نشرت في:
في الـ 15 من أبريل/نيسان 2023، انخرط كلٌ من الجيش السوداني وميليشيات قوات الدعم السريع في اشتباك مسلح في العاصمة السودانية الخرطوم. بعد مرور ستة أشهر، حصيلة الضحايا لهذه الحرب الأهلية صادمة: 5000 قتيل، و5 ملايين من اللاجئين والنازحين. المدنيون هم أول من يدفع الثمن الباهظ للصراع الدائر على السلطة بين الجنرال البرهان ومنافسه “حميدتي”. اغتصاب، تعذيب، عنف مبني على التمييز العرقي، مصادرة أملاك: ينشر فريق مراقبون شهادات ثلاثة من مراقبينا في تحقيق بصري يتحدثون فيه عن سقوط بلادهم ضحية للرعب.
بدأ الصراع الدائر في السودان في العاصمة الخرطوم والمدينتين المجاورتين لها، أم درمان وبحري، حيثُ شهدت الأيام الأولى اشتباكاً مسلحاً بين الطرفين المتنازعين ووُثقت أولى انتهاكاتهما.
في غياب امتلاكها لقواعد عسكرية، تحتك قوات الدعم السريع بشكل مباشر مع السكان من خلال تواجدها في الشوارع. عشرات مقاطع الفيديو تثبت انتهاكاتهم: المدنيون معرضون للاعتقال التعسفي والإهانة بالإضافة إلى اتهامهم، دون دليل، بالتعاون مع الجيش النظامي…
“لقد اتهموني بالانتماء إلى الجيش والإسلاميين وأجهزة المخابرات”.
تتجلى سياسة الإرهاب هذه في عمليات الاستيلاء على الممتلكات: لم يتردد عناصر قوات الدعم السريع بتصوير أنفسهم وهم يقومون بطرد المدنيين من منازلهم ونهب ممتلكاتهم أو الاستقرار فيها. اضطر العديد من السكان إلى الفرار. مراقبنا محمد جمال (اسم مستعار) تمكن من التخلص من مهاجميه..
ينهبون الممتلكات الثمينة وما خف وزنه وزادت قيمته. طرقوا الباب وفتحت لهم. وبعد ذلك مضت ست ساعات طويلة تعرضت خلالها للضرب و الاتهامات والإهانات.
طلبوا مني مفاتيح السيارة وأن أحضر لهم المقتنيات الثمينة. واتهموني تارة بأنني أنتمي للجيش والنظام البائد وتارة للإستخبارات العسكرية وهكذا. لم ينجحوا في دفعي إلى أن أفقد برودة أعصابي. يقيت هادئاً وعرفت كيف أتكلم إليهم ونجوت.
“مليشيات الجنجويد تقتحم مدينة الجنينة بشكل كامل”
وسرعان ما امتد الصراع إلى دارفور، المنطقة المتاخمة لتشاد والتي دمرتها عقودٌ زمنية من العنف بين المجموعات العرقية الأفريقية والسكان العرب. شهدت المنطقة اشتباكات بين ميليشيات أفريقية، مكونة بشكل أساسي من رجال جماعة المساليت العرقية، وميليشيات الدعم السريع. الدعم السريع كانت تُعرف باسم “الجنجويد”، وهم رجال عرب مسلحون متهمون منذ عام 2003 بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور. بعد مرور عشرين عاماً على هذه الجرائم، أصبح البعد العرقي للفظائع التي يرتكبونها اليوم أمراً لا شك فيه.
وفي 14 يونيو/حزيران، اغتيل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر في مدينة الجنينة، عاصمة الإقليم. أبكر هو من جماعة المساليت ومراقبنا إبراهيم كان يعيش في المدينة عندما تم اغتياله.
مقتل الوالي خميس عبدالله أبكر كانت فاجعة كبيرة. إنه أول مسؤول سياسي يُقتل منذ بداية المعارك في السودان. ما حدث هو اعتراف ضمني من قبل ميليشيات الدعم السريع بتنفيذها عملية تطهير عرقي للقبائل الأفريقية في ولاية غرب دارفور.
كانت الفظائع بشعة جدا بالتحديد بين 15 و 17 حزيران/يونيو. اجتاحت ميليشيات الجنجويد مدينة الجنينة كاملة وأخذ عناصرها يقتلون المدنيين في الشوارع. آلاف الناس لما كانوا في طريقهم من الجنينة إلى أدري تم اغتيالهم بشكل جماعي.
في دارفور، كما هو الحال في الخرطوم، يتميز هذا الصراع باللجوء المفرط للاغتصاب الذي بات يُستخدم كسلاح حرب من قبل طرفي النزاع : جنود الجيش النظامي وعناصر ميليشيات الدعم السريع.
رغم صعوبة توثيق حوادث الاغتصاب في مناطق الحرب، أظهرت مقاطع مصورة صورها وشاركها شهود عيان حالات اغتصاب واضحة.
إحدى هذه المقاطع الصادمة والتي صورها أحد سكان المباني المجاورة في الخرطوم بحري في يونيو/حزيران، توثق حالة اغتصاب في الشارع العام. الفيديو الثاني، لا يطاق على الإطلاق، يثبت أيضًا حقيقة هذه الممارسة. وتعد هذه الدلائل المرئية غاية في الأهمية، لأن العديد من النساء خائفات من الإدلاء بشهاداتهن، بينما لا تستطيع أخريات القيام لأسباب متعلقة بانهيار المؤسسات الصحية في دارفور على وجه الخصوص.
رسمياً، تم توثيق نحو مئة حالة اغتصاب. لكن هذه الأعداد لا تمثل سوى جزء صغير من حقيقة هذه الممارسة. تقول نهلة خزرجي من منظمة “مستقبل” المتخصصة في توثيق حالات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في غرب وجنوب دارفور.
لقد تحدثت شخصيًا مع حوالي مئة ضحية لهذه الممارسة عبر الهاتف، لكن رسميًا وافقت 24 امرأة فقط على إبلاغ وحدة حماية المرأة والطفل بما تعرضت له. وفي حي واحد فقط في نيالا، سُجلت 12 حالة اغتصاب.
يتصل معظمنا بشكل مجهول فقط للحصول على علاج أو اختبار طارئ، ولكن لا يريدون نشر ذلك على الملأ. فنقوم بجمع الشهادات ونحصل على العلاجات من وحدة الحماية، ثم نسلمها للضحايا.
وبالإضافة إلى الاغتصاب، فإنهن يعانين من الضغط الاجتماعي والعار لكونهن ضحية للاغتصاب. من الصعب جدًا إقناع الناجين بالثقة، ونحن نفضل التبادلات الخاصة حتى نتمكن من تزويدهم بالحد الأدنى من الرعاية الطبية.
يشكر فريق التحرير مراقبينا محمد جمال وإبراهيم شامو ونهلة خزرجي على وجه الخصوص، وكذلك العشرات من الرجال والنساء السودانيين الذين ساعدونا في توثيق الأحداث كتحديد أماكنها وتسليط الضوء على جوانبها المتعددة لتزويد العامة بسياق هو الأقرب لمجريات ووقائع هذه الحرب الأهلية.
شكرًا لمبارك ومصطفى وياسر وسليمة وموسى وسلافة وعشرات الآخرين الذين لبوا النداء من السودان وفرنسا وكندا والمملكة العربية السعودية ونيوزيلندا. بدونهم، لم يكن هذا التحقيق ليرى النور.
بعد ستة أشهر من الصراع الذي تبدو عليه جميع ملامح الاستدامة، يحمل الجميع نفس الرسالة: لا تنسوا السودان. في وقت تركزُّ فيه أعين العالم على صراعات مناطق أخرى، تواصل الصورة القاسية للحرب الأهلية السودانية بالانتشار، يؤمن الكثيرون ممن لم يتمكنوا من الفرار بأهمية توثيق انتهاكات هذا الصراع بهدف إيصال المسؤولين عن الفظائع للعدالة.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.