اعتبرت الحكومة البريطانية الثلاثاء أن الإيزيديين تعرضوا “لإبادة جماعية” على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014 بالعراق، حسبما قالت وزارة الخارجية في بيان. والإيزيديون أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركز في جبل سنجار بشمال غرب العراق.
نشرت في:
7 دقائق
بعد قرارات مماثلة في كل من ألمانيا وأستراليا وبلجيكا وهولندا، اعتبرت الحكومة البريطانية الثلاثاء أن الإيزيديين هم ضحايا “إبادة جماعية” على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، حسبما جاء في بيان لوزارة الخارجية البريطانية الثلاثاء.
والإيزيديون أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركز في جبل سنجار بشمال غرب العراق. ونفذ عناصر التنظيم أعمال عنف مروعة ضد هذه الأقلية فقتلوا مئات من رجالها وأطفالها، وخطفوا نساءها واتخذوهن سبايا واستعبدوهن جنسيا.
وأوضح البيان “أقرت المملكة المتحدة رسميا اليوم بأن داعش ارتكب ممارسات إبادة جماعية في حق الإيزيديين في العام 2014”.
خامس اعتراف لبريطانيا “بإبادة جماعية”
وقالت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث إن الإعلان يأتي قبل فعاليات تحيي الذكرى التاسعة لـ”الفظائع” التي ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” في حق الأقلية الإيزيدية. وحتى الآن، اعترفت بريطانيا بأربع حالات حدثت فيها إبادة جماعية، هي محرقة اليهود ورواندا وسريبرينيتسا والإبادة الجماعية في كمبوديا.
وقال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد في بيان “عانى الإيزيديون كثيرا على أيدي داعش قبل تسع سنوات وما زالت الانعكاسات محسوسة حتى اليوم”. وأضاف “العدالة والمحاسبة أمران أساسيان بالنسبة إلى الذين دمرت حياتهم” مشيرا إلى أن هذا الاعتراف “التاريخي”، “يعزز” التزام المملكة المتحدة ضمان “حصولهم على التعويض الذي يستحقّونه وإمكان حصولهم على العدالة”.
ويذكّر البيان بالموقف البريطاني الذي يعود بموجبه تصنيف “الإبادة الجماعية” إلى المحاكم المختصة وليس إلى الحكومات أو الهيئات غير القضائية.
ألمانيا أول من اعترفت بالجرائم بحق الإيزيديين
وجاء هذا الاعتراف الرسمي بعد حكم صادر عن محكمة العدل الفدرالية الألمانية في 17 كانون الثاني/يناير 2023 يدين مقاتلا سابقا في تنظيم “الدولة الإسلامية” بتهم ارتكاب ممارسات تشكّل إبادة جماعية في العراق. وكان القضاء الألماني أول من اعترف في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بأن الجرائم التي ارتكبت في حق الإيزيدين تشكل “إبادة جماعية”. وأشادت منظمات حقوقية بالقرار معتبرة أنه “تاريخي”.
بدوره، قال مراد إسماعيل، المؤسس المشارك لمنظمة “يازدا” إن الاعتراف البريطاني “خطوة مهمة”، مشيدا من بغداد بـ”العمل المتواصل لأصدقائنا الإيزيديين في المملكة المتحدة الذين كانوا حريصين على أن هذه الإبادة الجماعية لن يتم التغاضي عنها أو نسيانها”. وأضاف لوكالة الأنباء الفرنسية “الاعتراف هو جزء جوهري من عملية العدالة والمساعدة في شفاء الضحايا من الجروح العميقة لهذه الإبادة”.
السجن مدى الحياة لمقاتل سابق في التنظيم المتطرف
وحكم قضاة محكمة فرانكفورت على طه الجميلي، المقاتل العراقي السابق في تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالسجن مدى الحياة بتهم الإبادة و(ارتكاب) جرائم ضد الإنسانية أفضت إلى الوفاة وجرائم حرب وتواطؤ في جرائم حرب”.
وأدين الجميلي الذي التحق بصفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” العام 2013، بتهمة ترك طفلة إيزيدية في الخامسة من العمر تموت عطشا في صيف عام 2015 في الفلوجة بالعراق بعدما اشتراها مع والدتها سبية حسبما أفادت جهة الادعاء.
