في غياب الإجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد، قرر الاتحاد الأوروبي الخميس تجديد الموافقة على استخدام مبيد الأعشاب الضار الغليفوسات لمدة عشر سنوات. لا يزال مبيد الأعشاب الغليفوسات، الذي تصنعه شركة مونسانتو تحت اسم راوندآب (Roundup)، والمستخدم على نطاق واسع يثير الكثير من الجدل وبخاصة بشأن عواقبه على صحة الإنسان. مع سؤال معلق: هل من الممكن الاستغناء عنه؟
نشرت في:
10 دقائق
إنه أشهر مبيدات الأعشاب على الإطلاق، والأكثر انتشارا واستخداما، ولكنه أيضا الأكثر إثارة للجدل. ومع ذلك، قرر الاتحاد الأوروبي الخميس 16 نوفمبر/تشرين الثاني، تجديد تفويض استخدام الغليفوسات لمدة عشر سنوات أخرى. وهي قضية شائكة بشكل خاص عندما يدق العديد من المزارعين أجراس “عدم القدرة على الاستغناء عنه”. لكن عواقب استخدامه، ولا سيما الصحية منها، لا تزال موضع نقاش وجدل محتدمين.
“فعَّال وغير مُكْلِف وسهل الاستخدام”
“الغليفوسات مبيد أعشاب فريد من نوعه وفعال بصورة لا تقارن. يوضح كزافييه ريبو، مدير الأبحاث في المعهد الوطني لبحوث الزراعة والأغذية والبيئة (إنراي)، وصاحب العديد من التقارير حول مبيدات الآفات، بالقول: “إنه الوحيد الممكن استخدامه على جميع النباتات الضارة، حتى أكثرها عنادا”. “فهو سهل الاستخدام أيضا ويكفي نثره على أية قطعة أرض للتخلص من الأعشاب الضارة، وفي اليوم التالي يمكننا غرس نباتات جديدة هناك”. وهناك ميزة أخرى له ألا وهي تكلفته. “دخلت براءة اختراعه إلى الاستخدام في المجال عام 2000، مما جعله رخيصا جدا”.
لا عجب، فنظرا لامتلاكه كل هذه الخصائص، فرض الغليفوسات نفسه تدريجيا كمنتج لا غنى عنه في الزراعة بنحو 800 ألف طن تنتشر في جميع أنحاء العالم كل عام. ووفقا لدراسة كبيرة أجريت في 25 دولة أوروبية، فقد تم استخدامه على ثلث مناطق زراعة القمح ونصف مناطق زراعة الكانولا بين عامي 2011 و2017. وفرنسا هي واحدة من المشترين الرئيسيين لهذا المبيد؛ فوفقا لأرقام وزارة التحول البيئي: استهلكت البلاد 7900 طن من الغليفوسات في عام 2021.
غياب الإجماع العلمي
ورغم كل تلك الميزات، فهناك الكثير من منتقدي الغليفوسات أيضا. وفقا لاستطلاع أجرته شركة إبسوس مؤخرا، يقول 70 بالمئة من سكان فرنسا إنهم يريدون التخلص منه. ففي الواقع ترتبط صورة الغليفوسات بالتاريخ المليء بالفضائح للمجموعة الأمريكية مونسانتو – ففضيحة “مونسانتو بيبرز” (ملفات مونسانتو) تكشف على وجه الخصوص في عام 2017 عن “نظام للتلاعب بالبيانات العلمية، وإخفاء المعلومات عن السلطات، وعمليات الدعاية وحتى تهديد وتخويف العلماء – وأيضا قبل كل شيء عدم اليقين بشأن خطورة هذه المادة.
هذا السؤال الأخير كشف عن بذور الانقسام بين الوكالات التنظيمية والعلمية لما يقرب من عقد من الزمان. الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية تعتبر الغليفوسات مادة مسرطنة محتملة منذ عام 2015. وخلافا لتلك الهيئة، فإن وكالات الصحة الأوروبية – الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (إفسا) والوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (إيكا) – تعتقد أن مبيد الأعشاب الضارة هذا ليس مسرطنا ولا يقبل الطفرات الجينية.
