في قصتنا هذه نلخص بعضا من أبرز الأحداث التي شهدها عام 2023. نبدأ بمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بشأن تغير المناخ (COP28) الذي انعقد في دبي في كانون الأول/ ديسمبر. قبيل المؤتمر زار الأمين العام أنطونيو غوتيريش المناطق التي تشهد ذوبانا في الأنهار الجليدية في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) بهدف تسليط الضوء على آثار ظاهرة الاحتباس الحراري على الأنهار الجليدية سريعة الذوبان والمنحدرات الجليدية القارية.
وفي حديثه للصحفيين في نيويورك قبيل السفر إلى دبي لحضور المؤتمر، قال السيد غوتيريش: “نحن محاصرون في حلقة مميتة. يعكس الجليد أشعة الشمس. ومع اختفاء الجليد، يتم امتصاص المزيد من الحرارة في الغلاف الجوي للأرض. وهذا يعني المزيد من الحرارة، مما يعني المزيد من العواصف والفيضانات والحرائق والجفاف في جميع أنحاء العالم والمزيد من الذوبان. وهو ما يعني مزيدا من التدفئة. وهذا الدمار هو نتيجة مباشرة لإدماننا للوقود الأحفوري”. وأكد ضرورة كسر هذه الحلقة المميتة خلال في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ.
انخفض متوسط سمك الأنهار الجليدية في العالم بنحو 30 مترا منذ عام 1970، وستؤثر التغيرات التي لا يمكن عكسها في الغلاف الجليدي العالمي على أكثر من مليار شخص يعتمدون على المياه من الثلوج وذوبان الأنهار الجليدية، وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. الجليد البحري في القطب الجنوبي عند أدنى مستوى له على الإطلاق. وتظهر الأرقام الجديدة أنه في أيلول/ سبتمبر الماضي، كان أقل بمقدار 1.5 مليون كيلومتر مربع من المتوسط لهذا الوقت من العام- وهي مساحة تعادل مساحة البرتغال وإسبانيا وفرنسا وألمانيا مجتمعة.
وفي حديثه في القمة العالمية للعمل المناخي التي عقدت ضمن فعاليات مؤتمر المناخ في دبي، خاطب الأمين العام قادة الأعمال مباشرة حيث دعاهم إلى قيادة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة باستخدام الموارد المتاحة، مشددا على أن الطريق إلى الاستدامة المناخية هو أيضا الطريق الوحيد القابل للتطبيق بهدف تحقيق الاستدامة الاقتصادية لشركاتهم في المستقبل.
وقد استعرض المدافعون الشباب المشاركون في مؤتمر المناخ الآثار المدمرة للاضطرابات المناخية على مجتمعاتهم. وكان من بينهم مغنية الراب السنغالية الشابة أومي غاي، التي تعرف باسم OMG وتتعاون مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) للدفاع عن القضايا الإنسانية في منطقة الساحل – وهي واحدة من أسرع حالات الطوارئ الإنسانية نموا في العالم.
وقالت: “نأمل في إيجاد حلول مستدامة، حلول يمكن أن تساعد كل واحد منا على تقليل التأثير السلبي لتغير المناخ في جميع المجالات، وخاصة في منطقة الساحل حيث أعيش، وهي الأكثر تأثرا”.
اختُتم مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين باتفاق يشير إلى “بداية النهاية” لعصر الوقود الأحفوري من خلال تمهيد الطريق لانتقال سريع وعادل ومنصف، مدعوما بتخفيضات كبيرة في الانبعاثات وزيادة التمويل لبرامج الطاقة النظيفة.
قمة أهداف التنمية المستدامة
شهد أيلول/ سبتمبر انعقاد قمة أهـداف التنمية المستدامة لعام 2023، بالتزامن مع بداية الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة في نيويورك. القمة مثلت منتصف الطريق نحو الموعد النهائي المحدد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وقد وفرت القمة منصة للشباب- الذين ما زالوا يتأثرون بشكل غير متناسب بالأزمات العالمية الحالية- لإسماع أصواتهم. وقالت عائشة صديقي، الباكستانية الأمريكية المدافعة عن العدالة المناخية: “من الواضح جدا أن عصر الوقود الأحفوري يقترب من نهايته. إما أن تكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ أو على الجانب الخطأ”.
وقال فيشال براساد- الذي مثل منظمة طلابية من جزر المحيط الهادئ معنية بمكافحة تغير المناخ: “نشهد حدوث المزيد من الأعاصير من الفئة الرابعة أو الخامسة التي كانت تحدث مرة واحدة كل جيل. وهي تحدث الآن سنويا تقريبا، تمحو الأعاصير عقودا طويلة من مكاسب التنمية وسبل عيش الناس”.
تكريم الفائزين بجائزة حقوق الإنسان
وفي كانون الأول/ديسمبر، تم منح جائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان رسميا في الجمعية العامة إلى خمسة أفراد ومنظمات تقديرا لإنجازاتهم البارزة في مجال حقوق الإنسان. أنشأت الجمعية العامة الجائزة في عام 1966، ومنحت لأول مرة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1968 بالتزامن مع الذكرى السنوية العشرين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ومن بين الفائزين بالجائزة مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان في الأردن. وقال مدير مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، الدكتور نظام عسّاف في حوار مع أخبار الأمم المتحدة، إن الفوز بجائزة الأمم المتحدة هو بمثابة “ولادة جديدة للمركز”. وكذلك من بين الفائزين، جوليان لوسينج، من جمهورية الكونغو الديمقراطية، لعملها في الدفاع عن الناجيات من العنف الجنسي في زمن الحرب.
وقالت لوسينج، عند قبول الجائزة: “تحرص منظمتنا على تقديم الخدمات الطبية والنفسية وحتى إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي ليس فقط لضحايا الحرب، ولكن أيضا لضحايا العنف الجنسي”. وشددت على ضرورة “استعادة السلام” في جمهورية الكونغو الديمقراطية مؤكدة أنه “بدون السلام لا توجد حقوق”.
الحرب في غزة
كان اعتماد مجلس الأمن لقرار إنساني في 22 كانون الأول/ديسمبر بمثابة بصيص أمل في خضم الصراع الدائر في غزة. ومن بين أمور أخرى، يطالب القرار- الذي تم تبنيه بأغلبية 13 صوتا وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت- بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن ودون عوائق وعلى نطاق واسع مباشرة إلى السكان المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء قطاع غزة.
لقد تسببت عمليات القصف الإسرائيلية من الجو والبر والبحر في أنحاء غزة، والتي جاءت في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، في حدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة. وحذر برنامج الأغذية العالمي من مجاعة تلوح في الأفق، حيث إن جميع سكان غزة الذين شملهم الاستطلاع لا يأكلون أي طعام في كثير من الأحيان.
تشهد غزة بالفعل معدلات مرتفعة من الأمراض المعدية. وتم الإبلاغ عن أكثر من 100,000 حالة إصابة بالإسهال منذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر ونصف هؤلاء هم من الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وهو عدد يزيد بمعدل 25 ضعفا عما تم الإبلاغ عنه قبل النزاع.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 9 مرافق صحية فقط من أصل 36 منشأة تعمل جزئيا في قطاع غزة بأكمله وكلها في الجنوب. ولم تعد هناك مستشفيات عاملة في الشمال. ولا تزال هذه المستشفيات تؤوي آلاف النازحين.
وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 20 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب القصف.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش- في كلمة أمام المجلس في تشرين الثاني/ نوفمبر: “يجب حماية المدنيين – بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة. ويجب حماية الأعيان المدنية – بما فيها المستشفيات. ويجب عدم ضرب منشآت الأمم المتحدة. ويجب احترام القانون الإنساني الدولي من قبل جميع أطراف النزاع في جميع الأوقات”.
متحدثا من غزة، سلط المتحدث باسم اليونيسف جيمس إلدر الضوء على معاناة الفتيان والفتيات المصابين “بالجروح الناجمة عن الشظايا والحروق المروعة” في أقسام الطوارئ في المستشفيات.
وعن ذلك قال جيمس إلدر: “هناك أطفال في مواقف السيارات والحدائق، وعلى الأسرة في كل مكان. هناك مئات الآلاف من الأطفال الذين ليسوا في المدارس، والذين يعيشون في مخيمات مكتظة للغاية، والذين يشعرون بالبرد المصحوب بهطول الأمطار ليس لديهم ما يكفي من الطعام والماء، وهم الآن عرضة لخطر تفشي المرض. إنه وضع مروع”.
الحرب في السودان
تسبب اندلاع القتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل في كارثة إنسانية كبرى، حيث أجبر القتال آلاف المدنيين على النزوح واللجوء الآلاف داخل السودان وإلى البلدان المجاورة وخاصة تشاد وجنوب السودان ومصر. وقالت مسؤولة أممية رفيعة إن اندلاع الصراع في السودان تسبب في الجمع بين “كارثة إنسانية متفاقمة وأزمة حقوق إنسان كارثية“.
في دارفور، يحتاج نحو تسعة ملايين شخص إلى المساعدة الإنسانية، وتشير التقارير إلى أن حوالي 4,000 شخص تم استهدافهم وقتلهم بسبب انتمائهم القبلي. وتبرز الآن مخاوف من إمكانية عودة دارفور إلى دوامة القتال الوحشي والفظائع المتزايدة التي شهدتها آخر مرة قبل عشرين عاما وتسببت في مقتل حوالي 300 ألف شخص وتشريد ملايين آخرين.
عند وصولها إلى بلدة أدري التشادية الواقعة على الحدود مع السودان، قالت هدى حمزة البالغة من العمر 23 عاما: “هاجمونا في الصباح، وهوجمنا خلال سيرنا في الطريق وأخذ منا كل شيء، المال والملابس الغذائية. قتلوا أقاربنا وأصدقاءنا. لقد كانت لحظة صعبة”.
ويعد السودان حاليا أحد أكثر الأماكن صعوبة في العالم بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني. تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 25 مليون شخص سيحتاجون إلى الإغاثة الإنسانية في عام 2024، معظمهم في مناطق النزاع الساخنة – بما في ذلك الخرطوم ودارفور وكردفان – والتي يصعب على وكالات الإغاثة الوصول إليها.
الزلازل في سوريا وتركيا والمغرب وأفغانستان
في 6 شباط/فبراير، ضرب زلزال بقوة 7.8 درجة جنوب ووسط تركيا وشمال وغرب سوريا، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 60 ألف شخص. وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أثناء زيارته لجبلة في سوريا: “سوف يستغرق الأمر وقتا طويلا لمساعدة هؤلاء الأشخاص على العودة إلى حياتهم الطبيعية”.
في أيلول/سبتمبر ضرب زلزال المغرب مما أدى إلى مصرع وإصابة الآلاف، أغلبهم في إقليم الحوز ومدينة تارودانت، وذلك وفقا لبيانات السلطات الوطنية المغربية.
في تشرين الأول/ أكتوبر، تعرضت أفغانستان لسلسلة من الزلازل المدمرة التي دمرت قرى بأكملها في غرب البلاد وأثرت على ما يقرب من 160 ألف شخص يحتاجون حاليا إلى مساعدة عاجلة للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء.
قُتل ما لا يقل عن 1400 شخص، وأصيب عدد أكبر. تحول أكثر من 20 ألف منزل إلى أنقاض. ضربت الزلازل المجتمعات الضعيفة أصلا، والتي بالكاد كانت قادرة على كسب لقمة العيش، مما فاقم بؤسها وقدرتها على إعالة نفسها.
وقال توكل- وهو قروي من شاهاك في منطقة إنجيل في غرب أفغانستان: “هذا هو كل ما أملك. كان لدي أرز وقمح وطعام، وكل ما أملك مدفون تحت الأنقاض، وليس لدي طعام لأطفالي. ليس لدي مراتب أو سجاد ليجلس عليها أطفالي ويأكلون. كل ما كان لدينا مدفون هنا”.
كارثة الفيضانات في درنة
ونختتم ملخصنا هذا بكارثة الفيضانات في ليبيا. في سبتمبر/أيلول، انهار سدان في مدينة درنة الساحلية في ليبيا، مما أسفر عن مقتل وتشريد الآلاف. وقالت رنا قصيفي، من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “الوضع مروع. لا أستطيع أن أشرح ما رأيته في طريقي إلى درنة. رأيت الطرق تنشطر إلى نصفين. رأيت صخورا ضخمة تحركت من الجبال المجاورة إلى المناطق الساحلية. لقد تم هدم المنازل وغمرت بالمياه. فقدت العائلات عددا كبيرا من أحبائها. ولا يزال الكثير منهم في عداد المفقودين. وقد تفرق البعض ونزح البعض الآخر”.
وفي أوكرانيا، أُجبر ما لا يقل عن 2200 شخص على ترك منازلهم في مناطق مقاطعة خيرسونسكا الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، بسبب تدمير سد كاخوفكا في حزيران/ يونيو، مما تسبب في فيضانات واسعة النطاق في اتجاه مجرى النهر.
زارت منسقة الشؤون الإنسانية في أوكرانيا دينيس براون مدينة بيلوزيركا، حيث قام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بتسليم 5 شاحنات من المساعدات إلى إحدى المجتمعات الأكثر تضررا من الفيضانات. وقالت براون: “لقد تعرض هذا المجتمع للقصف. والآن تأثر جدا بسبب الفيضانات الناجمة عن تدمير السد بسبب الحرب. إنه مستوى لا يطاق من المعاناة. ولكننا هنا لتقديم الدعم”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.