انقطعت الاتصالات في مدينة درنة الليبية المنكوبة وتلقى صحفيون أوامر بمغادرتها ولم يسمح لفريق إغاثة من الأمم المتحدة بالذهاب إليها الثلاثاء في وقت تحاول فيه السلطات هناك احتواء حالة من الغضب العارم بسبب الإخفاق في منع وقوع أسوأ كارثة طبيعية تشهدها ليبيا. وبعد أسبوع من السيول والفيضانات التي محت جزءا كبيرا من وسط المدينة، تظاهر سكان درنة الغاضبون في الشوارع وأحرقوا منزل عميد البلدية خلال الليل. ويتهم السكان السلطات بالتقاعس عن صيانة سدين كانا يحميان المدينة وعدم إجلاء السكان قبل وصول العاصفة.
نشرت في:
6 دقائق
انقطعت الاتصالات الثلاثاء في درنة حيث طلب من الصحافيين مغادرة المدينة التي اجتاحتها فيضانات مدمرة راح ضحيتها الآلاف، غداة تحركات احتجاجية لسكانها للمطالبة بمحاسبة السلطات.
وأكدت مصادر محلية في درنة انقطاع شبكتي الهواتف النقالة والإنترنت منذ الساعة 23,00 بتوقيت غرينتش الإثنين، على ما أفاد صحافي تمكن من مغادرة المدينة لوكالة الأنباء الفرنسية.
وذكر المصدر أن السلطات المحلية طلبت من معظم الصحافيين مغادرة درنة وتسليم تصاريح التغطية التي تم منحها لهم.
وتأتي هذه القيود غداة تنظيم السكان تظاهرة طالبوا فيها بمحاسبة السلطات في شرق البلاد التي يحملونها مسؤولية تداعيات فيضانات تسببت بمقتل وفقدان آلاف الأرواح وبدمار هائل، نتيجة الإعصار “دانيال” الذي ضرب المدينة في 10 أيلول/سبتمبر وأدى الى انهيار سدين.
وأعلنت “الشركة القابضة للاتصالات” في بيان على فيسبوك عن “قطع في كوابل الألياف البصرية يؤثر على شبكة الاتصالات في مدينة درنة”.
وأشارت إلى أن هذه المشكلة التي تؤثر أيضا على مناطق أخرى في شرق ليببا “قد تكون نتيجة أعمال تخريب متعمدة”.
فوضى
وكان مئات من السكان تجمعوا الإثنين أمام المسجد الكبير في درنة وهتفوا شعارات مناهضة لسلطات الشرق التي يجسدها البرلمان ورئيسه عقيلة صالح.
وهتفوا “الشعب يريد إسقاط البرلمان” و”لا إله إلا الله عقيلة عدو الله” و”اللي يسرق واللي خان يشنق في الميدان”.
وفي بيان باسم “سكان درنة” تلي خلال التظاهرة، دعا المتظاهرون النائب العام الليبي إلى الإسراع “بنتائج التحقيق في الكارثة التي حلت بمدينة درنة، واتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية كافة ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي مجرم”.
وتوجه عدد من المتظاهرين إلى منزل قيل إنه لرئيس البلدية عبد المنعم الغيثي، حيث عمدوا إلى إضرام النار هاتفين “دم الشهداء ما يمشيش هباء”، وفق مشاهد تم تداولها على منصات التواصل وبثتها وسائل إعلام ليبية.
وبعد التظاهرة، أعلن رئيس حكومة شرق البلاد أسامة حماد حل المجلس البلدي في درنة وأمر بفتح تحقيق بشأنه، وفق ما أفاد تلفزيون “المسار” الليبي.
وبحسب سياسيين ومحللين، أسقطت صيانة البنى التحتية الحيوية في ليبيا على غرار سدي درنة اللذين انهارا من جراء الإعصار، من أولويات السلطات بسبب الفوضى العارمة السائدة في البلاد.
وأشار محمد الجارح، المتحدث باسم اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة التي شكلتها سلطات الشرق الليبي، إلى مواصلة 14 فريق إغاثة العمل في درنة، بينها 10 فرق أجنبية.
ونفى صحة ما يشاع عن إخلاء وشيك للمدينة، مؤكدا أن المناطق الأكثر تضررا فقط هي المعزولة.
وأدت الفيضانات إلى مقتل 3351 شخصا على الأقل، في أحدث حصيلة رسمية موقتة أصدرها وزير الصحة في حكومة الشرق عثمان عبد الجليل ليل الثلاثاء.
وليبيا غارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتتنافس على السلطة فيها حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقرا ويرأسها عبد الحميد الدبيبة وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في الشرق يرأسها حماد وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.
“معاقبة المتظاهرين”
وليل الأحد الإثنين 10-11 أيلول/سبتمبر، انهار سدان رئيسيا على نهر وادي درنة الصغير بنيا في سبعينيات القرن الماضي، ما تسبب في سيول طينية ضخمة كانت أشبه بموجة “تسونامي” هائلة، دمرت جسورا وجرفت العديد من المباني مع سكانها في المدينة المطلة على المتوسط والبالغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة.
فيما يواصل عناصر الإغاثة البحث عن آلاف المفقودين الذين يعتقد أنهم باتوا في عداد الأموات من جراء الفيضانات، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن الفيضانات تعكس “صورة حزينة لحال عالمنا، سيل من عدم المساواة والظلم والعجز عن مواجهة التحديات”.
وأشار أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية إلى “تراكم” مشكلات عدة من التغير المناخي إلى النزاع المستمر منذ سنوات في ليبيا.
ويتلقى العديد من المصابين في الفيضانات، العلاج في مستشفيات في بنغازي، كبرى مدن الشرق الليبي، على مسافة 300 كلم غرب درنة.
ومن هؤلاء عبد القادر العمراني الذي قال من على سريره في المستشفى إن مشاكل السدين كانت ظاهرة منذ مدة.
وقال العمراني لوكالة الأنباء الفرنسية: “منذ عامين، يحدث تسرب في السد الكبير عندما يكون نصف ممتلئ. حذرنا البلدية وطالبنا بإصلاحات”.
وأضاف الرجل البالغ 48 عاما والذي رأى جثث 6 من أحبائه تجرفها المياه “كان يمكن تجنب آلاف الوفيات”، مشيرا إلى أن المسؤولين الذين لم يقوموا بالإصلاحات “يتحملون مسؤولية الوفيات”.
من جهته، كتب المتخصص بالشأن الليبي في المجلس الأطلسي للبحوث في الولايات المتحدة عماد الدين بديع عبر منصة إكس (تويتر سابقا): “تم فرض تعتيم إعلامي على درنة الآن، الاتصالات مقطوعة منذ الفجر. لا تخطئوا، هذا ليس مرتبطا بالصحة أو السلامة، لكن لمعاقبة الدراونة على التظاهر”.
وتحدث الخبير في الشؤون المغاربية لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية طارق المجيرسي عن “أنباء مقلقة للغاية من درنة التي لا تزال تحت صدمة الفيضانات المروعة. بات السكان مذعورين من قمع عسكري وشيك يعتبر بمثابة عقاب جماعي على التظاهرة والمطالب التي رفعوها بالأمس”.
فرانس 24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.