كيف نفسر هذا التضارب بشأن الإجماع العلمي؟ يجيب كزافييه كومول، أستاذ علم السموم بجامعة مدينة باريس والمؤلف المشارك لدراسة إنسيرم الكبيرة في عام 2021 بعنوان “المبيدات والصحة”، بالقول: “هذا يرجع أساسا إلى اختلاف المنهجية بين المؤسسات”. “إنه مثل وضع شخص عاشق للحلويات مع أخصائي تغذية أمام كوين أمان [كعكة زبدة من إقليم بريتاني الفرنسي – أسرة التحرير]. فالأول سيقول إنها لذيذة الطعم، بينما سيقول الآخر إنها كثيرة الدهون وغنية بالسكر. فهذه الهيئات تقوم بتحليل نفس الحلوى، ولكن بقراءة مختلفة”.
أخصائي التغذية في هذا المثال يسلط الضوء على اختلافين ملحوظين. “بالفعل، تقوم إفسا وإيكا بتقييم جزيء الغليفوسات فقط وليس المنتجات التي تستخدمه”. “بعد ذلك، تعتمدان بشكل أساسي على دراسات الشركات المصنعة، وتستبعدان عددا آخر من الدراسات العلمية، مهما كانت درجة موثوقيتها”.
فهاتان الوكالتان وضعتا جانبا دراسات “إنسيرم”، التي تهدف إلى تقييم المعرفة حول مبيدات الآفات من خلال قراءة جميع المؤلفات العلمية الدولية المنشورة منذ عام 2013. يقول كزافييه كومول مشددا إن “الفريق العلمي لهذه الدراسات، المكون من علماء الأوبئة وعلماء السموم وخبراء العلوم الاجتماعية، قام بدراسة آلاف الوثائق بنهج علمي وبدون قيود”.
الصلة بين الغليفوسات والسرطان
بالانضمام إلى مخاوف منظمة الصحة العالمية، سلط فريق إنسيرم الضوء على افتراض “ضعيف” بوجود صلة بين الغليفوسات والورم النخاعي المتعدد (سرطان نخاع العظم) أو اللوكيميا (سرطان الدم) أو اضطرابات الجهاز التنفسي. “لكنه خصوصا خلص إلى افتراض متوسط بوجود صلة بين الغليفوسات وسرطان الغدد الليمفاوية، مما يرفع مستوى الشك مقارنة بالدراسة الأولى التي أجريت في عام 2013″، يتابع كزافييه كومول.
اقرأ أيضافضيحة البيض الملوث تطال 9 دول أوروبية ومداهمات في بلجيكا وهولندا في إطار التحقيقات
بالإضافة إلى خطر الإصابة بالسرطان، يحذر عالم السموم أيضا من مصادر أخرى تبعث على القلق من هذا المنتج. “تعرض النساء الحوامل للغليفوسات يمكن أن يؤدي إلى تشوهات خلقية للأجنة. كما أننا نتساءل أيضا عن آثاره على الميكروبات أو على أنظمتنا الهرمونية”، يتابع كومول. “لكننا ما زلنا نفتقر إلى دراسات بشأن هذه الأسئلة، التي تستحق التعمق فيها وأخذها في الاعتبار أكثر في المناقشات الجارية”.
وكدليل على ذلك، يوم الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول، اعترف الصندوق الفرنسي لتعويض ضحايا المبيدات، للمرة الأولى، بوجود صلة محتملة بين الغليفوسات والتشوهات السابقة للولادة. ففي عام 2006، استخدمت سابين غراتالوب منتجا شبيها بمنتجات مونسانتو عدة أيام متوالية للتخلص من الأعشاب الضارة في أراضي مركز لركوب الخيل. وكانت حاملا في شهرها الأول – بدون أن تدري – أي في الوقت الذي يتشكل فيه المريء والقصبة الهوائية لدى الجنين. وولد ابنها ثيو بتشوهات خطيرة في هذين العضوين تحديدا. في عام 2018، قاضت سابين وزوجها شركة مونسانتو، التي اشترتها باير الألمانية.
“الحلول موجودة ونحن نتقنها جيدا”
في مواجهة هذه الشكوك، يطرح سؤال آخر: هل هناك بديل للغليفوسات يمكن تصوره؟ يجيب كزافييه ريبو، الذي نسق دراسة حول هذا الموضوع في فرنسا: “إذا كنا نعني بالبديل، مادة كيميائية أخرى لها نفس خصائص الغليفوسات، فلا يوجد شيء مثل هذا في الوقت الحالي”. “ومن حقنا أيضا القول والتصور أنه لو وجد منتج مشابه فسيكون له نفس العيوب وسيسبب الأضرار نفسها”.
