب “الجمهوريون” بطلب من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي عينها سكرتيرة وطنية مكلفة بقضايا العلمانية ثم كناطقة رسمية باسم “الجمهوريون”.
كما شاركت ثلاث مرات بمواعيد انتخابات مختلفة. في المرة الأولى خاضت غمار الانتخابات التشريعية في 2012 وفي الثانية بالانتخابات الأوروبية التي نظمت في 2019 والثالثة بالانتخابات المحلية في 2020، لكنها لم تنجح ولا مرة.
تنتمي غيروس إلى معسكر اليمين الجمهوري. لكن بعض خصومها السياسيين يصفونها بـ”المتطرفة” بسبب مواقفها المعادية للدين الإسلامي وتشبثها العميق بمبدأ العلمانية. فعلى سبيل المثال، أصدرت كتابا في 2014 بعنوان وصُف آنذاك بالمستفز وهو “الله كبير والجمهورية أيضا”. دافعت فيه عن مبدأ العلمانية وضرورة احترام فصل الدين عن السياسة. ودعت المسلمين الذين يعيشون على أرض فرنسا إلى احترام قوانين الجمهورية وعدم العبث بها.
“في بعض المدارس، الأولاد أصبحوا يتعلمون بأن “العدو هو الشرطي”
كبرت غيروس وترعرعت في منطقة “جيروند” بجنوب غرب فرنسا. وستباشر عملها مع محافظ هذه المنطقة إتيان غيو قريبا، وستتكلف بالقضايا الاجتماعية وملف اندماج الأجانب في المجتمع الفرنسي ومساعدة سكان الضواحي على إيجاد فرص عمل.
اقرأ أيضافرنسا: أربعون عاما من المخططات والمشاريع لإصلاح الضواحي… من دون جدوى
وجدير بالذكر أن غيروس خصصت كتابا كاملا حول الضواحي الفرنسية في 2016 تحت عنوان “أنا ماريان” انتقدت فيه “سكان الأحياء الشعبية الذين يريدون الحصول على جميع الحقوق بدون حد أدنى من المسؤولية أو من الواجبات المترتبة عليهم”. وأضافت: “الإعلان عن حب فرنسا والجمهورية أمر قد يعرض صاحبه للخطر في بعض الضواحي”.
وتابعت في نفس الكتاب: “في الأحياء الشعبية بفرنسا، النموذج الاجتماعي السائد هو نموذج الدول الأصلية التي ينحدر منها سكان هذه الأحياء”، وأن” التنظيم في هذه الأحياء هو نفس التنظيم المتواجد في الدول المغاربية ويتفق ويتماشى مع متطلبات الإسلام الراديكالي. أما في بعض المدارس، فالأولاد أصبحوا يتعلمون بأن “العدو هو الشرطي”.
من انتقاد ماكرون إلى مدحه
وفي أعقاب مقتل الشاب نائل، وصفت غيروس على “إذاعة الجنوب” ليالي العنف التي عاشتها فرنسا بأنها “شكل من أشكال البربرية”، وأن فرنسا “على حافة الانقسام”، مشيرة إلى أن “الأعمال التي ارتكبت لا تعبر عن غضب الناس، بل تدخل في خانة الاعتداءات والجرائم والجنح. هم يريدون تدمير هذا البلد الذي لا يحبونه. هذا هو رهانهم. يجب تعزيز سياسة استيعاب المهاجرين”.
كما سبق أن انتقدت السياسات الحكومية تجاه الضواحي قائلة إن “الملايين التي صرفت على الضواحي الفرنسية لم تأت بثمارها، بل بالعكس بعض الأحياء تحولت إلى مناطق محظورة لا يمكن دخولها”.
وإضافة إلى ليديا غيروس، قام الرئيس إيمانويل ماكرون بتعيين أيضا مارلين بولان، المسؤولة السابقة في الكونفدرالية العامة للشغل والمتخصصة في مسائل الهجرة محافظة منتدبة بمنطقة “با ران” (الراين السفلى) بشرق فرنسا. وكذلك الأمر بالنسبة لتيبو لنغساد الذي عينه ماكرون محافظا منتدبا بمنطقة “أندر” وسط فرنسا.
اقرأ أيضافرنسا: أي حصيلة للسياسات في ضواحي المدن؟
ولم تكن مواقف غيروس إزاء سياسات ماكرون تتسم دائما بالمدح والإطراء في السنوات الأولى من عهدته. بل كانت تنتقده مستخدمة في بعض الأحيان ألفاظا وعبارات غير لائقة كقولها في 2018 بأن “عالم ماكرون تحول إلى جمهورية المجرمين”. كما وصفت أيضا الرئيس الفرنسي في مارس/آذار من نفس السنة بـ”الرئيس الذي يدافع عن مبدأ ’تعدد الثقافات‘” وأنه يملك “علاقات غامضة مع الأوساط الإسلامية” ويعتبر “أسوأ مدير للموارد البشرية” في تاريخ فرنسا.
“ولاية ماكرون لم تنته ولم تمت بعد”
لكن هذه الانتقادات أصبحت من الماضي. فابنة منطقة القبائل غيّرت مفرداتها وطريقة حديثها عن إيمانويل ماكرون وأصبحت تدافع عنه. فعلى سبيل المثال، قالت على “إذاعة الجنوب” في شهر أبريل/نيسان الماضي بعد أيام قليلة فقط من المصادقة على قانون التقاعد الجديد “ولاية ماكرون لم تنته ولم تمت بعد” واصفة إياه بالرئيس الذي “شمر عن سواعده وهو رجل التغيير والحركة الذي يملك عزيمة قوية لتحسين الأوضاع ولا يتردد في لقاء الفرنسيين”.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن المسائل الأمنية لن تكون من بين صلاحيات المحافظين المنتدبين الجدد. فهم مطالبون بفتح قنوات حوار جديدة مع سكان الأحياء خاصة فئة الشباب وبناء جسور التضامن مع الجمعيات التي تنشط في هذه المناطق، فضلا عن مساعدتهم على التعرف على خطط إنعاش الضواحي والأحياء الشعبية التي قامت الحكومات المتعاقبة بتمريرها بهدف تحسين المعيشة فيها. فهل تنجح ليديا غيروس هذه المرة في كسب قلوب أولئك الذين لم تكف عن انتقادهم منذ زمن طويل؟
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.