موفدة فرانس24 إلى تل أبيب – اختطف أكثر من 155 شخصا من طرف حركتي حماس و”الجهاد الإسلامي” خلال هجوم للحركتين المصنفتين “إرهابيتين” حسب الاتحاد الأوروبي وواشنطن، انطلاقا من غزة على إسرائيل. بالنسبة لعائلات المخطوفين الانتظار هو تعذيب. أوريان أدار و كيريم شيم يتأرجحان بين اليأس والأمل. ريبورتاج من إسرائيل:
نشرت في:
9 دقائق
عينان غائرتان وتقاسيم وجه بارزة. أوريان أدار لا تنام بالمرة. تنتظر منذ أسبوع بفارغ الصبر أخبارا عن جدتها. يافا، 85 عاما، اختطفتها حماس من كيبوتس نير أوز غير بعيد عن غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. “كنا سنذهب لزيارتها في ذلك اليوم. كانت تحب هذه الزيارات”، تحكي أوريان، “طفلاي هما سعادتها في الحياة. كان بإمكانها أن تقوم بأي شيء من أجلهما”.
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استيقظت أوريان وأسرتها باكرا جدا. كانت الأخبار سيئة. وتأكدت أن “الوضع خطير جدا” في جنوب البلاد، وعليها أن تؤجل لقاءها بالجدة. على مجموعة الواتساب العائلية تنتشر النكات حول كمية الطعام الهائلة التي “ستأكلها لوحدها” يافا. وقبل الساعة التاسعة صباحا بقليل، يتغير كل شيء. في رسالة من جدتها: “قالت لنا إن هناك إرهابيون في الكيبوتس وتدور معارك في الشارع. أول شيء قلته: ’جدتي كوني حذرة‘” لكنها لم تجب أبدا.
في حديقة شقيقتها أدفا، كانت أوريان جالسة وهي تذرف الدموع في وقت كانت فيه الحوامات العسكرية في حركة مستمرة في سماء المنطقة. “كنا قلقين لكننا لم نستوعب ما كان يحدث. عندما وصل الجيش أخيرا، وجد المنزل مقلوبا رأسا على عقب. ولم تكن هي فيه”. الخبر جاء بعد ذلك. “خالتي التي نجحت في الفرار من الإرهابيين برفقة ابنتها بعد أن عاشت الجحيم، هاتفت أبي لتخبره أن الجدة قد فقُدت”. بالنسبة للعائلة، ليس هناك شك في أن يافا قد توفيت. “احترت في إيجاد طريقة لإبلاغ الخبر لطفلي، البالغين 2 و5 سنوات من العمر. وانهرت كليا عندما حاول زوجي رفع معنوياتي فقام بعرض فيديو أمامي يظهر: جدتي جالسة في عربة غولف، يتم عرضها في شوارع غزة. كانت فعلا حية، لكنها كانت تعيش أسوأ شيء يمكن لإنسان أن يمر به. لقد كانت بين يدي حماس”. لتقطع هذه الشابة، 34 عاما، سردها للأحداث تحت ضغط مشاعر الحزن.
“لا أريد أن تموت جدتي في الأسر”
مشاهد هذه السيدة ذات الشعر القصير الذي غزاه البياض انتشرت عبر العالم. ملفوفة في بطانية وردية، وبتقاسيم وجه ظلت كما هي. على الرغم من صرخات الحشود، وعنف هذه المشاهد. لم تظهر أي إحساس بالخوف. “لم أشاهد الفيديو بأكلمه. لا تمكنني مشاهدة الحقيقة مباشرة. فررت، وذهبت لأنام. في اليوم التالي استفسرني الناس إن كانت مصابة بمرض الزهايمر، وهل كانت تفهم الذي كان يحصل. شعرت كأني شُتمت بهذا النوع من الأسئلة. كيف يتجرؤون على ذلك؟” لم “تفهم” ما حصل إلا بعد ذلك. “على الرغم من الخطر الذي حولها، ظل وجهها هادئا. وبدت واثقة من نفسها. إنها جدتي. لقد أسست هذا البلد. ولم تمنح أيا كان فرصة إهانتها. إنها الواجهة. أما في داخلها، امرأة في عامها الـ85، وحيدة وقلقة. كانت مذعورة ولو أن الناس يجدون صعوبة في فهم ذلك”.
منذ الإعلان عن اختطافها، تتعلق أوريان وعائلتها بأمل إطلاق سراحها في تبادل للسجناء، لأنه بالنسبة للإسرائيليين “أية حياة هي مقدسة”. في 2011، بعد أربع سنوات كرهينة في أنفاق حماس بغزة، الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط يُحرر مقابل إفراج إسرائيل عن 1000 أسير فلسطيني. “إن أنهت امرأة في الـ85 عاما حياتها وهي تعاني في الأسر، فلأننا لم نقم بما يكفي. العالم كله يتابعنا. يجب الإتيان بهم على قيد الحياة. الإتيان بهم الآن”.
وتعلق أوريان أملها على الضغط الدولي على حماس. وإذا كانت تكثر من المقابلات الصحافية، فلأنه سباق ضد الساعة. “جدتي ليس لديها الوقت للانتظار. يجب أن تعود اليوم وإلا سنستعيد جثة. ينكسر قلبي عندما أفكر أنه بالإمكان أن تموت ولو أنني في بعض الأحيان، عندما أفكر في المعاناة التي تعيشها، أتمنى ألا تكون هنا اليوم”. تستجمع أوريان قواها لتعي أنه ليس لها الحق في أن تقول ذلك. تريد أن تحافظ على الأمل بداخلها. “إذا ضغط العالم برمته على حماس، سيعود المختطفون. لا نعرف عددهم بالتحديد. لا أريد أن تموت جدتي في الأسر”.
“يطلقون علينا النار”
من بين 155 رهينة إسرائيلية بين يدي حماس حسب أرقام رسمية أعلنها الجيش الإسرائيلي الأحد 15 أكتوبر/ تشرين الأول، توجد ميا، 21 عاما. الشابة الإسرائيلية الفرنسية، صاحبة العينين الزرقاوين، كانت يوم الهجوم في المهرجان الموسيقي “تريب أوف نوفا” الذي استهدفته حماس. والدتها كيريم شيم تحكي كيف حاولت أن تتصل هاتفيا بابنتها لساعات. “أعرف فقط أنها بعثت رسالة إلى صديق كان بمعيتها لتقول له ’إنهم يطلقون علينا الرصاص. من فضلك تعال لإنقاذنا‘..”، تحكي هذه الأم وهي تعرض صورتين لابنتها. يحتمل أن تكون ميا وأصدقائها قد فروا عبر سيارة عندما بدأت القذائف الأولى تسقط على موقع المهرجان. الإرهابيون قد يكونون استهدفوا عجلات السيارة لإرغامهم على النزول منها وطاردوهم بعد ذلك. “كانت مصابة عندما بعثت رسالتها الأخيرة. البعض يقول في الكتف، والبعض الآخر يقول في الرجل”.
ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف عن البحث عن ابنتها. “كل المعلومات التي بحوزتنا، جمعناها بفضل أصدقائنا في الجيش، المستشفيات، الإعلام. لم يكلمنا أي أحد -تقصد السلطات-، أمس علمت أن ابنتي اختطفت. لا أعلم إن كانت لا تزال على قيد الحياة اليوم”.
وتضيف كيرين أن سيارات المشاركين في المهرجان أحرقت من طرف حماس، ولم يكن ممكنا التعرف على هويات الجثث. “إنها حرب نفسية. يقومون بأي شيء لكي يلقوا بالأمهات، الأخوات، وكل الآباء مثلي في قاع الانهيار. أمس، كنت جد سعيدة عندما علمت أنها اختطفت. كان أمرا مثيرا للشفقة، كنت سعيدة بأن تكون صغيرتي بين يدي أسوأ الأعداء في العالم. ربي يعلم ما الذي تتحمله. لا يمكن لي أن أتصور ما الذي يفعلونه بها… بصغيرتي”. لتنهار كيرين.
في حديقة جميلة لشقيقتها، التي تحول منزلها لخلية أزمة، ضجيج مصم للآذان ينبعث من الطائرات التي تقلع من مطار بن غوريون، والذي يمنح فترة استراحة لسرد القصة المروعة لهذه الأم المنهكة بشكل جلي.
“صغيرتي فرنسية أيضا”
لكن بريق أملها اسمه إيمانويل ماكرون. “أود أن يكلمنا كما فعل الرئيس بايدن مع العائلات الأمريكية عبر تطبيق زوم. لدي الثقة فيه. صغيرتي فرنسية أيضا”، تشدد والدة ميا التي دخلت للتو بعد لقاء مع رئيسة الدبلوماسية الفرنسية كاترين كولونا الموجودة في تل أبيب للقاء عائلات المخطوفين الفرنسيين الإسرائيليين. “الفرنسيون قاموا بالشيء الكثير من أجل حقوق الإنسان، أنتظر حقيقة أن يقوموا بكل ما يمكن لهم لأجل إنقاذ صغيرتي. أعرف أن الأمريكيين يعملون ليل نهار لأجل إخراج الرهائن من غزة، وأعتقد أن الفرنسيين يجب أن يقوموا بنفس الشيء. فرنسا لها علاقات طيبة جدا في الشرق الأوسط”.
وتتحدث هذه الأم العازبة، التي لديها أربعة أطفال، عن ابنتها مايا، فتقول إنها “كأم صغيرة” في علاقتها مع أشقائها وشقيقاتها، وإنها كانت تتعلم مهنة الوشم. كانت تطبخ، ترسم، وتملك موهبة إبداعية دون حدود.
“حساسة جدا. هي ناضجة في تفكيرها مقارنة مع عمرها. إنها محاربة. أعرف أنها بجانب أشخاص آخرين في غزة وأنا متأكدة أنها تعتني بهم. أعلم أن ابنتي ناجية حقيقية وأتوسل إلى العالم أن يأتي لي بصغيرتي. إنها صديقتي المفضلة. الكل في حاجة لها. خذوني أنا لكن أتوسل إليكم، أعيدوا لي صغيرتي وهي حية”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.