وتحظر الإبادة الجماعية في أوقات السلم كما في أزمنة الحرب بموجب “اتفاقية الإبادة الجماعية” التي أبرمت في العام 1948. وتحدد الاتفاقية مجموعة من الجرائم على أنها تشكل “إبادة جماعية”، مشيرة إلى أنها “مرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
وفي آب/أغسطس 2014، اجتاح تنظيم “الدولة الإسلامية” جبل سنجار في شمال العراق حيث تعيش غالبية من الأقلية الإيزيدية التي تعرضت للقتل والاضطهاد على يد التنظيم خلال سيطرته على المنطقة بين العامين 2014 و2017. وأعلن العراق عام 2017 الانتصار على الجهاديين الذين فقدوا بعد ذلك معقلهم الأخير في سوريا في 2019. وحتى اليوم، تُستخرج جثث من مقابر جماعية في سنجار، فيما لا يزال أكثر من 2700 شخص في عداد المفقودين، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
ديانة عمرها أكثر من أربعة آلاف عام
نشأت العقيدة الإيزيدية في إيران قبل أكثر من أربعة آلاف عام، وتعتبر دينا غير تبشيري ومغلقا، إذ لا يمكن لأحد من خارجها أن يعتنقها. يؤمن الإيزيديون بإله واحد يصلون له متخذين الشمس قبلتهم، إضافة إلى إيمانهم بسبعة ملائكة، أولهم وأهمهم الملك طاووس. وتعتمد المجموعة على الزراعة، وتقيم غالبيتها في سنجار.
ويعد أقدس الأماكن الدينية للإيزيديين معبد لالش الذي تعلوه قبة مخروطية حجرية إلى جانب مزارات عدة في وسط منطقة جبلية تضم ينابيع طبيعية بشمال غرب العراق، ويقصده المؤمنون الزوار حفاة.
ويتبع هؤلاء المجلس الروحاني الأعلى المؤلف من خمسة أعضاء ومقره قرب منطقة شيخان، وبينهم “أمير” الإيزيديين في العالم، إضافة إلى مرجعهم الديني بابا شيخ.
ويقسم الإيزيديون إلى ثلاث طبقات: الشيوخ والبير (الدعاة) والمريدون، ولا يمكن التزاوج بين طبقة وأخرى أو من خارج الطائفة. ويعتبر إيزيديا فقط من ولد لأبوين إيزيديين.
وبمرور الوقت، دمج الإيزيديون في معتقدهم عناصر من ديانات أخرى. فعلى سبيل المثال، تتم عمادة الأطفال في الماء المقدسة للاحتفال بدخولهم إلى العقيدة على غرار المسيحيين، كما يمكن للرجال اتخاذ أربع زوجات كالمسلمين. تحرم معتقداتهم وممارساتهم تناول الخس وارتداء ملابس باللون الأزرق. وبعض المسلمين يتهمونهم خطأ بعبادة الشيطان.
وتعرضت هذه الأقلية أيضا للاضطهاد من السلطنة العثمانية في أوائل القرن العشرين، وعلى يد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي دفع، في ظل حكمه للبلاد بيد من حديد بين عامي 1979 و2003، آلاف العائلات الإيزيدية للفرار إلى الخارج.
العدد الأكبر كان في العراق
من بين ما يقارب 1,5 مليون أيزيدي في العالم، كان 550 ألفا، أي العدد الأكبر، يعيشون في العراق قبل الهجوم الذي شنه تنظيم “الدولة الإسلامية” في 2014.
وبحسب إحصاءات المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان العراق، قُتل نحو 1280 إيزيديا، ويُتّم أكثر من 2300 طفل، وتعرض ما يقارب 70 مزارا للتدمير، خلال فترة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مناطق واسعة في العراق بين 2014 و2017. وخُطف 6400 أيزيدي، أُنقذ حوالى نصفهم أو تمكنوا من الفرار.
بعد أعمال العنف تلك هاجر ما يقارب مئة ألف إيزيدي من العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا، بحسب الأمم المتحدة. ومن بين الذين لجأوا إلى ألمانيا، حائزة نوبل للسلام عام 2018 ناديا مراد التي اعتُقلت وتعرضت للاغتصاب وأُجبرت على الزواج من جهادي قبل أن تتمكن من الفرار.
“أدلة واضحة ومقنعة”
في أيار/مايو 2021 قال فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة إنه جمع “أدلة واضحة ومقنعة” على ارتكاب تنظيم “الدولة الإسلامية” إبادة جماعية ضد الإيزيديين.
بعد ستة أشهر أصبحت محكمة ألمانية الأولى في العالم التي تعتبر الجرائم المرتكبة بحق الأقلية إبادة جماعية.
والثلاثاء أقرت الحكومة البريطانية رسميا بأن ممارسات تنظيم “الدولة الإسلامية” في حق الإيزيديين عام 2014 في العراق تشكل “إبادة جماعية”.
كما أقر النواب الألمان في كانون الثاني/يناير مذكرة تصنّف ما ارتكبه تنظيم “الدولة الإسلامية” في حق الإيزيديين في 2014 على أنه “إبادة جماعية”، عقب قرارات مماثلة في كل من أستراليا وبلجيكا وهولندا.
فرانس24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.