في صباح يوم 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قتل صحافيان يعملان لقناة الميادين اللبنانية وهما المراسلة فرح عمر والمصور الصحافي رابح معمري بعد إصابتهما بصاروخ مضاد للدبابات. ويؤكد خبير عسكري بأن الصور التي تم تداولها بشأن الضربة تؤكد أن الجيش الإسرائيلي هو منفذها. وكان هذان الصحافيان قد لقيا مصرعهما أثناء تغطيتهما للتطورات الجارية في جنوب لبنان.
حرر هذا المقال: ناتان غالو
لم تتوقف حصيلة الصحافيين القتلى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن الارتفاع. فبعد مقتل صحافي يعمل لصالح وكالة رويترز للأنباء عصام عبد الله في ضربة إسرائيلية يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في جنوب لبنان، لقى صحافيان يعملان مع قناة الميادين المحافظة المقربة من حزب الله ومدني معهم مقتلهم في هجوم صباح 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وقتل الصحافيان فرح عمر ورابح معمري جراء إطلاق صاروخ على موقعهما أثناء تغطيتهما للتصعيد المستمر في منطقة جنوب لبنان بين القوات الإسرائيلي وحزب الله اللبناني.
قتل الصحافيان قبل دقائق من قيامهما بمراسلة مباشرة
جرت الضربة التي حدثت في وقت متأخر من صباح الثلاثاء بين قربة طير حرفا وجباين وهو ما تأكد منه موقت جيو كونفيرمد GeoConfirmed وهو مجموعة متخصصة في تحديد الإحداثيات الجغرافية بالاعتماد على صور متاحة قبل حدوث الضربة وبعدها.
في حدود الساعة التاسعة صباحا وخمسين دقيقة، نشرت قناة الميادين على حسابها في منصة إكس (تويتر سابقا) آخر مراسلة مباشرة للصحافية فرح عمر في مكان الضربة. وكان تصوير المباشر التي تظهر فيه الصحافية ترتدي سترة كتب عليها “صحافة” من قبل مرافقها المصور الصحافي رابح معمري في مكان الضربة.
قبيل حلول الساعة الحادية عشرة صباحا، بدأ تداول صورتين لجثتي الصحافيين في مكان الهجوم عبر تطبيق تلغرام. وتم التعرف على جثة فرح عمر بالخصوص ملقاة على الأرض مع القميص الأبيض والأزرق المخطط الذي ظهرت به في آخر مراسلة مباشرة لها.
وبالرغم من أنه يبدو أن الصحافيين لم يكونا حاملين سترة تحمل عبارة “صحافة” خلال لحظة الهجوم، فإن آلة التصوير الموضوعة فوق مثبت تبدو واضحة من مكان بعيد في هذا الموقع المكشوف.
وتظهر صورة نشرتها القناة الإخبارية الإيرانية إس إس إن عبر صفحتها في تطبيق تلغرام جثتين تم سحبهما ونقلهما عبر سيارة إسعاف فيما كان الدخان يرتفع من آلة التصوير.
“منطقة تنشط فيها المعارك وتم فيها تبادل لإطلاق النار” وفق رواية الجيش الإسرائيلي
اتهمت قناة الميادين في شخص مديرها غسان بن جدو بشكل مباشر إسرائيل باستهداف صحافيي القناة “بشكل متعمد”.
“أقول لكم بأنكم لم تتمكنوا من إسكات صوت القناة، ويجب عليكم أن تعلموا أننا سنواصل عملنا مهما قتلتم أو حاولتهم”. هذا ما قاله غسان بن جدو في مصدح قناة الميادين مضيفا أن المدني الذي قتل مع الصحافيين كان “متعاونا” مع القناة دون تقديم إيضاحات.
أشارت عدة وكالات أنباء على غرار رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية أ ف ب بأن الصحافيين قتلا في ضربة نفذتها القوات الإسرائيلية وهو نفس الموقف الذي اتخذه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الذي ندد “بشكل حازم بالاعتداء الإسرائيلي”.
وتأتي هذه الحادثة بعد بضعة أيام من قرار الحكومة الإسرائيلية في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجابر وقف بث قناة الميادين و”منع نشاطها في البلاد” حيث تتهم الدولة العبرية القناة بأنه “لسان حال حزب الله” وبأنها تمثل “تهديدا لأمن الدولة”.
وبعد سؤال تقدم به فريق تحرير مراقبون فرانس24، أقر الجيش الإسرائيلي بأنه على اطلاع” بالاتهامات الموجهة لقواته بتنفيذ الضربة التي أودت بحياة الصحافيين. وأوضح متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن العملية التي نفذت في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر كانت “ضد تهديد قادم من منطقة إطلاق نار لمنظمة حزب الله الإرهابية في منطقة جباين”.
وأضاف الجيش الإسرائيلي في رده “يتعلق الأمر بمنطقة تجري فيها معارك وتم فيها تبادل إطلاق النار. من الخطر بما كان التواجد في هذه الموقع”. قبل أن يضيف أن الجيش بصدد التحقق من “الحادث”.
صاروخ إسرائيلي مضاد للدبابات أطلق على الصحافيين، وفق تقدير خبير عسكري
كيف يمكن التعرف على المتسبب في الهجوم؟ للوصول إلى جواب شاف، اطلع فريق تحرير على عدة تسجيلات مصور بثتها وسائل إعلام من المنطقة.
في الساعات التي تلت الهجوم، أجرى مراسل من قناة الميادين بدوره مراسلة مباشرة من نفس المكان لعرض الأضرار التي خلفتها الضربة. ونرى حفرة قطرها نحو خمسة عشر سنتيمترا ويصل عمقها لبضع سنتيمترات فيما تعرضت الشجرة الموجودة بالقرب من جثتي الصحافيين والمنزل ذو الجدار الأسود لأضرار كثيرة بسبب الشظايا.
