رمز للعنف الجنسي والذكورية المنفلتة لدى البعض، ومفخرة السينما الفرنسية لدى آخرين… فقد النجم جيرار دوبارديو الذي يحتفل الأربعاء ببلوغه 75 عاما، هالته التي احتفظ بها طويلا كأيقونة لا تُمسّ في مجال التمثيل. ورغم أن تصريحاته حول حالات اغتصاب زُعم أنه كان جزءا منها في شبابه كلفته مسيرته المهنية بالولايات المتحدة في أوائل التسعينيات، لكن لم يكن لها صدى يُذكر في فرنسا آنذاك.
نشرت في:
6 دقائق
على الرغم من اتهامه بالاغتصاب في العام 2020 إثر شكوى قدمتها الممثلة العشرينية شارلوت أرنو، زاد الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو في السنوات الأخيرة من تصوير الأفلام التي عُرف عنه اعتماده الانتقائية في اختياراته. وحافظ على مكانته كأحد الأعلام القليلة المتبقية في السينما الفرنسية.
ومن بين العمالقة الآخرين، آلان ديلون الذي يقسم الرأي العام بسبب مواقفه التي توصف بالرجعية، توقف عن تصوير الأفلام، تماما مثل بريجيت باردو التي برزت بتصريحاتها المناهضة للإسلام.
وحدها كاترين دونوف (80 عاما) بقيت تواصل نشاطها السينمائي، وهي التي شاركت العام 2018 في التوقيع على مقالة أثارت جدلا كبيرا تدافع فيه عن حرية الرجال في “معاكسة النساء”. ولم تتحدث النجمة في الأيام الأخيرة عن دوبارديو الذي شاركت معه التمثيل في حوالي عشرة أعمال مختلفة.
هذا، وباستثناء الدوائر النسوية، كان دوبارديو يتمتع حتى فترة قريبة مضت من قدر معين من التساهل. وقد اجتذب طبعه الصريح وتصريحاته الجريئة في أحيان كثيرة، تعاطف الجمهور وأوساط المهنة.
ورغم أن تصريحاته حول حالات اغتصاب زُعم أنه كان جزءا منها في شبابه كلفته مسيرته المهنية في الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات، لكن لم يكن لها صدى يُذكر في فرنسا آنذاك.
وعندما وصفته ممثلة مشهورة مثل صوفي مارسو بأنه “مفترس” في العام 2015 بسبب سلوكه في موقع التصوير، لم يكن لكلامها أي تأثير.
وإلى ذلك، تفضل أوساط الفن السابع الإشادة بالممثل الذي شارك في أكثر من 200 فيلم سينمائي وتلفزيوني، مع أدائه الغريزي وشرهه على العمل، خصوصا مع تجسيده بعضا من أهمّ أبطال الأدب الفرنسي، من سيرانو إلى جان فالجان في “البؤساء”، مرورا بأوبليكس.
لم يعد يضحك الناس…
لكن في نهاية العام 2023، لم يعد دوبارديو، الذي تبوّل في مقصورة طائرة عام 2011، يُضحك الناس. وقد أوقف حياته المهنية وبات أكثر الفنانين إثارة للجدل في فرنسا.
وتسارعت الأمور في أقل من شهر، بعد أن عرضت قناة “فرانس 2” الفرنسية العامة وثائقيا ضمن برنامج “كومبليمان دانكيت” “Complément d’enquête” الاستقصائي، تضمّن مشاهد أدلى فيها بتعليقات كثيرة مسيئة بحق نساء خلال رحلة العام 2018 إلى كوريا الجنوبية، من دون أن تسلم فتاة صغيرة من إيحاءاته الجنسية.
وقد أدى نشر هذه المقاطع إلى سلسلة من الإجراءات ضد الممثل، إذ جُرد دوبارديو من وسام كيبيك الوطني، وسُحب منه لقب المواطن الفخري في منطقة بلجيكية، كما نُزع تمثاله الشمعي من متحف الشمع في باريس… وأدارت بعض الشخصيات السينمائية ظهرها له علنا، مثل الممثلة أنوك غرينبرغ.
وفي المقابل، حشد المعسكر المؤيد لدوبارديو قواه، وفي طليعته أفراد عائلته، بمن فيهم ابنته الممثلة جولي دوبارديو التي أدانت ما اعتبرته “مؤامرة” ضد الممثل، كما دافعت شريكة حياته السابقة كارول بوكيه عن “حس فكاهي يتخطى الحدود أحيانا” لرجل قالت إنه “لا يستطيع إيذاء امرأة”.
ونددت الثلاثاء، نحو ستين شخصية ثقافية بما وصفته “إعداما بلا محاكمة”، وذلك في مقالة نشرتها صحيفة “لوفيغارو”، شارك في التوقيع عليها المخرج برتران بلييه، والممثلتان ناتالي باي وشارلوت رامبلينغ، والممثلون جاك فيبر، وبيار ريشار وجيرار دارمون، والمغنون روبرتو ألانيا وكارلا بروني وأرييل دومبال أو المغني جاك دوترون.
ورد جيرار دوبارديو الثلاثاء خلال اتصال أجرته معه إذاعة “آر تي إل” الفرنسية “أعتقد أن هذا الأمر ينمّ عن شجاعة كبيرة لدى الموقّعين”، مضيفا أنه لم يكن وراء هذا النص لكنه ببساطة سمح لمؤلفه بنشره.
“الممثل العظيم”
وقد اتخذت قضية دوبارديو بعدا آخر عندما انبرى للدفاع عن دوبارديو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خضم واحدة من أعمق الأزمات السياسية في رئاسته، المتعلقة بقانون الهجرة الذي روّج له بدعم من اليمين المتطرف.
وأدان ماكرون “الاستهداف الجماعي” بحق دوبادريو، منتقدا خطوة وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك التي أعلنت أن “إجراء تأديبيا” سيُطلق لاتخاذ قرار بشأن وسام جوقة الشرف الممنوح سابقا للممثل الفرنسي.
وأبدى الرئيس الفرنسي “إعجابا كبيرا بدوبارديو”، واصفا إياه بـ“الممثل العظيم” الذي “ساهم في الشهرة العالمية لفرنسا ومؤلفينا العظماء وشخصياتنا البارزة”، وقال إن “فرنسا فخورة به”.
هذا، ويملك الممثل المولود في شاتورو وسط فرنسا، تاريخا متضاربا مع وطنه، منذ أن أعلن نهاية العام 2012 أنه سيتخلى عن جواز سفره الفرنسي احتجاجا على فرض الضرائب على الأغنياء، واختياره بلجيكا منفى ضريبيا. كما أثار الجدل عبر تعبيره الدائم عن الإعجاب ببعض من أشهر الزعماء المستبدين في العالم، كما حصل أيضا على الجنسية الروسية.
أما على المستوى القضائي، بالإضافة إلى اتهامه بالاغتصاب، فإن دوبارديو، الذي ينفي الاتهامات، هو هدف شكوى بالاعتداء الجنسي تقدمت بها الممثلة إيلين داراس عن وقائع يُفترض أنها سقطت بالتقادم، وكذلك شكوى أخرى في إسبانيا من جانب الصحافية روث بازا التي تتهمه بأنه اغتصبها العام 1995.
ويرتكز داعمو دوبارديو في دفاعهم عنه على أهمية العمل بمبدأ قرينة البراءة. على غرار قول ماكرون “يمكن اتهام شخص ما وقد يكون هناك ضحايا، لكنّ ثمة قرينة البراءة أيضا”.
فرانس24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.