“ومع ذلك فإن الحلول موجودة ونحن نتقن التعامل معها جيدا” ولكنها غالبا ما تحتاج إلى استثمار المزيد من المال والمزيد من الوقت والمزيد من الموظفين”. يتابع ريبو.
أحد المزارعين لمزرعة تبلغ مساحتها 90 هكتارا في نورماندي يدعى جان برنار لوزير يقوم بتطبيق هذه الحلول منذ عدة سنوات. فهو لا يستخدم أي مواد كيميائية للتخلص من الأعشاب الضارة بل أدوات ميكانيكية. وفي موازاة ذلك، يستخدم حيلا مختلفة لتجنب نمو الأعشاب الضارة. “الأمر الرئيسي في مقاربتي هو تنويع محاصيلي: فأنا أزرع الكانولا والقمح والشعير وعباد الشمس والبقوليات. وهو ما يجعل من الممكن كسر دورات حياة الأعشاب والأمراض التي تصيب النباتات”. “وأستخدم أيضا أغطية نباتية لحماية التربة”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المزارع العضو في اتحاد الفلاحين -نقابة تدعو إلى العودة إلى الزراعة المستدامة- يعترف بوجود نقطة “ضعف”. “أستخدم القليل من الغليفوسات في زراعة حقول الكتان المخصص للنسيج. فعقدي يتطلب حدا أدنى من الغلة وبعد عامين اتسما بالصعوبة، لم أرد المخاطرة بتحمل الخسائر التي كانت ستنجم عن إزالة الأعشاب يدويا”.
“لكنني أعتبر أننا يجب أن نرى الأشياء في الاتجاه المعاكس. يجب ألا نجد بدائل للغليفوسات، بل يجب النظر إلى هذه المبيدات نفسها كبديل”. “لدينا الكثير من السبل التي يمكن الاستناد عليها للحصول على حقول نظيفة بدون مواد كيميائية”.
وبدون الذهاب إلى حد الدعوة إلى فرض حظر كامل على نطاق أوروبي لهذه المبيدات، فإن هذا المزارع يدعو إلى فرض ضرائب كبيرة على مبيدات الأعشاب. “فإذا لم يعد هذا المنتج رخيصا، فإن الناس ستجبر على استخدامه باعتدال عندما يكون له فقط ما يبرر استخدامه وليس، كما هو الحال في كثير من الأحيان اليوم، بدافع السهولة”.
أسئلة بشأن تطور الممارسات الزراعية
وهو رأي يؤيده كزافييه كومول أيضا. فهو يعترف قائلا: “إن هناك حالات يكون فيها الاستغناء عن الغليفوسات أمرا صعبا للغاية”. “حيث يصعب حرث التربة بأدوات ميكانيكية –إذا كان هناك منحدر أو حصى- وأيضا لزراعة تحافظ على التربة”. فهذه الأخيرة تتطلب في الواقع عدم حرث الأرض على الإطلاق لتخزين المزيد من الكربون وبالتالي فهي غير متوافقة مع الحرث الميكانيكي للتربة.
“من ناحية أخرى، فبالنسبة لزراعة الكروم على قطع صغيرة من الأرض، أو للبستنة فإن هذا أمر يمكن تصوره تماما”، كما يعتقد الخبير. “ولكن من أجل فعل هذا، من الضروري دعم المشغلين لإدارة التكاليف الإضافية المتولدة”.
ووفقا للمزارع جان برنار لوزير والخبيرين اللذين حاورناهما، فبالإضافة إلى مسألة حظر الغليفوسات فإن النقاش الحالي يردد الأسئلة حول تطور الممارسات الزراعية. “يسمح لنا الغليفوسات اليوم بضمان عوائد بأسعار منخفضة للمواد الغذائية. ويقول كزافييه ريبو: “إن مسألة الاستغناء عن الغليفوسات تعني قبول الخروج من منطق الإنتاجية هذا”. “كما أن هناك أسئلة تطرح بشأن تغير المناخ وإدارة الموارد التي تدفعنا بالفعل إلى مراجعة طرقنا في القيام بالأشياء”.
“أخيرا، فإن الغليفوسات يشبه إلى حد ما السيارة. يختتم المتخصص تحليله بالقول “فنحن نعرف آثارها الضارة، ونعلم أنه يجب علينا الاستغناء عنها، لكن كل شيء كان منظما حولها لسنوات لدرجة أننا لا نستطيع القيام بذلك”.
النص الفرنسي: سيرييل كابو | النص العربي: حسين عمارة
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.