هذه المعطيات المصورة جعلت الخبير العسكري مارك غارلاسكو إلى التوصل إلى خلاصة بأن السلاح المستخدم في الهجوم يتعلق بصاروخ مضاد للدبابات من طراز سبايك نلوس Spike NLOS الدي يستخدمه الجيش الإسرائيلي بشكل حصري في المنطقة، وفق ما كبته في تغريدة على منصة إكس في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري
وأكد هذا الخبير في منظمة باكس لحماية المدنيين Protection of Civilians، الذي قام على مدى عدة أعوام بتوثيق عمليات استخدام هذا النوع من الأسلحة، بالخصوص في تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش في سنة 2009 في قطاع غزة، بأن هذه الحفرة الظاهرة في مقطع الفيديو يصل قطرها إلى 15 سنتيمترا و”تتطابق بشكل تام” مع صاروخ من طراز سبايك.
وفي اتصال مباشر مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، يضيف غارلاسكو ما يلي “ما نراه (في هذا الصور) يتطابق بشكل قاطع مع المخلفات البصرية المتعلقة حصرا بصاروخ من طراز سبايك. لا يترك أي سلاح من التي قمت بالتحقق منها بترك هذا الأثر الذي شاهدناه”.
إضافة إلى ذلك، فإن آثار الشظايا المختلفة الظاهرة على الشجرة والجدار تتعلق بحسب نفس الخبير بالأضرار التي يخلفها نفس النوع من الصواريخ الذي ينشر عدة شظايا على شكل “معين” خلال اصطدامها بما يعترضها.
ويضيف مارك غارلاسكو أن هذا النوع من الصواريخ الذي يتميز بدقة عالية يستخدم في حالات كثيرة لاستهداف أشخاص حيث يقول: “من الواضح أن القوات الإسرائيلية أطلقت الصاروخ على المكان الذي أرادت استهدافه” مذكرا أن هامش خطأ هذا الصاروخ لا يتجاوز المتر الواحد.
من جهته، يقدر أمايل كولتارسكي مدير فريق التسلح في شركة المخابرات “جاينس” والمختصة في الصواريخ المضادة للدبابات في تصريح لفريق تحرير مراقبون فرانس24 بأن الصاروخ الذي تسببت في إحداث هذه الحفرة هو صاروخ مضاد للدبابات. لكن أبدى تحفظا أكبر بشأن طرازه عندما يقول “من الصعب التأكيد من مصدره وطرازه بدقة لأننا لم نرى مخلفات واضحة”.
في المقابل، أكد الصحافي في قناة الميادين الذي تواجد على عين المكان خلال بث مباشر بأن طائرة مسيرة هي التي أطلقت الصاروخ. وهي فرضية ممكنة في نظر الخبراء الذين تواصلنا معهم. كما أن طائرة مروحية من طراز أباتشي يمكن أن تكون وراء الهجوم وفق تقدير مارك غارلاسو باعتبار أن الجيش الإسرائيلي نشر عدة صور لهذا الطراز من المروحيات مجهزة بصواريخ من طراز “سبايك نلوص Spike NLOS”.
منطقة تتعرض لهجمات متكررة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر
منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وارتفاع التصعيد على الحدود بين لبنان وإسرائيل، نفذت القوات الإسرائيلية عدة غارات جوية على منطقة جنوب لبنان. كما تعرضت المنطقة التي قتل فيها الصحافيان إلى عدة ضربات إسرائيلية.
بدوره، يؤكد الجيش الإسرائيلي الذي ينشر باستمرار تقارير بشأن هذه الضربات التي تنفيذها تشمل مقاطع فيديو لتدمير المناطق المستهدفة تم التقاطها من السماء، بأن يستهدف في كل مرة بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله.
بالرغم من ذلك، وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استهدفت ضربتان جويتان إسرائيليتان مجموعة من سبعة صحافيين يعملون لصالح مؤسسات إعلامية دولية يمكن التعرف عليهم بسهولة من خلال خوذات وسترات كتبت عليها عبارة “صحافة”. وهو ما ذكرت به منظمة مراسلون بلا حدود في تحقيق مصور بثته في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وتسببت الصواريخ، التي تم إطلاقها من طائرة مروحية من طراز أباتشي حسب عدة شهود عيان على عين المكان، في مقتل الصحافي في وكالة رويترز للأنباء عصام عبد الله على الفور، وجرح ستة مراسلين صحافيين آخرين. وكانت مجموعة الصحافيين هذه موجودة على بعد بضعة كيلومترات فقط من المكان الذي قتل فيه صحافيا قناة الميادين.
في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعرب الجيش الإسرائيلي عن “أسفه لمقتل” عصام عبد الله وفق تصريح الليوتنانت -عقيد في الجيش الإسرائيلي ريشارد هيشت الذي أن تحقيقا فتح في الحادث.
وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أصيب صحافي مصور يعمل لقناة الجزيرة بجروح بنيران إسرائيليين أثناء تغطية للغارات الجوية في جنوب لبنان مع صحافيين آخرين.
وحسب قائمة أعدتها اللجنة من أجل حماية الصحافيين (سي بي جي Committee to Protect Journalists (CPJ) في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قتل ما لا يقل عن 53 صحافيا وعاملا في قطاع الإعلام منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وفي لبنان، أودت المناوشات الحدودية بحياة ما لا يقل عن 92 شخصا معظمهم من مقاتلي حزب الله، لكن 14 مدنيا قتلوا وفق إحصاء أعدته وكالة الأنباء الفرنسية أ ف ب. من الجانب الإسرائيلي، قتل تسعة أشخاص بينهم ستة عسكريين، وفق السلطات الإسرائيلية.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.