ترك صمت السلطات الروسية حول الرواية المرجحة لأسباب تحطم الطائرة التي كانت تقل يفغيني بريغوجين الأربعاء، الباب مفتوحا أمام سيل من التكهنات والتساؤلات حول حقيقة ما حدث لزعيم فاغنر الذي قاد في يونيو/حزيران انقلاب مسلحا ضد القيادة العسكرية لبلاده. لكن أغلب تلك التخمينات سواء كانت من المعارضة أو من فاغنر، رجّحت فرضية تصفية “طباخ” بوتين السابق كانتقام من سيد الكرملين على واقعة التمرد.
نشرت في:
5 دقائق
يخيّم الغموض الخميس على مقتل زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين الأربعاء إثر تحطم الطائرة التي كانت تقله وعدد من قيادات المجموعة الروسية شبه العسكرية.
وسط هذه الضبابية في ملابسات الواقعة، بدأت قناعة راسخة تتولد عند العديد من المحللين ومفادها بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتقم من “طاهيه” السابق على خلفية التمرد الذي نفذه مؤخرا.
كما حفلت التعليقات على منصات التواصل في روسيا، سواء كانت قريبة من المعارضة أو من فاغنر، بالترجيحات التي تتوافق مع تحليلات مراكز الأبحاث الغربية: حياة بريغوجين أصبحت مهددة منذ تمرّد على القيادة العسكرية الروسية في يونيو/حزيران.
في السياق، قالت مؤسسة شركة “آر بوليتيك” للتحليل تاتيانا ستانوفايا “قلما تهمّ أسباب تحطّم الطائرة، فالجميع سيرون ثأرا وانتقاما، والكرملين لن يناقض بالضرورة وجهة النظر هذه”.
وغداة الحادثة، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن “تعازيه” لأقارب ضحايا تحطم الطائرة التابعة لمجموعة فاغنر ويعتقد أن قائدها يفغيني بريغوجين من بينهم. وقال بوتين: “بادئ ذي بدء، أود أن أعرب عن تعازي الصادقة لأسر جميع الضحايا”، واصفا بريغوجين بأنه رجل ارتكب “أخطاء” جسيمة لكنه “حقّق نتائج”.
وحتى الخميس، لم تقدّم السلطات الروسية رواية مرجحة لأسباب التحطم، ما ترك الباب مفتوحا أمام سيل من التكهنات والأسئلة بشأنه.
إسقاط الطائرة بصاروخ من نظام “أس-300″؟
فتحت السلطات تحقيقا بشأن انتهاك قواعد الملاحة الجوية. وحضر عناصر من لجنة التحقيق التي تتولى البحث في الجرائم الخطرة، إلى مكان التحطم بعد أقل من 24 ساعة على وقوع الحادث.
ولم يعد لمجموعة فاغنر أي حساب رسمي على منصات التواصل منذ 26 يونيو/حزيران، وآخر ما نشرته كان تسجيلا صوتيا لبريغوجين. إلا أن حسابات قريبة منها تحدثت عن إسقاط الطائرة بصاروخ من نظام “أس-300” للدفاع الجوي، من دون أدلة على هذه الفرضية.
وسارعت الحسابات على المنصات إلى طرح هذه الفرضية بعيد الإعلان عن تحطم الطائرة. وتحدث حساب باسم “غراي زون” عن “آثار (خطوط) بيضاء” لصواريخ الدفاع الجوي، وفق شريط مصوّر قيل إنه يظهر الطائرة أثناء سقوطها. ولم تتمكن وكالة الأنباء الفرنسية من التحقق من صحة هذا الفيديو المتداول.
إلا أن صورا وأشرطة أخرى أمكن التحقق منها، تظهر الطائرة التي ورد اسم بريغوجين على لائحة ركابها، وهي تسقط من الجو بطريقة لولبية. وألمحت رئيسة تحرير شبكة “آر تي” التلفزيونية التي تعدّ مقربة من الكرملين، إلى فرضية قتل بريغوجين. وكتبت عبر المنصات: “شخصيا، أميل إلى (الفرضية) الأكثر ترجيحا”.
مقتل كبار قادة فاغنر بينهم الذراع اليمنى لبريغوجين
وتحطمت الطائرة بمنطقة تفير شمال موسكو خلال رحلة بين العاصمة ومدينة سان بطرسبرغ. وكان على متنها عشرة أشخاص بينهم ثلاثة من أفراد الطاقم، وفق قائمة نشرتها هيئة الطيران. وأكدت وزارة الطوارئ الروسية مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة.
ونشر موقع “دوسييه” (“ملف”) التابع لرجل الأعمال المعارض ميخائيل خودوركوفسكي المقيم بالمنفى، نبذات مقتضبة عمن كانوا على متن الطائرة، وبعضهم من كبار قادة فاغنر، كان أبرزهم الذراع اليمنى لبريغوجين دميتري أوتكين، الرجل الحليق الرأس والمعروف بملامحه الصلبة وآرائه المتعاطفة مع النازيين الجدد، والذي يعتقد أنه عمل سابقا في صفوف جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية. وحسب الموقع، كان أوتكين “المسؤول عن القيادة والتشكيل القتالي لفاغنر”.
ومعه كان فاليري تشيكالوف، أحد مديري شركة “كونكورد” التي أسسها بريغوجين، وعمل معه منذ مطلع القرن الحالي. وهو أشرف على مشاريعه المدنية في العالم مثل “التنقيب الجيولوجي، إنتاج النفط، أو الزراعة”، وفق الموقع.
“من يدري ما كان بريغوجين ليقول خلال محاكمته”
ويقدم محللون سلسلة من الأسباب التي تضع اغتيال بريغوجين بقرار من قمة الهرم في موسكو، على رأس الفرضيات المرجحة: غضب بوتين جراء التمرد المسلح في يونيو/حزيران، تاريخ الرئيس الروسي في القضاء على معارضيه، وتشدد الكرملين حيال أي معارضة منذ غزو أوكرانيا في 2022.
وكتب خودوركوفسكي عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا): “لو كانت روسيا دولة طبيعية، لكان تمرده أدى إلى محاكمته”، مضيفا: “بصرف النظر عن رأينا ببريغوجين، لا يعقل قتل شخص من دون محاكمة، خصوصا وأنه لم يكن مختبئا”. وتابع خودوركوفسكي: “لكن في عالم بوتين، عالم رجال العصابات، هذه هي الطريقة الوحيدة للقيام بالأمور. من يدري ما كان (بريغوجين) ليقول خلال المحاكمة…”.
من جانبه، ذكر الباحث في مركز “روسي” البريطاني سامويل راماني بأن “ألكسندر ليتفينينكو وآنا بوليتكوفسكايا انتقدا حرب الشيشان مطلع الألفية وتم اغتيالهما في 2006”. وأضاف: “بوتين اعتاد على الثأر المتأخر. مقتل بريغوجين أتى مبكرا”.
كذلك، طرح السفير الأمريكي السابق في موسكو مايكل ماكفاول أسئلة إضافية عبر “إكس”، منها “لماذا اختار بوتين قتل بريغوجين بهذه الطريقة الدرامية؟ لماذا سمح لبريغوجين بلقاء قادة أفارقة خلال قمة سانت بطرسبرغ” في يوليو/تموز؟”. وسأل أيضا عن سبب السماح لمؤيدي فاغنر “بالتحدث عن الانتقام عبر منصات التواصل الاجتماعي الآن”.
فرانس24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.