أزمة التجسس الروسية على ألمانيا… هل تدفع برلين إلى تزويد كييف بصواريخ طويلة المدى؟

أزمة التجسس الروسية على ألمانيا… هل تدفع برلين إلى تزويد كييف بصواريخ طويلة المدى؟


في إطار سعيها الحثيث لمنع ألمانيا من تزويد أوكرانيا بصواريخ “توروس” طويلة المدى، نشرت وسيلة إعلامية روسية الجمعة الماضي تسريبا لتسجيل صوتي من المفترض أن يكون سريا لمسؤولين عسكريين ألمان رفيعي المستوى كانوا يتحدثون عن تقديم أسلحة لأوكرانيا. وهو الأمر الذي وصفه وزير الدفاع الألماني بأنه محاولة “لزعزعة استقرار ألمانيا” متهما موسكو بشن “حرب معلومات”. فهل ينقلب السحر على الساحر، ويدفع ذلك ألمانيا للوقوع في المحظور الروسي؟

نشرت في:

8 دقائق

يوم الجمعة الأول من مارس/آذار نشرت الصحافية في التلفزيون الحكومي الروسي ورئيسة قناة روسيا اليوم مارغريتا سيمونيان على قناتها في تطبيق تليغرام، تسجيلا صوتيا أثار ضجة كبيرة وزاد من حالة التوتر بين ألمانيا وروسيا.

يتعلق التسجيل الصوتي بمؤتمر عبر الهاتف لمسؤولين عسكريين ألمان رفيعي المستوى كانوا يتحدثون عن تقديم أسلحة لأوكرانيا. وهو التسجيل الذي صرحت وزارة الدفاع الألمانية في اليوم التالي بأنها لا يمكنها تأكيد صحته لكن المكتب الاتحادي لجهاز مكافحة التجسس بالجيش يحقق في الأمر.

صب هذا التسجيل، غير الموثوق منه إلى الآن، الزيت على نار التوتر الراقدة تحت الجمر بين موسكو وبرلين جراء موقف الثانية من الحرب التي تشنها روسيا على جارتها أوكرانيا والخطوات التي اتخذتها برلين في هذا الصدد من دعم كييف بالمال والسلاح.

اقرأ أيضابرلين تحقق في تسريب “شديد الخطورة” لمسؤولين عسكريين ألمان بشأن الحرب في أوكرانيا

وهو ما حدا بوزير الخارجية الروسية سيرغى لافروف بالتصريح قائلا يوم السبت: “صارت الخطط الماكرة للقوات المسلحة الألمانية واضحة بعد نشر هذا التسجيل الصوتي. إنه كشف صارخ للذات”، مؤكدا على أن أوكرانيا وداعميها “لا يريدون تغيير مسارهم على الإطلاق ويريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة”.. دفع هذا التسجيل وزارة الخارجية الروسية إلى استدعاء ألكسندر غراف لامبسدورف السفير الألماني المعتمد لديها الاثنين، وذكرت وكالات أنباء روسية أن السفير وصل إلى الوزارة صباح الإثنين، من دون الإدلاء بأي تصريح للصحافيين.

بيد أن برلين نفت استدعاء سفيرها في موسكو إلى وزارة الخارجية الروسية. وردا على سؤال عما إذا كان قد تم استدعاء السفير، قال كريستيان فاغنر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية للصحافيين “عقد سفيرنا اجتماعا مخططا له منذ فترة طويلة هذا الصباح في وزارة الخارجية الروسية”.

وكان العسكريون الألمان المشاركون في التسجيل، الذي تبلغ مدته 38 دقيقة ويعود تاريخه إلى 19 فبراير/شباط الماضي، قد ناقشوا موضوع تسليم صواريخ كروز من طراز (توروس) إلى كييف، كما تحدثوا عن تدريب الجنود الأوكرانيين والأهداف العسكرية المحتملة ومنها قصف الجسر الرئيسي الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم فوق مضيق كيرتش. يذكر أن المستشار الألماني أولاف شولتس يرفض علنا وبشدة حتى الآن فكرة تسليم هذه الصواريخ الإستراتيجية إلى أوكرانيا.

حدث مثير للجدل

فيما أكدت ناطقة باسم وزارة الدفاع الألمانية السبت حصول تنصت على محادثة سرية للقوات الجوية. وقالت “بحسب تقييمنا الأولي، تم اعتراض محادثة في القوات الجوية”. وأضافت “لا يمكننا حاليا أن نؤكد ما إذا كانت قد أُجريت تغييرات على النسخة المسجلة أو المكتوبة المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي”. بينما أبدى خبراء استشارتهم مجلة “دير شبيغل” الألمانية، اعتقادهم بأن التسجيل حقيقي ولم يتم التلاعب به. وأشارت المجلة إلى أن المحادثة جرت عبر الفيديو على منصة “ويب إكس” وليس على شبكة سرية داخلية للجيش.

تواصل ردود الفعل الألمانية بعد نشر صحافية روسية تسجيلا نسب لمسؤولين عسكريين ألمان



وقال العضو في حزب الخضر كونستانتين فون نوتس لإذاعة “آر إن دي”، “إذا تبين أن هذه القصة صحيحة، ستصبح حدثا مثيرا للجدل إلى حد كبير”. وأضاف “يكمن السؤال فيما إذا كانت حادثة منفردة أم مشكلة هيكلية تتعلق بالسلامة” الأمنية للمحادثات العسكرية.

من الواضح أن كونستانتين فون نوتس يدرك جيدا ما يعنيه هذا التسريب، فهو يضع على المحك كل الإجراءات الأمنية التي تطبقها السلطات الألمانية لحماية المحادثات الحساسة بين المسؤولين فيها، كما يفتح الباب واسعا أمام الشك بأن خطط ألمانيا باتت مكشوفة وعارية أمام الروس الذين ربما يكونون قد تنصتوا على مكالمات أكثر سرية واستخرجوا منها الكثير من المعلومات.

من جهته، حذر رودريش كيسفيتر من حزب المحافظين المعارض في ألمانيا من احتمال تسريب مزيد من التسجيلات. وقال لقناة “زي دي إف” الألمانية “من المؤكد أنه تم التنصت على عدد من المحادثات الأخرى وقد يتم تسريبها في وقت لاحق لصالح روسيا”. وأضاف أنه يمكن الافتراض “أن روسيا سربت المحادثة عمدا في هذا الوقت بنية محددة (…) هي منع ألمانيا من تسليم صواريخ توروس”.

صواريخ “توروس” طويلة المدى الفائقة الدقة

حتى هذه اللحظة، امتنع المستشار الألماني أولاف شولتس عن تلبية أماني أوكرانيا بالحصول على صواريخ “توروس” القادرة على إصابة أهداف على بعد ما يصل إلى 500 كيلومتر، وذلك خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد النزاع وإثارة توترات إضافية مع روسيا. ويعتبر شولتس حصول أوكرانيا على صواريخ من طراز ستورم شادو/سكالب التي يبلغ مداها 250 كلم من فرنسا وبريطانيا كافيا لكييف. كما أن استحواذ كييف على صواريخ توروس الألمانية سيمثل دفعا كبيرا لأوكرانيا التي تكافح لمواجهة القوات الروسية.

وقال شولتس الإثنين إن ألمانيا لا يمكنها اللحاق بركب بريطانيا وفرنسا وتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى لأن الخطوة “لن تكون مسؤولة”. وقال “إنه سلاح بعيد المدى للغاية، وما يفعله البريطانيون والفرنسيون من استهداف ودعم الاستهداف، لا يمكن لألمانيا أن تقوم به”. واستبعد المستشار الألماني تسليح أوكرانيا بصواريخ توروس طويلة المدى إذا استدعى الأمر مشاركة جنود ألمان للمساعدة في تشغيلها.

وكان شولتس قد قال في إحدى المناسبات: “… لا يمكنك تسليم نظام أسلحة بمدى واسع جدا بدون التفكير في كيفية التحكم فيه”. وأضاف “إذا كنت تريد التحكم، وهذا لن يحدث إلا بمشاركة جنود ألمان، فهو أمر غير وارد بالنسبة لي”.

واعتبرت ماري-أغنيس شتراك-تسيمرمان التي ترأس لجنة الدفاع في البرلمان الألماني أن نية موسكو “واضحة”. ولفتت إلى أن شولتس “يتلقى تحذيرات بشأن” تزويد أوكرانيا بصواريخ “توروس”. وقالت لمجموعة فونكه الإعلامية “نحن بحاجة ماسة إلى تعزيز أمننا ومكافحة التجسس لدينا، لأنه من الواضح أننا معرضون للخطر في هذا المجال”.

كما نفت بريطانيا أن يكون لها أي دور مباشر في تشغيل هذه الصواريخ. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية في بيان إن “استخدام أوكرانيا لصواريخ ستورم شادو وعمليات الاستهداف الخاصة بها هو من اختصاص القوات المسلحة الأوكرانية”.

زعزعة استقرار ألمانيا بشن “حرب معلومات”

لكن هل هدف روسيا من وراء هذا التسريب يتمثل فقط في منع ألمانيا من تسليم صواريخ توروس؟

لم ينتظر بوريس بيستوريوس وزير الدفاع الألماني كثيرا للرد على هذا السؤال. فقد اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحد بالسعي إلى “زعزعة استقرار ألمانيا” بعدما انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي الروسية ذلك التسجيل الصوتي المسرب، واتهم موسكو بشن “حرب معلومات” على بلاده.

وقال بيستوريوس لصحافيين في برلين “يتعلق الأمر ببساطة باستخدام هذا التسجيل لزعزعة الاستقرار” في ألمانيا. وأضاف “من الواضح أن ثمة مسعى لتقويض وحدتنا (…) وزرع الانقسام السياسي داخليا وآمل بصدق ألا ينجح بوتين بذلك وأن نبقى متحدين”. وأضاف بيستوريوس قائلا “الحادث أكبر بكثير من مجرد اعتراض ونشر محادثة… إنها جزء من حرب معلومات يشنها (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”. وتابع “إنه هجوم مركب بهدف التضليل”.

ردود الفعل الروسية

غير أن الكرملين قد نفى في أكثر من مناسبة اتهامات من دول أخرى بنشر معلومات كاذبة أو مضللة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الجمعة “نطلب من ألمانيا تفسيرا” دون تقديم تفاصيل عن مخاوفها. ولم ترد السفارة الروسية في برلين على طلب للتعليق أرسل لها عبر البريد الإلكتروني بخصوص هذا الموضوع.

من جهتها، طالبت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ألمانيا بتقديم توضيحات “سريعة” بشأن فحوى التسجيل. وقالت “محاولات تجنب الإجابة على الأسئلة سيُنظر إليها على أنها إقرار بالذنب”.

بدوره، كتب الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي دميتري مدفيديف في منشور على تلغرام “تحول خصومنا القدامى -الألمان- مرة جديدة إلى أعدائنا اللدودين”.

 

فرانس24/ وكالات

Share this content:


اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading