لماذا تهاجم أوكرانيا البنية التحتية للطاقة في روسيا؟

لماذا تهاجم أوكرانيا البنية التحتية للطاقة في روسيا؟


من محطة توزيع الغاز في أوست- لوغا وصولا إلى مصافي تكرير النفط في توابسي وفولغوغراد، لم تكف الطائرات المسيرة الأوكرانية منذ بداية كانون الثاني/ يناير الماضي عن مهاجمة مرافق البينة التحتية للطاقة في روسيا. وحسب إحصاء أعده فريق تحرير مراقبون فرانس24، اشتعلت النيران في ثمانية منها على الأقل بسبب هذه الهجمات. ويعد ذلك وسيلة تستخدمها كييف لإظهار قواتها العسكرية في محاولة لإضعاف الاقتصاد الروسي وفق تقدير بنجامين شميت المختص في شؤون الطاقة.

نشرت في:

10 دقائق

 

مستودع للنفط نشب فيه حريق وتم استدعاء رجال الإطفاء لإخماد النيران: تم التقاط هذه الصورة في بلدة بولفايا في أوبلاست كورسك التي تقع في شرق روسيا في الليلة الفاصلة بين يومي 14 و15 شباط/ فبراير.


أعمدة اللهب ترتفع داخل مستودع نفط في بلدة بولفايا في أوبلاست كورسك التي تقع في شرق روسيان في الليلة الفاصلة بين يومي 14 و15 شباط/ فبراير 2023 (الإحداثيات الجغرافية للصورة 51.611986469916026, 36.49370911024447).

واندلع هذا الحريق بسبب هجوم نفذته طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية وفق محافظ أوبلاست كورسك رومان ستاروفويت. من جهتها، أكدت “مصادر من إدارة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية” في تصريح للموقع الإخباري الأوكرانية “كييف بوست” بأنه الجهاز يقف وراء هذه العملية.


منشور في 15 شباط/ فبراير 2023 على قناة محافظ أوبلاست كورست الروسية في تطبيق تلغرام.

ولا يعد هذا الحادث معزولا، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو حملتها العسكرية ضد منشآت البنية التحتية الطاقية في أوكرانيا وذلك بهدف حرمان المدنيين من الكهرباء، فيما تزايدت في الآونة الأخيرة الهجمات الأوكرانية على البنية التحتية النفطية والغازية الروسية.

وحسب إحصاء أعده فريق تحرير مراقبون فرانس24، منذ بداية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، فقد اندلعت حرائق جزئية في ما لا يقل عن ثماني منشآت طاقية في روسيا من محطات توزيع ومصافي تكرير النفط وصولا إلى مستودعات الغاز والنفط، وذلك إثر هجمات شنتها طائرات مسيرة أوكرانية. وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لا تتبناها بشكل عام السلطات الرسمية في أوكرانيا، إلا أنها دائما ما تنسب إلى كييف من قبل السلطات المحلية الروسية أو من مصادر أوكرانية.

وفي حالتين على الأقل من هذه الهجمات، أعلنت روسيا بأنها أحبطت هجمات شنتها طائرات مسيرة أوكرانية استهدفت منشآت طاقية في البلاد.


منشآت تابعة للبنية التحتية الطاقية في روسيا قيل إنه تم استهدافها بهجمات شنتها طائرات مسيرة منسوبة لكييف وفق مسؤولين محليين روس أو/ و مصادر أوكرانية، وفق إحصاء أعده فريق تحرير مراقبون فرانس24 منذ بداية كانون الثاني يناير 2024. © صورة مراقبون فرانس24

إظهار قوة الضربات الأوكرانية

بالنسبة إلى بنجامين شميت، الباحث في مركز كلينمان حول سياسات الطاقة التابعة لجامعة بنسلفانيا الأمريكية، فإن لهذه الهجمات عدة أهداف، يوضح قائلا:

بادئ ذي بدء، هذه الهجمات تظهر القدرات العسكرية التي لم يكن يملكها الأوكرانيون في السابق حسب اعتقادي – أو على الأقل أنهم لم يعلنوا قدرتهم عليها- ويتعلق الأمر بالقدرة على الضرب في عمق أراضي روسيا الفدرالية. يبدو وكأنهم يريدون أن يظهروا أن الحرب لن تتوقد عند ترويع الأوكرانيين بل ستصل إلى غاية أبواب الكرملين أمام أعين الشعب الروسي.

وكانت أوكرانيا قد استهدفت خلال سنة 2023 مصافي تكرير نفط في روسيا. إلا أنها ومنذ بداية كانون الثاني/يناير الماضي، كثفت من هذه الهجمات النوعية وشملت مدى أبعد. وتقع محطة توزيع الغاز أوست- أولغا التي تعرضت لضربة جوية في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي على بعد أكثر من 850 كيلومترا عن الحدود الفاصلة بين روسيا وأوكرانيا.


تعرضت محطة توزيع الغاز في ميناء أوست-لوغا في شرق روسيا إلى ضربة بطائرة مسيرة في 21 كانون الثاني/ يناير 2024 (الإحداثيات الجغرافية للموقع 59.704758248007224, 28.426261488259676).

وبمثل هذه الضربات على مدى بعيد، تظهر أوكرانيا مدى قدرتها على إيذاء خصمها.

“إذا ما كانت طائرات مسيرة صغيرة لا تحمل سوى خمسة كيلوغرامات من المواد المتفجرة قادرة على الوصول إلى أوست- لوغا فإن ذلك يعني بأن 18 مصفاة تكرير نفط روسية تبلغ طاقة إنتاجها مجتمعة نحو 3.5 مليون برملين نفط يوميا (أكثر من نصف الإنتاج النفطي اليومي في روسيا) باتت أهدافا محتملة”. وفق ما كتبه سيرغي فاكولينكو المختص في شؤوق الطاقي في مركز كارنيغي للسلام الدولي (énergie au Carnegie Endowment for International Peace) وذلك بمقال نشر في مجلة مركز الدراسات الأمريكية.

إضعاف الاقتصاد والمجهود الحربي الروسي

بالنسبة إلى بنجامين شميت، فإن هذه الضربات تحقق هدفا على المدى القريب حيث يقول:

لم تعد بعض المنشآت الطاقية قادرة على التصدير (بسبب هذه الضربات). أوكرانيا تحاول بهذه الطريقة التقليص من العائدات المالية الروسية المتأتية من بيع الطاقة. إنها طريقة تستخدمها كييف لتقليص العائدات والموارد التي تملكها روسيا لتمويل عملياتها العسكرية.

وإليكم دليلا على أهمية صناعة الطاقة في ميزانية الدولة الروسية: إذ أن نحو 45 في المئة من عائدات الدولية الفدرالية الروسية في سنة 2021 متأتية من بيع النفط والغاز، وفق الوكالة الدولية للطاقة.

زد على ذلك أن بعض منشآت البنية التحتية الطاقية التي تعرضت لهجمات في الآونة الأخيرة تحمل أهمية بالغة للإنتاج الروسي. وتعد مصفاة تكرير النفط التابعة لشرطة “روسنفط” الواقعة في توابسي والتي تعرضت لهجوم جوي في 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، من بين أكبر مصافي النفط الروسية الموجودة على سواحل البحر الأسود.


مصفاة النفط في منطقة توابسي في روسيا والتي تعرضت لهجوم جوي في 25 كانون الثاني/ يناير 2024 (الإحداثيات الجغرافية للموقع: 44.11031577049798, 39.10169082220311).

وتقدم مصفاة النفط الروسية في فولغوغراد التي تعرضت لهجوم جوي في 3 شباط/فبراير عبر موقعها الرسمي على الإنترنت بأنها “أول منتج للمواد النفطية في المقاطعة الفدرالية الجنوبية” إحدى ثماني مقاطعات فدرالية في روسيا الاتحادية.


مصفاة النفط في مدينة فولغوغراد في روسيا والتي تعرضت لضربة بطائرات مسيرة أوكرانية في 3 شباط فبراير 2024 (الإحداثيات الجغرافية للموقع 48.49366739598533, 44.61827975246023.

وبالنسبة إلى محطة توزيع الطاقة في أوست- لوغا، فإنها كانت تصدر بالاشتراك مع محطة بريمورسك نحو 1.5 مليون برميل نفط كل يوم في سنة 2023، أي ما يمثل نحو 40 في المئة من الصادرات الروسية الجملية عبر البحر، وفق تقديرات وكالة الأنباء الاقتصادية الأمريكة بلومبيرغ.

وبالنسبة إلى كييف، فإن هذه الهجمات تستهدف أيضا إحداث خلل مباشرة في المنشآت اللوجستية في روسيا، في الوقت الذي دخلت فيه الحرب في أوكرانيا عامها الثالث. وأكد مصدر رفض الكشف عن هويته لوكالة الأنباء الأوكرانية إنترفاكس بأن الميناء الطاقي في أوست-لوغا تعرض لهجوم لأنه “أكبر منشأة (طاقية) بالنسبة للعدو” حيث كان يتم تصفية نفط يتم توجيه (ضمن وجهات أخرى) إلى القوات الروسية.

إيقاف موقت لعمل المنشآت لتنفيذ إصلاحات

ولكن، ما هي هذه الطائرات المسيرة التي تستخدمها أوكرانيا وهل هي قادرة حقا على إلحاق أذى كبير؟

في 18 كانون الثاني/ يناير الماضي، وبعد هجوم استهدف ميناء تصدير الطاقة في سان بطرس بورغ -التي أعلنت روسيا أنها أحبطته- أكد وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني أولكسندر كاميشين، في تصريح لوكالة الأنباء الأوكرانية بأن جيش بلاده استخدم طائرات مسيرة تم تصنيعها محليا.

وحسب تقرير مصور أعدته قناة فرانس24 وتم بثه في أواخر سنة 2023، فإن تصنيع الطائرات يعرف طفرة هائلة في أوكرانيا، ولكنها لا تتم على مستوى مركزي. حيث تملك البلاد أكثر من 200 مؤسسة تنتج هذه المسيرات.

وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، أكدت أكشارا باراكالا الباحثة في مؤسسة “جاينس” المتخصصة في المعلومات الاستخباراتية حول شؤون الدفاع، بأن كلا من أوكرانيا وروسيا تستخدمان طائرات مسيرات تم تصنيعها محليا بالإضافة إلى مسيرات يتم توريدها من بلدان أخرى.

في معظم الحالات، تم إخماد الحرائق التي اندلعت إثر هجمات الطائرات المسيرة هذه بشكل سريع، وفق السلطات الروسية التي تؤكد بأنها لم تتسبب سوى بأضرار جزئية على هذه المنشآت الطاقية ولم تؤد إلى سقوط ضحايا.

لكن في المقابل، فإن مجرد ضرر جزئي في مصفاة نفط يمكن أن يكون لها تداعيات وخيمة وفق تقدير بنجامين شميت الذي يوضح قائلا:

حتى لو أن هذه الضربات الجوية لا يمكن أن تدمر كليا مصافي تكرير النفط، فإنها قادرة على إلحاق ضرر بموقع حيوي في منشأة طاقية تضم قطع ومحتويات لا يمكن لروسيا الحصول عليها بسبب العقوبات الغربية. وبالتالي، فإن ذلك يمكن أن يبطئ أو حتى يمنع في بعض الحالات عملية إصلاح هذه المنشآت.

علاوة على ذلك، تسببت الضربات الجوية الأوكرانية في توقف موقت للمنشآت الطاقية المستهدفة. ففي محطة توزيع الغاز في أوست لوغا، التي تعرض لهجوم بمسيرات في 21 كانون الثاني يناير 2024، لم يتم استئناف عملية شحن المحروقات إلا في 24 كانون الثاني يناير الماضي وعملية تحويل الغاز في 11 شباط/فبراير الجاري، وفق وكالة رويترز البريطانية للأنباء.

وبعد أن تعرضت لأضرار بسبب الهجوم الأوكراني في 25 كانون الثاني/ يناير، فإن مصفاة تكرير النفط في توابسي ظلت متوقفة عن العمل إلى غاية 19 شباط/ فبراير على الأقل، وفق تأكيد مصدر ذكرته وكالة بلومبيرغ.

انخفاض إنتاج الطاقة في روسيا

في كل الأحوال، يبدو أن هذه الضربات تسببت في إلحاق ضرر بالإنتاج الطاقي في روسيا.

إذ تؤكد معطيات لوكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية، أن روسيا قامت بتكرير نحو 5.16 مليون برميل نفط كل يوم خلال السبوع الثاني من شهر شباط/فبراير الماضي، أي ما يعني كميات أقل بـ380 ألف برميل نفط يوميا خلال معظم فترات شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أي قبل أن تبدأ القوات المسلحة الأوكرانية باستهداف مصافي تكرير النفط الروسية.

وبغض النظر عن تأثير هذه الهجمات الأوكرانية على روسيا، فإن ضربات جوية أوكرانية متكررة يمكن أن تؤدي أيضا في نهاية المطاف إلى تأثيرات شاملة على توزيع الطاقة حول العالم، وذلك باعتبار أن روسيا تعد ثالث أكبر منتج للنفط في العام ومزود رئيسيا للطاقة لدول كثيرة مثل الصين والهند. وتتسبب هذه الهجمات الأوكرانية أيضا في إضفاء جو من الشكوك داخل سوق النفط، الذي يعاني أصلا من اضطرابات بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية التي تمر عبر الأحمر، على خلفية الحرب في غزة.

حرر هذا المقال: ليز كينرمان



Share this content:


اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading