أثار مشروع قانون بشأن مراقبة وتمويل الجمعيات في تونس جدلا واسعا وانتقادات كثيرة، إذ حذر بعضها من أن يتسبب النص المعروض للمناقشة على البرلمان في “فقدان تونس مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به”. القانون الذي اقترحه نواب تونسيون داعمون للرئيس قيس سعيّد سيتيح لوزارة الشؤون الخارجية منح التراخيص للمنظمات والجمعيات ومراقبة تمويلاتها.
نشرت في:
5 دقائق
تتخوف جمعيات مدنية في تونس المتعثرة اقتصاديا من التداعيات المحتملة لمشروع قانون ينظم إنشاء الجمعيات وتمويلها، حيث تدعم الكثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات.
ويفترض أن يحل المقترح الجديد مكان قانون 88 الذي أقر في أيلول/سبتمبر 2011 وسمح بإنشاء حوالي 25 ألف منظمة وجمعية شكلت حلقة مهمة في مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وينص مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية وتراقب تمويلاتها.
تقدم بمشروع القانون عشرة نواب من الداعمين للرئيس قيس سعيّد الذي هاجم في مناسبات عدة نشاط بعض الجمعيات “المشبوه” واعتبرها امتداد “لأطراف خارجية” في تونس خصوصا فيما يتعلق بالتمويل.
أثار النص حفيظة منظمات حقوقية تونسية ودولية على حد سواء.
فنددت “منظمة العفو الدولية” بـ”التراجع المتزايد للحقوق” في تونس منذ قرر سعيّد في صيف 2021 احتكار السلطات في البلاد وتغيير الدستور وحل البرلمان السابق.
وتشكل جمعية “شانتي” التي تنشط في مجال الحرف والصناعات التقليدية، واحدة من المنظمات التي تعبر عن مخاوف من بعض فصول مشروع القانون الجديد.
“الحفاظ على مكسب الحريات”
يقول مهدي البكوش مدير “شانتي” التي تعتمد غالبية موازنتها على تمويلات خارجية، “نحن حذرون بشأن ما سيحدث”، لا سيما مع إدراج القانون الجديد لمسألة التراخيص المسبقة التي يجب طلبها من السلطات للحصول على أموال من الخارج.
وبالإضافة إلى متجر الصناعات التقليدية حيث تباع منتجات 60 حرفيا (من السجاد والفخار والأثاث)، توظف جمعية “شانتي” نحو “22 عاملا بدوام كامل” و”ندعم حوالي مئة مشروع” في جميع أنحاء البلاد وفي قطاعات مختلفة منها السياحة والزراعة.
ويوضح البكوش “من المهم الحفاظ على مكسب الحريات التي حققتها الجمعيات ومواصلة التطوير للحصول على التمويل الوطني أو الدولي”، مؤكدا أنه منفتح على تنظيم القطاع ولكن في إطار “حوار متواصل” مع السلطات.
ويرى أن تطوير قطاع الجمعيات “يوفر آلاف فرص العمل، ويؤثر أكثر من ذلك في آلاف الأشخاص بشكل مباشر” في حياتهم اليومية.
تعمل زهرة الزيمومي البالغة 38 عاما وأم لطفلتين، في نسج السجاد بمنطقة نفطة (جنوب) وتبيعها في تونس العاصمة، ما يتيح لها “الحصول على راتب شهري منتظم” تستخدمه “لدفع إيجار منزلها وضمان حياة كريمة”.
يعتبر رئيس “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” باسم الطريفي أن “تونس قد تفقد مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به” إذا تم تعديل قانون 88 بشكل جذري.
ويؤكد “بحسب دراسة قمنا بها، فإننا من خلال الحد من الموارد المالية للمجتمع المدني، قد نخسر حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر” ومئة ألف فرصة عمل غير مباشرة.
لكن تونس دخلت في ركود اقتصادي نهاية 2023 ونسبة البطالة تتجاوز 16% وحتى 40% بين الشباب.
نظام “التراخيص المسبقة”
والموازنة العامة للدولة التونسية مثقلة بالديون (80% من الناتج المحلي الإجمالي) وتوجه أساسا لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والعام ولا تملك التمويلات الكافية لدعم الجمعيات.
ويكشف الطريفي أن “النية تتجه اليوم من خلال هذا القانون إلى التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية”.
يشاركه هذه المخاوف والتوجس، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي، كليمان نياليتسوسي فول الذي زار تونس في الفترة الأخيرة.
ودعا المسؤول الأممي إلى اعتبار “مرسوم 2011 من مكتسبات الثورة التي يجب الحفاظ عليها”، مؤكدا في تصريحات من تونس أن نظام “التراخيص المسبقة الجديد (لإنشاء الجمعيات) يعطي صلاحيات مفرطة للسلطة التي يمكنها، وفق أجندتها رفض الترخيص لإنشاء جمعية”.
وقانون تشكيل الجمعيات الحالي والذي يقوم على أساس اخطار السلطات، يتيح للسلطات مراقبة “أجندة المنظمة وما إذا كان هناك خطر أمني داهم” من خلال نشاطها، بحسب المسؤول.
كان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011 وخصوصا خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.
ودعا مقرر الأمم المتحدة إلى “أن تفتح السلطات نقاشا مع المجتمع المدني” مشيرا إلى “مشكلة عدم التشاور” بشأن مراجعة المرسوم 88.
فرانس24/ أ ف ب
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.