وشدد المالكي أمام المحكمة على أن فلسطين تظل “أكبر اختبار لمصداقية النظام العالمي القائم على القانون، وهو اختبار لا يمكن للإنسانية أن تفشل فيه”.
جاءت تصريحات المالكي أثناء إلقائه بيان فلسطين أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي في إطار الجلسات العلنية بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت قرارا في كانون الأول/ديسمبر عام 2022 يطلب من المحكمة، عملا بالمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة، أن تصدر فتوى بشأن مسألتين وهما:
- ما هي الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها، وعن اعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن؟
- كيف تؤثر سياسات إسرائيل وممارساتها على الوضع القانوني للاحتلال وما هي الآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة؟
وزير الخارجية الفلسطيني استعرض في كلمته أمام المحكمة مجموعة من الصور والخرائط التي يعود تاريخها لعقود، وقال إنه على مدى أكثر من قرن من الزمان، ظل حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير موضع إنكار وانتهاك. وأضاف أن الشعب الفلسطيني عانى لعقود من “الاستعمار والفصل العنصري”.
وقال إن هذا الواقع مستمر حتى الآن مشيرا إلى “التشويه والقتل العشوائي للفلسطينيين”، وأضاف أن ذلك يعني كذلك “أنه يمكنك قضاء حياتك بأكملها كلاجئ محروم من كرامتك وحقك في العودة إلى وطنك. ويعني أن حياتك وعائلتك مجتمعك ومنزلك تحت تهديد مستمر”.
وحث المحكمة أثناء استماعها إلى المرافعات القانونية أثناء الجلسات “ألا تنسى الشعب الفلسطيني. وألا تنسى أن شعبنا يكافح كل يوم من أجل بقائه كأفراد وأسر ومجتمعات وأمة بأكملها”.
أكثر من 50 بيانا شفهيا
وكانت محكمة العدل الدولية قد قررت في 3 شباط/فبراير 2023 أنه “من المرجح أن تكون الأمم المتحدة ودولها الأعضاء، وكذلك دولة فلسطين بصفتها مراقبا، قادرة على تقديم معلومات حول الأسئلة المقدمة إلى المحكمة للحصول على رأي استشاري، ويجوز لها القيام بذلك خلال المهل الزمنية المحددة بشأن هذا الأمر”.
وحددت المحكمة تاريخ 25 تموز/يوليو 2023 أجلا لتقديم البيانات المكتوبة بشأن السؤالين اللذين تضمنهما قرار الجمعية العامة، ليتم تقديم 57 بيانا مكتوبا إلى قلم المحكمة خلال تلك المهلة الزمنية.
كما حددت المحكمة تاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023 كحد زمني يجوز خلاله للدول والمنظمات التي قدمت بيانات مكتوبة أن تعلق كتابيا على البيانات المكتوبة التي قدمتها دول أو منظمات أخرى. وفي تلك المهلة الزمنية، تلقت المحكمة 15 تعليقا كتابيا من قِبل الدول والمنظمات الدولية بشأن هذه القضية.
كما أذنت المحكمة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي، بناء على طلب تلك الجهات، بالمشاركة في الجلسات.
وكان وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي أول المتحدثين بعد افتتاح الجلسات التي تستمر حتى 26 شباط/فبراير الجاري. وقال المالكي إن “الاستيلاء على الأراضي بالقوة أو الاضطهاد أو التمييز العنصري والفصل العنصري ضد الشعب، والحرمان من حق تقرير المصير تشكل انتهاكات جسيمة لأبسط قواعد القانون الدولي”.
وشدد على أن قوة القانون يجب أن تطغى على الاستخدام غير القانوني للقوة، مؤكدا أنه من خلال تحديد القانون والتزامات جميع الدول والمنظمات، يمكن لهذه المحكمة أن ترسم طريقا للسلام، يرتكز على العدالة واحترام القانون الدولي.
وأكد المالكي أن فلسطين تسعى بشكل مشروع إلى تحقيق حقوق شعبها، بما في ذلك استقلال دولة فلسطين على حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وبعد بيان فلسطين وعلى مدار الأيام المقبلة من المقرر أن تستمع المحكمة إلى إحاطات من أكثر من 50 دولة – وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المحكمة – بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية.
البيان الإسرائيلي
وكانت إسرائيل من بين الدول التي قدمت بيانات مكتوبة إلى المحكمة بحلول الموعد النهائي الذي حددته في 25 تموز/ يوليو 2023، وقررت عدم المشاركة في جلسات الاستماع الشفهية. وقالت إسرائيل في بيانها المكتوب إن السؤالين اللذين طرحهما قرار الجمعية العامة على المحكمة يمثلان تشويها واضحا لتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وواقعه الحالي.
وأضاف البيان أنه “من خلال الإشارة بإصبع الاتهام إلى جانب واحد فقط، فإن الأسئلة تتجاهل آلاف القتلى والجرحى الإسرائيليين الذين وقعوا ضحايا لأعمال الكراهية والإرهاب الفلسطينية – وهي أعمال لا تزال تعرض المدنيين الإسرائيليين والأمن القومي للخطر بشكل يومي”.
وأشار البيان أيضا إلى “فشل الأسئلة في تقدير وجود الاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية، التي اتفق الجانبان بموجبها على حل الموضوع المعروض على المحكمة على وجه التحديد من خلال المفاوضات المباشرة”.
ونبه بيان إسرائيل إلى أن الاستجابة لما وصفه “التزييف”، لن تؤدي سوى إلى دفع الطرفين إلى مزيد من التباعد بدلا من المساعدة في تهيئة الظروف للتقريب بينهما.
إجراءات المحكمة
يشار إلى أنه لكي تكون المحكمة على علم تام قدر الإمكان لإبداء رأيها في المسألة المعروضة عليها، فهي مخولة بالقيام بإجراءات كتابية وشفوية، تشبه بعضُ جوانبها الإجراءات في القضايا الخلافية.
وبعد أيام قليلة من تقديم طلب رأي استشاري بشأن مسألة ما، تضع المحكمة قائمة بأسماء الدول والمنظمات الدولية التي يحتمل أن تكون قادرة على تقديم معلومات حول هذه المسألة، وتخطرها عن طريق رسالة مباشرة خاصة أنها على استعداد لتلقي خلال مهلة زمنية محددة ببيانات مكتوبة متعلقة بالمسألة، أو الاستماع إلى بيانات شفهية في جلسة عامة تُعقد لهذا الغرض.
وتتم عادة دعوة جميع متلقي الاتصالات الرسمية المباشرة إلى الإدلاء ببيان شفهي في جلسات عامة في مواعيد تحددها المحكمة، سواء شاركوا في المرحلة الكتابية أم لا. وبمجرد انتهاء الإجراءات الكتابية والشفهية، تبدأ مداولات المحكمة. ثم تعلن رأيها الاستشاري في جلسة علنية. وتصدر الآراء الاستشارية، بشكل عام، في غضون ستة أشهر بعد اختتام الإجراءات الشفهية.
قضية أخرى
وتختلف الإجراءات المطروحة أمام المحكمة عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن ما وصفته بعدم امتثال إسرائيل لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال حملتها العسكرية عقب الهجمات التي نفذتها حماس والفصائل الفلسطينية في 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023.
وعلى الرغم من أن الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية غير ملزمة، إلا أنها يمكن أن تحمل سلطة أخلاقية وقانونية كبيرة، ويمكن أن تصبح في نهاية المطاف جزءا من أعراف القانون الدولي، وهي ملزمة قانونا للدول.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.