أعلن بوريس ناديجدين، أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية الروسية، المقررة في شهر آذار/مارس المقبل تمكنه من جمع 100.000 توقيع التي تسمح له بخوض غمار السباق ضد الرئيس فلاديمير بوتين. فيما أعرب آلاف الروس عن دعمهم لبرنامج هذا السياسي الذي يعارض الحرب الروسية في أوكرانيا. لكن في ضوء السياق السياسي الروسي الحالي يطرح التساؤل هل ترشح ناديجدين بشكل عفوي أم هنالك أمر خلف الكواليس من قبل الكرملين؟
نشرت في:
8 دقائق
كان الجو قارسا في بلدة ياكوتسك بمنطقة سيبيريا يوم الأحد 21 كانون الثاني/يناير الماضي. وصلت الحرارة إلى 34 درجة تحت الصفر. لكن قساوة الطقس لم تمنع عشرات الناس من الاصطفاف في طوابير للتوقيع لصالح مرشح المعارضة بوريس ناديجدين لكي يخوض غمار الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار المقبل ضد الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.
مشاهد مشابهة تم تصويرها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، تبين طوابير أمام مقرات انتخابية أخرى تابعة لبوريس ناديجدين في مدينة سان بطرسبورغ وكراسنودار ويكاترينبورغ وموسكو.
وكتبت جريدة “موسكو تايمز” في هذا الموضوع “آلاف الناس جاؤوا لمنح توقيعاتهم لبوريس ناديجدين ومساندته”. في حين أضاف ويل كينغستون كوكس، مختص في الشؤون الروسية بمعهد البحوث الأمنية في مدينة فيرونا الإيطالية “رأينا الطوابير أمام سفارة روسيا بإسرائيل وكرواتيا وصربيا، وفي دول أخرى حيث تعيش فيها جالية روسية كبيرة”.
جمع 150 ألف توقيع
ويشترط قانون الانتخابات الروسي على كل مرشح ينتمي إلى حزب غير ممثل في البرلمان (الدوما) جمع قبل كل شيء مئة ألف توقيع ثم إرسالها إلى اللجنة الانتخابية لكي تتأكد من صحتها.
اقرأ أيضاالمصادقة على ترشيح فلاديمير بوتين لخوض الانتخابات الرئاسية
بعض القائمين على الحملة الانتخابية لبوريس ناديجدين أكدوا بأنهم نجحوا فعلا في جمع التوقيعات المطلوبة. لكنهم أضافوا بأنهم يريدون جمع عدد أكبر من التوقيعات (أي حوالي 150 ألف توقيع) لمواجهة أي طارئ قد يحدث في الدقيقة الأخيرة أو أي طلب من اللجنة الانتخابية التي “تملك صلاحيات قبول أو رفض أي ملف انتخابي” حسب ستيفان هول، المختص في السياسية الروسية بجامعة “باث” البريطانية.
ولكي يتم قبول ترشحه، أخذ بوريس ناديجدين كل احتياطاته. فبدأ مثلا في فرض مسافة بينه وبين اللجنة الانتخابية كونها سبق وأن اتهمت في السابق بأنها أداة سياسية للتخلص من المعارضين المناهضين للكرملين.
ويخشى بوريس ناديجدين أن يلقى نفس المصير، خاصة أنه لم يكتف فقط بانتقاد الحرب الروسية على أوكرانيا، بل قام أيضا بوصف القانون المعادي لمثليي الجنس على أنه “عودة إلى العصور الوسطى”، داعيا إلى تخفيف القيود المفروضة على الإجهاض. أما في المجال السياسي، فيطالب بتعزيز العلاقات مع دول أوروبا الغربية وينتقد التقارب الصيني الروسي.
هذه المواقف جعلته يتلقى الدعم من العديد من المعارضين لسياسة بوتين. كالمنظمة المحاربة للفساد التي أسسها المعارض ألكسي نافالني الذي يقبع في السجن والملياردير ميخائيل خودوركوفسكي الذي يعيش في المنفى، إضافة إلى الصحافية إيكاترينا دونتسوفا التي لم تتمكن من الترشح للانتخابات الرئاسية لأسباب “قانونية” وفق لجنة الانتخابات.
هل الكرملين وراء المناورة؟
هذا، وعلق ديميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين بخصوص بوريس ناديجدين بالقول إنه “لا يقلقنا”. أكثر من ذلك، عدد كبير من الروس يعتقدون بأنه ليس معارضا حقيقيا لبوتين، فحسب رأيهم لا أحد يمكنه انتقاد الرئيس الروسي بدون أن يتعرض إلى المساءلة أو التوقيف، وهو يعبر عن انتقاداته وأفكاره بحرية بدون أن يتعرض لأي إزعاج.
فيما زعم بافيل سيشيف، وهو عضو في الحملة الانتخابية لبوريس ناديجدين، وفق جريدة “موسكو تايمز” أن “نصف عدد أصدقائي يرفضون منح توقيعاتهم لمرشح يعتبرونه دمية في أيدي الكرملين”.
ويبدو أن هذا المشهد متكرر في روسيا، حيث يسيطر فلاديمير بوتين والكرملين على المشهد السياسي في البلاد. ففي كل مرة يظهر معارض سياسي جديد، خاصة خلال موعد الانتخابات، يتم التشكيك بمصداقيته ونزاهته ويتم اتهامه بأنه موال بشكل سري للكرملين ويخدم مصالح هذا الأخير.
اقرأ أيضا“لا خيار آخر” لديه… بوتين يترشح للانتخابات الرئاسية الروسية العام المقبل
ويطلق على الأحزاب التي يزعم بأنها معارضة لبوتين، كالحزب الشيوعي أو الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي اسم “المعارضة النظامية”. وهي أحزاب تعارض بوتين في الظاهر وتدعمه بقوة في الخفاء.
ويقول ستيفان هول في هذا الشأن إن “في روسيا، الجميع يريد معرفة من يساند المرشح ويدعمه في حملاته الانتخابية. لكن فيما يتعلق ببوريس ناديجدين، فيبدو الأمر غامضا”.
بوريس ناديجدين البالغ 60 عاما ليس جديدا في عالم السياسة. في الثمانينيات من القرن الماضي، كان عضوا في البرلمان الروسي. فيما عمل أيضا مستشارا لرئيس الوزراء الروسي السابق بوريس نمستوف الذي قتل في 2015 لأسباب مجهولة.
لكن منذ وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم، لم يتمكن من احتلال مناصب هامة في البلاد، عدا منصب في مجلس محلي قرب موسكو. فتجربته في السياسة ليست بتلك التجربة القوية التي يمكن أن تقوده إلى رأس هرم السلطة.
وإضافة إلى منصب ناديجدين المتواضع، واجه هذا المرشح انتقادات أخرى بشأن مسيرته السياسية. فالبعض اتهمه بأنه قبل منصب ملاحظ الانتخابات الرئاسية في 2012 والذي اقترحه له بوتين. فيما قال البعض الآخر إنه كان قريبا من سيرغي كرينكو، أحد المستشارين السياسيين لبوتين والمعروف بخبرته في الاستراتيجيات الانتخابية، كما يشرح ستيفان هول.
الكثير من العقبات؟
هناك بعض الروس لا يشككون في نزاهة بوريس ناديجدين، حسب ما يشرح جيف هاون المتخصص في الشؤون الروسية في كلية لندن للاقتصاد، أولا ” لأن مسيرته السياسية لا توحي بأنه رجل استفاد من نظام فلاديمير بوتين لتحقيق مصالحه الخاصة”.
وثانيا وفق ويل كينغستون كوكس فهو “لم يتحول إلى معارض لبوتين بين عشية وضحاها، بل وجه أولى انتقاداته لزعيم الكرملين في 2020. أكثر من ذلك، عارض خلال نفس السنة إصلاح الدستور الذي سمح لبوتين الترشح للانتخابات مرتين على التوالي وبدون انقطاع”. إضافة إلى هذا، تصريحاته المتكررة ضد الحرب في أوكرانيا واصفا إياها بأنها “استعمار”.
لكن حسب جيف هاون، رغم الدعم الذي يتلقاه بوريس ناديجدين من بعض الروس، إلا أنه يعاني من “عقبات سياسية عديدة تجعله لا يشكل خطرا على النظام الروسي”.
ويتابع: “هذا المرشح يمثل القيم التي يدافع عنها السياسيون الروس في سنوات التسعينيات. فهو وريث هذا الجيل الذي فقد مصداقيته لدى غالبية الروس”، مضيفا “بإمكانه ربما إرضاء الطبقة المثقفة الروسية التي تقيم في المدن الكبرى وفي الخارج، ولكن ليس معظم الشعب الروسي الذي يحتفظ بذكريات أليمة وسلبية بسبب الإصلاحات الاقتصادية الصعبة في التسعينيات”.
معضلة الطوابير
وبالتالي، ترشح بوريس ناديجدين، سواء كان مخططا من قبل الكرملين أم لا، لن يشكل خطرا على بوتين. بل إن وجوده يعطي انطباعا للرأي العام بأن المعارضين للحرب ضد أوكرانيا يملكون هامشا من الحرية للتعبير عن مواقفهم خلال الحملة الانتخابية بدون التعرض إلى مضايقات.
فيما يبقى العنصر الوحيد الذي لم يتوقع النظام الروسي حدوثه، هي الطوابير الطويلة من الناس التي اصطفت أمام السفارات ومكاتب الحملة الانتخابية من أجل دعم المرشح ناديجدين رغم قساوة البرد القارس.
ويضيف ويل كينغستون كوكس “ربما هذا هو الأهم في ترشح هذا الرجل. لأن هذه الطوابير في الحقيقة، ما هي إلا نوع من أنواع الاحتجاج إزاء سياسة بوتين والنظام الروسي بشكل عام”.
وينهي الحديث بقوله “لغاية الآن ترشح ناديجدين لا يشكل خطرا على النظام. فهو عبارة عن نوع من العصيان المدني وليس إخلالا بالنظام العام”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.