توارت فرقها عن الأنظار منذ ستة أشهر بعد أن وجهت أصابع الاتهام لأفرادها في مقتل الشابة مهسا أميني، ولكن في 16 تموز/يوليو الجاري، أعلنت الشرطة الإيرانية بطريقة غير مباشرة عودة شرطة الأخلاق إلى النشاط. وأشارت مقاطع فيديو التقطها هواة وشهادات مراقبينا أن دوريات هذه الشرطة عادت للظهور حتى قبل هذا الإعلان. ولكن النساء اللاتي اعتدن على الخروج من دون حجاب يؤكدن أنه لا نية لديهن لتغيير عاداتهن.
نشرت في:
8 دقائق
تم إيقاف الشابة مهسا أميني التي كانت تبلغ من العمر 22 عاما في 13 أيلول/ سبتمبر 2023 على يد هذه الفرقة لأنها لم تكن ترتدي الحجاب الإجباري بالشكل المطلوب. وأدى قمع حركة “مرأة حياة حرية” التي اندلعت إثر وفاة الشابة أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق إلى وقوع 500 قتيل وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين. ولكن الحركة أدت أيضا إلى رفض عدد كبير من الإيرانيات ارتداء الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة في تجاوز لقانون الشريعة الإسلامية المطبق في البلاد. وتحت نار الانتقادات، توقفت دوريات شرطة الأخلاق عن نشاطها فيما ركزت الشرطة النظامية على قمع المتظاهرين.
ويبدو أن النظام يعتبر اليوم أن رياح الغضب قد هدأت إذ أعلن سعيد منتظر المهدي المتحدث باسم الشرطة الإيرانية في 16 تموز/ يوليو الجاري أن “دوريات الشرطة ستبدأ انطلاقا من اليوم في تنبيه الأشخاص الذين يرتدون لباسا لا يحترم الأخلاق وفي حال اعتراضهم ستتم إحالتهم على أنظار القضاء” وذلك بهدف “الوصول إلى مجتمع أكثر أمنا واحترام القيم العائلية”. لكن المهدي لم يذكر بشكل واضح شرطة الأخلاق (التي تسمى في إيران “فرقة الإرشاد” أو “غشت ارشاد” باللغة الفارسية). وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الدوريات الجديدة مشكلة من رجال شرطة عاديين أو من أفراد شرطة الأخلاق. ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن المدعي العام الإيراني أنه تم حل جهاز شرطة الأخلاق لكن وسائل إعلام حكومية نفت هذه المعلومة.
بازداشت دختر ایرانی توسط وحوش ارشاد، گشت ارشاد دوباره راه اندازی شده pic.twitter.com/FPG1R7ERFT
— s@eed (@llikeiran) July 15, 2023
رجل من شرطة الأخلاق أثناء توقيف امرأة لم تكن ترتدي الحجاب في حي “جيشا” في شمال العاصمة الإيرانية طهران يوم 15 تموز/ يوليو 2023.
على وسائل التواصل الاجتماعي، قال عدة مستخدمين إيرانيين أنهم رأوا الشرطة تنفذ دوريات “احترام الأخلاق” في الشوارع خلال الأيام القليلة المنقضية. ووثقوا ذلك من خلال صور تظهر نساء رؤوسهن عارية يتعرضن للمساءلة من قبل نساء يرتدين “تشادور” سوداء برفقة رجال شرطة بزي نظامي. فيما ظهرت عربات شرطة في الصور إضافة إلى شاحنات صغيرة بيضاء اللون.
وتشير الغالبية الكبرى من الرسائل المصاحبة لهذه المنشورات إلى أن هذه الدوريات تكتفي بمطالبة النساء بوضع غطاء على الرأس، فيما تقول مقاطع فيديو أخرى أنه تم تنفيذ اعتقالات.
منذ عدة أشهر، تستخدم السلطات الإيرانية كاميرات مراقبة حركة المرور لرصد السائقات والمرافقات في السيارات اللاتي لم يكن يرتدين الحجاب. وتستخدم السلطات أرقام اللوحات المنجمية للتعرف على النساء المخالفات واستدعائهن للمثول أمام المحاكم أو فرض غرامة مالية عليهن.
“النساء لم يعدن يخشين لا الإيقافات ولا الغرامات المالية أو الضغوط العائلية وحرمانهن من حقوقهن المدنية”
نيوشا (اسم مستعار) تعيش في طهران وترفض منذ أكثر من عام ارتداء الملابس المطلوبة وفق الشريعة الإسلامية الإلزامية في الأماكن العامة حيث تقول:
أخرج بالشكل الذي أريد بقميص وتبان. في المقابل، رأيت دوريات لشرطة الأخلاق في عدة مناطق من طهران في شمال ووسط المدينة بالرغم من أنني لم أر أو أسمع بعملية إيقاف أي كان.
رأيت نساء شرطيات يرتدين زي “تشادور” أسود كالعادة. ولكن في الوقت الحاضر، أصبحن يتحركن في شاحنات صغيرة بيضاء اللون بعد أن كان لونها في السابق أخضر وأبيض [فريق التحرير: الألوان الرسمية لعربات الشرطة في إيران].
أعرف عددا كبيرا من النساء اللاتي تلقين استدعاء للمثول أمام المحكمة. حيث أبلغ عنهن رجال الشرطة لأنهن لم يكن يرتدين اللباس الإسلامي الإلزامي في الأماكن العامة وتم تقديمهن للمحاكمة وهن الآن ينتظرن صدور الحكم.
يظهر هذا المقطع المصور الذي نشر على تطبيق تلغرام إيرانيين يتظاهرون بعد إيقاف ثلاث سيدات في 16 تموز/ يوليو 2023 بسبب عدم ارتدائهن الحجاب الإلزامي في الشارع.
“إحدى صديقاتي وضعت حجابا في السيارة كإجراء احتياطي”
عدد رسائل التهديد القصيرة التي تم بعثها إلى سائقات السيارات في ازدياد. حيث يتم استخدام كاميرات المراقبة للتحقق من أن النساء الموجودات داخل السيارات يرتدين الحجاب أو لا وفي حال عدم التزامهن به، يتم إرسال رسائل قصيرة وفرض غرامة على مالك السيارة وفي بعض الحالات يتم احتجاز العربة لبعض الوقت.
ولكن بصراحة، لا أرى أنه من الممكن أن تستسلم الإيرانيات. القوة الرئيسة وراء الاحتجاجات الأخيرة كانت من النساء الشابات والمراهقات. إنهن لم يعدن يخشين لا الإيقافات ولا الغرامات المالية أو الضغوط العائلية وحرمانهن من حقوقهن المدنية. لم يعدن يخفن من أي شيء.
ولكن عائلات الطبقة الوسطى التي يجب على أربابها الذهاب إلى العمل كل يوم بحاجة ماسة للسيارة وإلا فإن بعضهم سيجد نفسه في وضع حرج مهنيا. إحدى صديقاتي التي لم ترتد الحجاب ولو لمرة واحدة خلال الأشهر الماضية، وضعت حجابا في السيارة كإجراء احتياطي.
في 17 تموز/ يوليو الجاري، أكدت وسائل إعلام أن قاض في محافظة طهران قرر معاقبة امرأة بالعمل في غرفة الموتى في العاصمة طهران لأنها لم تكن ترتدي حجابا في سيارتها.
ويبدو أن سلطات الجمهورية الإسلامية تنوى إخماد مطالب النساء الإيرانيات من خلال الاستعانة بقوات الأمن، لكن عدة محللين سياسيين يرون أن هذا القرار سيكون بمثابة إطلاق السلطات الإيرانية رصاصة في قدمها.
“بالنسبة إلى المتطرفين، فإن تطبيق الحجاب يمثل آخر القلاع قبل انهيار النظام”
تارا (اسم مستعار) هي محللة سياسة في إيران. وبعد أن تم إيقافها عدة مرات بسبب انتقادها لنظام الجمهورية الإسلامية، فإنها ما تزال من الإيرانيات اللاتي يرفض الالتزام بالزي الإسلامي. وحسب تارا، وقبل شهرين فقط من إحياء الذكرى الأولى لوفاة الشابة مهسا أميني وفي سياق تراجع شرعية النظام بشكل غير مسبوق، فإن الجمهورية الإسلامية صبت الزيت على النار بعد عشرات السنين من الأزمة:
يوجد صراع أجنحة بين فصائل سياسية متباينة في إيران. نجد المتطرفين، على غرار أحمد رضا ردان، القائد الجديد لجهاز الشرطة في إيران، الذي يريد إعادة نشاط شرطة الأخلاق. وهم الذين لديهم الصوت الأعلى. لكن توجد أيضا أجنحة أخرى – لسبب أو لآخر ربما يكون خوفا من مظاهرات حاشدة- لا توافق على هذا التمشي. فيما نفت مواقع إلكترونية مقربة من الخط المتشدد على غرار مواقع تسنيم نيوز وجافان [فريق التحرير: وسيلتا إعلام مقربتان من جهاز الحرس الثوري الإسلامي ذي النفوذ القوي في إيران] عودة شرطة الأخلاق إلى العمل مؤكدة أن صور الهواة التي تظهر مثل هذه الدوريات “كاذبة”.
بالنسبة إلى المتشددين، من الضروري فرض ارتداء الحجاب الإسلامي في الشوارع. وهي طريقة في نظرهم لإظهار أن النظام مازال يتحكم بالأمور. إنهم يرون في فرض ارتداء الحجاب آخر قلعة قبل انهيار النظام. ولهذا السبب، نظم أنصار الخط المتشدد داخل النظام مؤخرا تجمعات شارك فيها مناصروهم للاحتجاج -حسب وجهة نظرهم- على نقص المبادرة في النظام لتطبيق الشريعة الإسلامية في الأماكن العامة.
ولا يجب أن ننسى أن ذكرى وفاة الشابة مهسا أميني الأولى أصبحت قريبة. من المحتمل أن هؤلاء يرون أن حضورا أمنيا مثل ذلك في الشارع يمكن أن يمكن الناس من إحياء هذه الذكرى السنوية في الأسابيع المقبلة. ولكنني أعتقد أن ذلك سيكون له مفعول عكسي في نهاية المطاف.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.