نشر قراصنة إلكترونيون موالون لأوكرانيا في 6 أيلول/سبتمبر الجاري على تطبيق تلغرام جوازات سفر لـ192 مواطنا كوبيا وآخر كولومبي إضافة إلى وثائق أخرى، مؤكدين أنه تم تجنيدهم من قبل ضابط في الجيش الروسي بهدف المشاركة في القتال في أوكرانيا. تواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 مع اثنين منهم وأكدوا أنهم قرروا التوجه إلى روسيا لأسباب مالية بحتة.
حررت هذا المقال: أود ديجايف إليز غالي توسنو و كلوي لوفيرنييه
يصف حساب على تطبيق تلغرام نفسه بأنه مجموعة من “النشطاء في مجال القرصنة الإعلامية” يعملون مع متطوعين من كل أنحاء العالم وينسق مع “هياكل أوكرانية” منذ سنة 2014. وفي 6 و7 أيلول/ سبتمبر الجاري، نشرت المجموعة صورا رقمية لجوازات سفر 192 مواطنا كوبيا وآخر من كولومبيا تتراوح أعمارهم بين 18 و69 عاما وتؤكد بعض صور هذه الجوازات أنهم دخلوا إلى الأراضي الروسية.
وجاءت هذه المعلومات من عنوان البريد الإلكتروني لأنتون بيرزوفتشيكوف Anton Perevoztchikov. وهو قائد في الجيش الروسي حسب السيرة الذاتية التي حصل عليها القراصنة الإلكترونيون ويتولى إدارة نقطة للتجنيد العسكري في مدينة تولا التي تقع على بعد نحو 200 كيلو متر جنوب العاصمة موسكو. وتشير مقالات في وسائل إعلام محلية إلى أن مركز التجنيد في المدينة يديره ضابط يحمل نفس الاسم.
لم يتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من التواصل مع هذا المسؤول المرجح عن تجنيد الكوبيين. إذ لم تتلق اتصالاتنا المتكررة بمكتب التجنيد بمدينة تولا أي رد. في المقابل، تمكنت وسيلة الإعلام المتخصصة في التحقيق الاستقصائي ذي إنترسبت The Intercept من التواصل معه. وكذب هذا العسكري الروسية أي دور له في تجيد هؤلاء الكوبيين لكنه قال “روسيا ستحقق النصر”.
في المقابل، يقول القراصنة الإلكترونيون إنهم نقلوا المعلومات التي حصلوا عليها إلى السلطات الأوكرانية. ولا نعلم الطريقة التي تمكنوا من خلالها من الحصول على وثائق من البريد الإلكتروني للمسؤول الروسي عن التجنيد. كما أن طريقة تجنيد هؤلاء الكوبيين من قبل الجيش الروسي تبقى مجهولة.
“لا يمكن لي أن أقول ذلك، إنه أمر سري”
من خلال البحث عن حسابات شخصية لهؤلاء الكوبيين عبر فيس بوك وإنستاغرام، لاحظ فريق تحرير مراقبون أن ثلاثة منهم كانوا موجودين أصلا في روسيا حتى قبل بداية الحرب، فيما أكد ثمانية منهم أنهم سافروا إلى روسيا في الصيف الماضي فيما قال خمسة عشر آخرون إنهم يقيمون في روسيا دون أن نتمكن من معرفة تاريخ وصولهم إلى هناك. فيما نشر سبعة آخرون صورا لهم في مدينة تولا وظهر خمسة آخرون بزي عسكري روسية. وأرسل فريق تحرير مراقبون رسائل لـ126 كوبيا ممن عثرنا على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وأجاب اثنان منهم على أسئلتنا و رفض آخر تقديم شهادته فيما لم يرد البقية على رسائلنا.
جوان (اسم مستعار) والذي اختار فريق التحرير عدم ذكر هويته الحقيقة لأسباب أمنية أكد أنه انضم إلى الجيش الروسي. وخلال مكالمة هاتفية، استمعنا خلالها لأشخاص يتحدثون بجانبه، أكد جوان أنه سيتم إرساله إلى أوكرانيا دون تحديد موعد لذلك. كما أكد أنه لا يحق له تقديم تفاصيل بشأن نشاطه.
سؤال: هل يمكن لك أن تؤكد لنا أنه تم تجنيدك من قبل الجيش الروسي؟
جواب: نعم وصلت إلى روسيا قبل شهرين
س: هل تتلقى أجرا مقابل ما تقوم به؟
ج: نعم بالتأكيد
س: وكيف تمت عملية تجنيدك؟
ج: بطريقة عادية
س: لماذا جئت إلى روسيا
ج: لكسب قوتي، حتى أعيش حياة أفضل
س: وهل تعلم طبيعة الأمور التي سيطلب منك تنفيذها؟
ج: نعم بشكل تام، لكن ذلك يبقى أمرا سريا
س: هل يوجد الكثير من المرتزقة معك؟
ج: نعم لقد جاؤوا كلهم من كوبا
س: هل تعلم موعد سفرك إلى أوكرانيا؟
ج: إنه أمر سري أيضا
س: كم من الوقت تنوي البقاء هنا في روسيا؟
ج: أنوي منذ البداية البقاء هنا لفترة طويلة جئت هنا أيضا للحصول على حياة أفضل: في كوبا لم أتمكن من العثور على عمل.
س: هل أنت على علم بقصة القراصنة الإلكترونيين من أوكرانيا الذين حصلوا على معطياتكم الشخصية وبالخصوص جوازات سفركم؟
ج: نعم أنا على علم بذلك، هنا الكل يعلم أنه تم تداول هذه المعلومات ولكنهم يقولون الحقيقة.
بعد هذه المحادثة، لم يرد جوان على رسائل فريق التحرير
“قررت الرحيل إلى روسيا لأنه هناك فرصة”
“لويس” (اسم مستعار) هو أحد الرجال الذين تم نشر نسخة من جوازات سفرهم وأكد لفريق التحرير أن خرج من كوبا للتوجه إلى مدينة تولا حيث يقول:
في كوبا، عملت في مجال الإعلام، أنا قررت مغادرة البلد بإرادتي لأن الوضع الاقتصادي هناك أصبح سيئا. عملت منذ أن كان عمري 16 سنة وكان من الممكن كسب قوتي. ولكن بعد جائحة فيروس كورونا، حدث تغيير مالي ما أدى إلى تدهور الوضع. [فريق التحرير: في كانون الثاني/يناير 2021، أقرت حكومة كوبا إصلاحا ماليا لوضع حد لوجود عملتين] ومنذ ذلك الحين، لم تعد الرواتب تكفي لسد الرمق أو حتى لشراء الغذاء. لم يعد هناك مستقبل في كوبا. ولهذا السبب، قرر عدد كبير من الكوبيين الهجرة إلى خارج البلاد. أنا قررت المغادرة حتى أتمكن من مساعدة عائلتي.
قررت الذهاب إلى روسيا لأنه كانت هناك فرصة وأردت أن أستغلها، كان يمكن الذهاب إلى أي مكان آخر في العالم. غادرت كوبا في شهر تموز/يوليو الماضي [فريق التحرير: خير فريق التحرير عدم نشر التاريخ الدقيق لسفره من كوبا حفاظا على سرية هويته]. ركبت رحلة مباشرة في اتجاه موسكو. عندما وصلت إلى العاصمة الروسي، امتطيت حافلة مباشرة باتجاه مدينة تولا.
سأل فريق تحرير مراقبون فرانس24 “لويس” ما إذا كان موجودا في تولا لمساعدة الروس في إطار النزاع المستمر في أوكرانيا. لكنه رد قائلا: من المفترض أنكم تعلمون ذلك بما أنكم صحافيون، لا يمكن لنا الحديث بشأن ما نقوم به هنا.
نشر نماذج من عقود تجنيد
نشر القراصنة الرقميون أيضا ما يؤكدون أنه عقود تجنيد باللغة الإسبانية مع القوات المسلحة الروسية التي تتمركز أنشطتها في مدينة تولا التي تقع جنوب موسكو.
وحسب هذا العقد، والذي ليس إلا مجرد نسخة تمت كتابتها بلسان القلم فإنه يتم “دفع مرة واحدة لمبلغ قدره 194 روبل روسي” أي ما يعادل نحو 1900 يورو والذي يصرف للكوبيين الذين يمضون عقدا للعمل في “منطقة عملية عسكرية خاصة في منطقة تولا”. ويستخدم الجيش الروسي مصطلح “عملية عسكرية خاصة” لوصف الحرب في أوكرانيا منذ بداية غزو جيشها لأوكرانيا في شهر شباط/ فبراير 2022.
يؤكد القراصنة الإلكترونيون أيضا أن هذه العقود تنص أيضا على راتب شهري قدره 204 روبل روسي (نحو ألفي يورو). وتعتبر هذه الرواتب أكبر بكثير من معدل الأجر الشهري في كوبا والذي لا يتعدى 34 يورو.
ولم يتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من التحقق من هذه العقود من مصدر مستقل.
من خلال التمعن في الصور التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن لنا أن نلاحظ أن هؤلاء المواطنين الكوبيين ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة. على سبيل المثال، نشر أحدهم صورة لعائلته أمام كوخ بسقف حديدي.
توثيق رحلات السفر عبر وسائل التواصل الاجتماعي
تم إصدار أكثر من نصف جوازات السفر التي استخدمها الكوبيون الذين جندهم الروس في سنة 2023، وعدد كبير منها صدر في شهري حزيرن/يونيو وتموز/يوليو الماضيين.
إضافة إلى نسخ من جوازات سفرهم، أرسل ما لا يقل عن 24 كوبيا إلى المسؤول عن التجنيد صورا توثق وجودهم على الأراضي الروسية. وتظهر هذه الصور أنهم وصلوا إلى موسكو بين شهر تموز/يوليو وآب/أغسطس 2023 عبر مطار شيرميتيفو في موسكو، بعد أن مروا عبر بيلاروسيا. ويمكن أن نتأكد من أن أحدهم وصل في يوم 20 تموز/يوليو فيما وصل ستة آخرون إلى روسيا في مطلع آب/أغسطس الماضي ووصل عشرة آخرون في 10 آب/أغسطس ووصل تسعة أيضا في 12 آب/أغسطس واثنان آخران في 17 آب/أغسطس 2023.
كما نشر القراصنة الرقميون أيضا صورا ملتقطة من شاشة وسائل تواصل اجتماعي لمرتزقة كوبيين يمكن تتبع رحلاتهم.
ودخل أحد هؤلاء إلى روسيا في 18 تموز/يوليو الماضي ونشر صورة له في اليوم الموالي أمام شارع يقع فيه مركز التجنيد في تولا، والتي يظهر فيها العنوان في خلفية الصورة.
كما نشر مواطن كوبي آخر صورة له في 26 آب/أغسطس الماضي أمام حصن تاريخي في مدينة تولا ومن ثم في مركز تجاري في نفس المدينة.
نشر كوبي آخر أيضا صورة له في يوم 2 أيلول/سبتمبر الجاري أمام بناية معروفة في نفس المدينة.
نشر كوبي رابع صورا عبر خاصية ستوري على تطبيق إنستاغرام (حفظة في أرشيف موقع إنفو نابالم InfoNapalm وهو موقع موال لأوكرانيا يهدف إلى تقديم معلومات حول الحرب بين روسيا وأوكرانيا) إضافة إلى مقطع فيديو يوثق وصوله إلى مدينة تولات ونرى من خلال الصور معالم تاريخية في المدينة.
ولم يتوان كثير منهم عن إعلان انتقالهم للعيش في روسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيما يجيب آخرون على تعليقات من أفراد عائلاتهم أو معارفهم على وسائل التواصل الاجتماعي أكدوا فيها أنهم موجودون في روسيا.
في رسالة للتهنئة بعيد ميلاده، كتبت سيدة تقدم نفسها على أنها عمة أحد المرتزقة الكوبيين أنه موجود في روسيا وأوضحت أن موجود في الوقت الحاضر هناك ”للمشاركة في الحرب”.
لا يتردد عدد من المرتزقة الكوبيين في الظهور بأزياء عسكرية روسية على غرار هذه الصور الموجودة أدناه ونشرت في 7 آب/أغسطس الماضي.
تسهيل الحصول على الجنسية الروسية لكل من يتجند مع الجيش
وفي أيار/مايو من هذا العام، نشرت وسيلة الإعلام الروسية المقربة من الحكومة تي كي أر أنفو TKR-info تقريرا مصورا بخصوص كوبيين يعيشون في روسيا أصلا. وقد تجند كثير منهم لصالح المجهود الحربي الروسي بعد أن أصدر الرئيس فلاديمير بوتين أمرا بتسهيل الحصول على الجنسية الروسية للمواطنين الأجانب الذين يلتحقون بالجيش.
وفي مقال نشر في 5 أيلول/سبتمبر الجاري على موقع صحيفة موسكو تايمز، وهي وسيلة إعلام روسية مستقلة، أقرت امرأة روسية بأنها استخدمت مجموعة على فيس بوك لتجنيد كوبيين موجودين في روسيا حتى ينضموا للجيش. وصرح ضابط روسي رفيع المستوى بأنه فوجئ بعدد المقاتلين الأجانب الذين تم تجنيدهم من دول عدة للقتال في أوكرانيا، إذ قال “يوجد كوبيون وصرب… يعمل كلهم بمقتضى عقد مع وزارة الدفاع”.
وبالرغم من تواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 معها، لم ترد وزارة الدفاع الروسية عن استفساراتنا.
في كوبا.. تفكيك شبكة تجنيد مرتزقة
ولم تتم تغطية عملية القرصنة لهوية هؤلاء المرتزقة في وسائل الإعلام الروسي، لكن وسائل إعلام كوبية أطنبت في الحديث عن الملف.
قبل عملية القرصنة الرقمية، في 4 أيلول/سبتمبر الجاري، أعلنت سلطات كوبا إيقاف 17 شخصا على صلة بشبكة غير قانونية لتجيند مرتزقة في “عمليات عسكرية في أوكرانيا”. وقالت وزارتا الداخلية والشؤون الخارجية إنهما تريدان “تحييد وتفكيك شبكة اتجار بالبشر تعمل من داخل روسيا لضم مواطنين كوبيين يعيشون هناك وحتى آخرين موجودين داخل البلاد، إلى القوات العسكرية المشاركة في العمليات الحربية في أوكرانيا”.
ولم يتم تحديد أي رابط بين هذه الشبكة وشبكة التجنيج في مدينة تولا الروسية.
وعلى الرغم من علاقاتها الجيدة مع موسكو، تنفي هافانا بشكل رسمي أي علاقة لها بالحرب في أوكرانيا.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.