إيمانويل ماكرون يميل إلى تثبيت النزعة المحافظة في محاولة لإنعاش ولايته الرئاسية الأخيرة

إيمانويل ماكرون يميل إلى تثبيت النزعة المحافظة في محاولة لإنعاش ولايته الرئاسية الأخيرة



خلال المؤتمر الصحفي الكبير الذي عقده مساء الثلاثاء في قصر الإليزيه، أصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ما أسماه “إعادة التسلح بالقيم والسلوكيات المدنية” للجمهورية الفرنسية، واقترح استعادة “النظام”، على وجه الخصوص، بفضل إصلاح التربية المدنية في المدارس الإعدادية وتعميم الخدمة الوطنية الشاملة في المدارس الثانوية. وفيما يخص بقية الملفات الوطنية، قرر ماكرون الحفاظ على السياسة المعمول بها حاليا.

نشرت في:

6 دقائق

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وعد بتنظيم “لقاء كبير مع الأمة” من أجل توحيد الفرنسيين. وفي يوم الثلاثاء 16 يناير/كانون الثاني 2024، عرض عليهم مونولوغ (حوار من طرف واحد) دام لأكثر من ساعتين اختلطت خلاله التصريحات التي تم إطلاقها تباعا بالرضا الذاتي عن سنواته الست التي قضاها في قصر الإليزيه. ما هي إذن الرسائل التي وجهها ماكرون إلى الفرنسيين في “عرض الرجل الواحد” الذي يذكرنا بالمؤتمر الصحفي الكبير الذي عقده في ختام النقاش الوطني الكبير في أبريل/نيسان 2019؟

كانت تصريحات ماكرون من الكثرة، (إطلاق عملية لمكافحة المخدرات، مضاعفة المساعدات الطبية، إجازة الوضع، تسليح أوكرانيا، إلخ…)، ما جعل المتابعين يفقدون الخيط المشترك المفترض أنه يربطها جميعها، وما جعل الجميع أيضا ينسون الأهم، وهو أن ماكرون ينوي الاستمرار في متابعة سياساته الحالية.

وفيما يتعلق بالمواضيع الرئيسية التي تهم الفرنسيين – القوة الشرائية، والتوظيف، والإسكان، والصحة، والتعليم، والبيئة – أعطى رئيس الدولة الشعور بأن مشاكل البلاد قد تم حلها بالفعل أو أنها على وشك ذلك، وأنه يجب على الحكومة ببساطة إعادة ما تم إنجازه بالفعل، ولكن من خلال مضاعفة الجهود لإنجازه مجددا.

التحول البيئي؟

“أنا أؤمن بأهمية مواصلة المسيرة، ووضع تدابير واضحة موضع التنفيذ. فنحن لدينا استراتيجية. وأضاف الرئيس “والآن علينا بإضفاء الطابع الإقليمي عليها”، معتبرا أن فرنسا تسير على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف الأوروبية المتمثلة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

القدرة الشرائية؟

“إن هدفي يتمثل بتوفير حياة كريمة [لكل فرنسي] عبر كسب عيشه من خلال العمل، مع تكييف الأوضاع الضريبية والاجتماعية مع هذا الهدف، وأيضا إطلاق مفاوضات في قطاعات معينة بحيث تكون ديناميات الأجور متماثلة مع الجهود المبذولة”.

التوظيف؟

“ستشجع الحكومة على توفير فرص عمل جديدة، اعتبارا من الربيع المقبل، بموجب الفصل الثاني من قانون إصلاح سوق العمل والذي تم عتماده في عام 2017، مع تطبيق قواعد أكثر صرامة عند رفض عروض العمل المقدمة للعاطلين ودعم أفضل لهم من خلال توفير فرص التدريب”.

إعادة إحياء التصنيع المحلي؟ “سنواصل الاستثمارات التي بدأت، ولكن آمل أن نتمكن من تسريعها. ولهذا، سوف نضع نهاية للمعايير غير الضرورية. (…) وباختصار، سنكون فرنسا الحس السليم وليس فرنسا الباحثة عن المتاعب”.

“تقاسم القيم، ثقافة مشتركة، ونشر الشعور بالاحترام المتبادل”

وبدون مفاجآت تذكر، يعتزم ماكرون اتباع نفس السياسة الاقتصادية، مما يجعل تحرير سوق العمل وتبسيط إجراءات إنشاء الشركات أولوية متجددة. وأكد ماكرون أن “فرنسا ستكون أقوى إذا أنتجت المزيد”.

ولكن بما أنه من الصعب إعطاء فرصة جديدة لولاية رئاسية خمسية تميزت بعام معقد للغاية ألا وهو عام 2023 – بسبب اعتماد إصلاح نظام التقاعد بالقوة، وقانون الهجرة الذي شرذم الأغلبية – وتوحيد الفرنسيين حول برونو لو مير أطول وزراء الاقتصاد ولاية، فقد اختار إيمانويل ماكرون، مثل حكومته، أن يرسخ النزعة المحافظة في ولايته، مع التركيز على ما أسماه “إعادة التسلح بالقيم والسلوكيات المدنية”، وهو مفهوم تم تطويره قبل عدة أسابيع والذي كان بالفعل في قلب تمنياته للفرنسيين بالعام الجديد في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقال الرئيس: “ستكون فرنسا أقوى إذا كنا أكثر اتحادا، وإذا نجحنا في تقاسم القيم والثقافة المشتركة والشعور بالاحترام المتبادل”. ووفقا له، فإن هذا سيشمل تنظيم استخدام الشاشات بين الشباب، وإعادة تصميم برامج التربية المدنية في المدارس، والتي سيتم مضاعفة وقت حصتها لساعة أسبوعيا اعتبارا من الصف الثاني الإعدادي، وكذلك حصص المسرح في المدرسة الإعدادية، وتعميم الخدمة الوطنية الشاملة في المرحلة الثانوية، وإمكانية فرض زي موحد للطلاب بعد نجاح تجربة أجريت هذا العام في مئة مؤسسة تعليمية. الكثير من التدابير لصالح القيم التقليدية العزيزة على المحافظين.

كما وعد إيمانويل ماكرون بفرض “النظام” داخل الدولة، من خلال “التحكم بشكل أفضل في الحدود، ومن خلال محاربة الفظاظة عبر مضاعفة وجود الشرطة في الشوارع، ومكافحة المخدرات، ومحاربة الإسلام الراديكالي”. أعلن رئيس الدولة على وجه الخصوص أنه يريد تنفيذ “عشر عمليات في الأسبوع” في فرنسا ضد تهريب المخدرات “في جميع المدن”.

إذا كان ماكرون متسقا مع الخط الذي تم تبنيه في الصيف الماضي بعد أعمال الشغب التي أعقبت وفاة الشاب نائل، عندما قال إنه يريد استعادة “النظام والنظام ولا شيء غير النظام”، وإذا كان خطابه يتناسب تماما مع حكومته الجديدة، التي تحمل توجها واضحا ناحية اليمين، يبدو من الصعب أن نرى كيف تشكل كل هذه التصريحات “عودة إلى مصادر” الماكرونية في العام 2017 التي وعدت بها حاشيته.

خاصة وأن رئيس الدولة اعترف بالذنب مساء الثلاثاء فيما يخص “تكافؤ الفرص”. “يجب أن أعترف وبحدة أنه بعد ست سنوات ونصف (…)، أننا قمنا بتحسين الأمور لكننا لم نغيرها جذريا”. فمستقبل أطفالنا “لا يزال مرتبطا بصورة كبيرة باسم العائلة، ومكان الولادة، والبيئة التي ترعرعوا فيها”، يقول ماكرون معربا عن أسفه وهو الذي كان قد قال قبل سبع سنوات إنه يريد الكفاح ضد “الإقامة الجبرية” (احتجاز الأطفال في المنزل).

النص الفرنسي: رومان بروني | النص العربي: حسين عمارة

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *