من كحل العيون مرورا بأحمر الشفاه وصولا إلى “أقراص تجديد المهبل”، يمكن للنساء في أفغانستان، حيث تحكم حركة طالبان، العثور على أنواع مختلفة من مواد التجميل المعروضة على الإنترنت رغم الحظر المفروض على صالونات التجميل في كامل أنحاء البلاد. ومع القيود الشديدة المفروضة على النساء، توفر صفحات تجارة إلكترونية عبر إنستاغرام وتلغرام خدمات توصيل سرية إلى البيوت.
نشرت في:
7 دقائق
بعد أن عادت طالبان إلى السلطة في أفغانستان منذ صيف 2021، كانت النساء -كما كان متوقعا- مستهدفات بقرارات الحركة. في البلاد، تم إجبار النسوة اللاتي كن يعملن في القطاع العام على البقاء في بيوتهن ومن ثم تم فرض نفس الأمر على العاملات في القطاع الخاص. وتم منع الفتيات من ارتياد المدارس، والطالبات من الدخول إلى الجامعات.
وفي تموز/ يوليو 2023، قررت الحركة إغلاق صالونات التجميل في جميع أنحاء البلاد. وتُعتبر كل هذه الأمور -أي عمل المرأة ودراستها والخروج متبرجات في الأماكن العامة- “حراما” وفق تقدير طالبان وأصبحت ممنوعة وفق قراءة الحركة المتشددة للإسلام.
وعلى الرغم من أن النساء الأفغانيات أجبرن على تغطية أجسادهن من الرأس إلى القدمين ومنعن من الذهاب إلى المتاجر، ما تزال المواد التجميلية متوفرة على نطاق واسع في المحلات التجارية في القرى والمدن وعبر الإنترنت.
“في بعض الأحيان يسألني أعضاء في طالبان عن شراء أحمر شفاه لزوجاتهم”
زيبا (اسم مستعار)، شابة أفغانية تعيش في مدينة هيرات وتدير موقعا إلكترونيا لبيع الملابس، تقول إن طالبان قامت بإقصاء النساء من الأماكن العامة ومنعهن من العمل والدراسة لكن سوق مواد التجميل يلقى رواجا واسعا. وتوضح قائلة:
حرمتنا حركة طالبان من كل شيء. وإذا ما تركت محلات مواد التجميل مفتوحة إلا لسبب واحد وهو أن أعضاءها يريدون شراء هذه المنتجات حتى يتمكن النساء في عائلاتهم من الظهور بمظهر جميل وراء الأبواب الموصدة. كثيرا ما رأيت أعضاء في حركة طالبان يأتون لمحلات بيع مواد التجميل لشراء أحمر شفاه لزوجاتهم. حتى أن عددا منهم طلب مشورتي. سوق مواد التجميل في هيرات ليس ممنوعا. ويوجد لدينا بعض العلامات التجارية المعروفة وهي نفسها توفر المنتوجات كما كان الأمر قبل استحواذ طالبان على السلطة.
ولا يوجد فقط محلات تجارية تقليدية في المدينة، بل هناك عدد كبير من مواد التجميل المعروضة على الإنترنت. ومنذ عودة طالبان إلى الحكم، تزايد عدد مواقع بيع مواد التجميل على الإنترنت بشكل كبير. ويقوم التجار ببيع بضائعهم على تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل إنستاغرام وتلغرام.
إنه سوق كبير. فعلى الرغم من أن كثيرا من النساء لا يملكون أصلا كثيرا من المال لشراء الطعام، فإن مواد التجميل تحافظ على مكانها في سلة مقتنياتهن وهو أمر مثير للأسف نوعا ما. وفي ظل هذا الوضع، ومنذ عودة حركة طالبان إلى السلطة، تخير كثير من النسوة شراء مواد التجميل عبر الإنترنت إما لأنهن لا يردن الخروج من البيت أو أن أزواجهن أو آباءهن لا يسمحون لهن بالخروج إلى الشارع. ورأين أنه من المناسب لهن شراء طلباتهم عبر الإنترنت. ويقوم تجار الإنترنت بإيصال طلباتهم واستخلاص ثمنها عند أبواب بيوتهن.
ويظهر بحث على إنستاغرام وعلى قنوات أفغانية في تطبيق تلغرام عددا كبيرا من تجار عبر الإنترنت يبيعون مواد تجميلية وصحية يمكن أن يثير عدد منها شكوكا حول تأثيرها على الصحة. إذ يعرض بعض التجار “مواد تبييض البشرة” حتى أن بعضهم يقول “إنها صنعت في فرنسا” وتحتوى على “كولاجين البروتين”. وتجدر الإشارة إلى أن “مراهم تبييض البشرة منعت في بعض الحالات من الأسواق الأوروبية”. وحذر “الاتحاد المحلي الحكومي في إنكلترا وويلز” في بيان صدر خلال عام 2019 من أنه يجب أن يتم “حظر” مراهم تبيض البشرة “مهما كان الثمن”.
يعرض تجار مواد تجميل آخرين عبر الإنترنت أقراص “تجديد مهبلي” مجهولة المصدر ويبدو أنها صنعت في إيران ولا أحد يعلم مكوناتها. ويقال إن هذه الأقراص المهبلية تعطي “انتعاشا وترطيبا” للمهبل. ووفقا لعدد كبير من الدراسات المنشورة، فإن أقراصا من هذا الصنف قد تتسبب في حروق كيماوية خطيرة.
حتى قبل عودة طالبان إلى الحكم لم تكن هناك رقابة، والوضع بات أسوأ اليوم. تردف زيبا قائلة:
مع أن توفر بضائع التجميل هذه يمكن أن ينظر إليه على أنه خبر سعيد للنساء في أفغانستان، فإنه ليس كذلك لأن الغالبية الساحقة من هذه المنتوجات التجميلية المعروضة في المحلات أو عبر الإنترنت هي منتوجات مزيفة. وأغلبية النساء لا يعلمن المخاطر على صحتهن جراء استخدام هذه المواد.
حتى قبل عودة حركة طالبان إلى السلطة، لم تكن هناك عملية رقابة أو تحقق فعلي من جودة البضائع المعروضة في متاجر مواد التجميل. وبعد سيطرة طالبان على السلطة بات الوضع أسوأ، إذ إنه لا وجود لأي طرف يتولى التحقق من أن مواد التجميل هذه أصلية أو مزيفة وما إذا كانت تحمل مخاطر على صحة البشر أم لا.
في الجانب المقابل، فإن هذه المنتوجات المزيفة أرخص بكثير وهو ما يجعل الناس قادرين على اقتنائها. حتى أن الناس الذين يقومون بشرائها لا يعلمون لماذا يتوجب عليهم دفع مال أكثر لشراء “نفس المنتوج” عندما يكون متوفرا بسعر أقل.
وتكشف زيبا عن بدائل “آمنة” عثرت عليها لشراء ما تحتاجه في هذا السوق المليء بالمنتوجات الرديئة وتقول:
أشتري مواد تجميل من تجار عبر الإنترنت ولكني أعلم أصل هذه المنتوجات. فكل المنتوجات التي أقتنيها صنعتها نساء أفغانيات هنا في أفغانستان، وكلها متكونة من مواد عضوية. وفي حال عدم توفر منتوج يمكن شراؤه من الإنترنت، أقوم بشرائه من السوق. أشترى مواد تجميل إيرانية معروفة وأعتقد أنها ليست مزيفة. وبالتأكيد فإن ثمنها أعلى من باقي المنتوجات.
لا توجد إحصائيات دقيقة بشأن قيمة سوق مواد التجميل الرسمية وغير النظامية في أفغانستان. ولكن وفي تصريح نادر من نوعه في سنة 2014، قال مدير إدارة الاستهلاك في أفغانستان إنه – بعد السجائر- فإن مواد التجميل تمثل ثاني أكبر مواد موردة في البلاد، وتمثل ما قيمته 15 في المئة من مجمل واردات البلاد.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.