وفي كلمته أمام المناقشة المفتوحة رفيعة المستوى التي انعقدت اليوم الثلاثاء في مجلس الأمن الدولي بشأن تأثير تغير المناخ والأمن الغذائي على صون السلام والأمن الدوليين، قال غوتيريش إن أزمة غذاء عالمية تخلق آتونا من الجوع والألم للعديد من أفقر الناس في العالم، وأن أزمة المناخ تتسارع “بقوة مميتة” حيث كان العام الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق.
وأضاف أن “البطون الخاوية تؤجج الاضطرابات”، مشيرا كذلك إلى أن الكوارث المناخية والصراعات تؤدي إلى إذكاء عدم المساواة، وتعريض سبل العيش للخطر، وإجبار الناس على ترك منازلهم، الأمر الذي قد يفضي إلى توتر العلاقات، وتأجيج عدم الثقة، وزرع بذور السخط.
وأكد أن النساء والفتيات يدفعن الثمن الأعلى للصراعات، وكذلك “عندما يكون الغذاء شحيحا وتقع الكوارث المناخية”.
علاقة مدمرة
ونبه أمين عام الأمم المتحدة إلى أن المناخ والصراع يشكلان “محركين رئيسيين لأزمة الغذاء العالمية التي نواجهها”، موضحا أنهما كانا السببين الرئيسيين لانعدام الأمن الغذائي الحاد لنحو 174 مليون شخص عام 2022.
وأضاف أنه في كثير من الحالات تتصادم أزمات المناخ والصراعات لتصيب المجتمعات “بضربة مزدوجة”. وأعرب عن الأسف لأن العالم اليوم “يعج بأمثلة على العلاقة المدمرة بين الجوع والصراع”.
ومن بين تلك الأمثلة غزة حيث قال الأمين العام إن “لا أحد لديه ما يكفي من الطعام”، مضيفا أنه من بين أكثر 700 ألف شخص جوعا في العالم، يعيش أربعة من كل خمسة من الأشخاص الأكثر جوعا في العالم، في هذا القطاع الصغير من الأرض.
كما أشار إلى سوريا حيث يذهب ما يقرب من 13 مليون شخص إلى الفراش “جوعى” بعد عقد من الحرب والزلزال المروع.
وقال غوتيريش إن كل دولة من البلدان الـ 14 الأكثر عرضة لخطر تغير المناخ، تعاني من الصراعات، ويواجه 13 منها أزمة إنسانية هذا العام، مثل هايتي، حيث تجتمع الأعاصير مع العنف والخروج على القانون لتسبب أزمة إنسانية للملايين، وإثيوبيا حيث يأتي الجفاف في أعقاب الحرب.
وحذر كذلك من احتمال عودة تضخم أسعار الغذاء على مستوى العالم بسبب تداعيات الجفاف على قناة بنما، والعنف الذي ضرب منطقة البحر الأحمر، الأمر الذي قد يؤدي إلى حالة من الفوضى في سلاسل التوريد.
خطوات مقترحة للتحرك
وشدد الأمين العام على أنه “من دون التحرك، فإن الوضع سوف يتدهور”، محددا عددا من الخطوات للتحرك من أجل تجنب التهديدات المتزايدة للسلام والأمن الدوليين، وكسر “الروابط المميتة” بين الصراع والمناخ وانعدام الأمن الغذائي.
وقال غوتيريش إنه يجب على الأطراف كافة في جميع الصراعات أن تلتزم بالقانون الدولي الإنساني، منبها إلى أنه “في كثير من الأحيان، ليس هذا هو الحال”. وشدد أيضا على أنه يتعين القيام بتمويل العمليات الإنسانية بالكامل، لمنع الكوارث والصراعات من إذكاء الجوع، مشيرا إلى أنه تم استخدام حوالي ثلث الأموال المخصصة لهذه العمليات لمعالجة انعدام الأمن الغذائي.
وقال غوتيريش إنه “يتعين علينا أن نعمل على تهيئة الظروف اللازمة لحل الصراعات والحفاظ على السلام، داخل البلدان وفيما بينها”.
العمل المناخي والنظم الغذائية
ولفت أمين عام الأمم المتحدة إلى أن الاستبعاد وعدم المساواة والفقر كلها عوامل تزيد من خطر الصراع، مؤكدا أن تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك هدف القضاء على الجوع، “هو الحل”.
وأضاف أن هناك حاجة إلى استثمارات ضخمة في التحول العادل إلى نظم غذائية صحية ومنصفة ومستدامة، مؤكدا على أنه “ينبغي علينا إنشاء أنظمة غذائية تغذي الكوكب دون أن تدمره”.
وأوضح أن هذا الأمر يعني المواءمة بين العمل المناخي وتحويل النظم الغذائية، “مثلما دعوت في تقييم الأمم المتحدة للنظام الغذائي في تموز/يوليو الماضي ــ للمساعدة في تأمين التنمية المستدامة، وسبل العيش الجيدة، والأشخاص الأصحاء على كوكب صحي”.
وأشار إلى أن ذلك يتطلب إشراك الجميع بمن فيهم النساء والشباب والمجتمعات المهمشة، في عملية صنع القرار، وبناء وتمويل أنظمة حماية اجتماعية لحماية سبل العيش وضمان الوصول الأساسي إلى الخدمات والموارد.
أفضل أداة لمنع الصراعات
ودعا الأمين العام كذلك إلى السيطرة على أزمة المناخ عبر الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، “لأن العمل المناخي هو عمل من أجل الأمن الغذائي، وعمل من أجل السلام”.
وقال إنه يتعين على دول مجموعة العشرين أن تقود عملية عالمية عادلة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع مبدأ المسؤوليات المشتركة، ولكن المتباينة والقدرات الخاصة لكل منها، في ضوء الظروف الوطنية المختلفة.
وأكد أيضا على أنه يجب على جميع البلدان أن تضع خطط عمل وطنية جديدة طموحة للمناخ، أو مساهمات محددة وطنيا، بحلول عام 2025، والتي تتماشى مع حد 1.5 درجة مئوية. ومن بين الخطوات الأخرى التي دعا إليها الأمين العام هي ضرورة اتخاذ إجراءات بشأن التمويل لاسيما أن أهداف التنمية المستدامة التي تعد “أفضل أداة لمنع الصراعات” بحاجة إلى الاستثمار.
وقال غوتيريش “من المحزن أن نرى الحكومات تنفق بسخاء على الأسلحة، في حين تعمل على تجويع ميزانيات الأمن الغذائي، والعمل المناخي، والتنمية المستدامة الأوسع نطاقا”.
صندوق بناء السلام
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته أنه “يتعين علينا أن نستهدف النقاط التي يلتقي فيها انعدام الأمن الغذائي والمناخ والصراع”، داعيا إلى إقامة شراكات وسياسات وبرامج تعالج هذه القضايا.
وقال إنه “يجب علينا أن نضمن وصول تمويل المناخ إلى الأشخاص والأماكن التي تعاني من الصراعات”، مشيرا إلى أن صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام يمكن أن يكون محفزا لتعبئة الشركاء الآخرين للمساعدة في تحويل ذلك إلى حقيقة.
وأنهى غوتيريش كلمته بالقول إنه يمكن كسر العلاقة المميتة بين الجوع، والفوضى المناخية، والصراعات، وقمع التهديد الذي تشكله على السلام والأمن الدوليين، داعيا إلى العمل على القيام بذلك “وبناء مستقبل صالح للعيش ومستدام، وخالٍ من الجوع، وخالٍ من ويلات الحرب”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.