فإلى جانب زراعة الأفيون، تعصف مشكلة تعاطي المخدرات بالأفغان في سائر أنحاء البلاد. والحل الذي تقدمه سلطات الأمر الواقع (سلطات طالبان) لمن يتعاطى المخدرات هو تشجعيه على دخول مراكز للعلاج وإعادة التأهيل، تعج بمشاهد صادمة لأشخاص أغلبهم يعاني من التشرد وسوء التغذية.
الأمم المتحدة تبذل قصارى جهدها لدعم الشعب الأفغاني.
وهي تعمل ، منذ سيطرة طالبان على السلطة في آب/أغسطس 2021، وفق إطار عمل انتقالي يحصر بشكل كبير عملها على تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية مع تحديد سبل مبتكرة للقيام بأنشطتها التنموية عبر شركائها المنفذين بدون تقديم دعم مباشر لسلطات الأمر الواقع.
بصيص أمل
في قلب طشقند عاصمة أوزبكستان، هناك بصيص أمل للتعامل مع مشكلة المخدرات. فقد أسس المكتب الإقليمي في آسيا الوسطى لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، مركز معلومات لدراسة وتحليل المخاطر العابرة للدول المتعلقة بالمخدرات والجريمة يضم فريقا احترافيا متفانيا.
زميلنا من أخبار الأمم المتحدة عزت الفري زار المركز أثناء مهمة ميدانية صحفية ما بين كابول وطشقند، والتقى العاملين فيه وعلى رأسهم رئيسة المركز، سالوم فلوريس التي أكدت أن مهمتهم واضحة وهي إنتاج معلومات “محايدة وموضوعية ومدرجة بصورة محكمة للأشخاص المناسبين وفي الوقت المناسب”.
وأضافت أن تلك المعلومات ستفسح المجال أمام صناع القرار لاتخاذ قرارات مستنيرة، وستساعد على فهم حجم مشكلة المخدرات في المنطقة وبالأخص في أفغانستان.
رصد الأفيون عن بعد
ويتلقى المركز معلومات من مصادر متعددة بما فيها الحكومات والمصادر المتاحة للجميع ووسائل التواصل الاجتماعي والأبحاث الأكاديمية والإحصاءات ومن الفرق الموجودة على الأرض في أفغانستان.
لكن الأداة الأهم بين تلك المصادر هي الطريقة المنهجية التي صاغها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة على مدار ثلاثة عقود للتعرف على المحاصيل عن بعد. ويعتمد المكتب في هذه الطريقة على صور المسح الأرضي والتصوير المتطور بالأقمار الاصطناعية لتحديد ما يطلق عليه اسم “شارات” للتفريق بين أنواع المحاصيل على الأرض ما يتيح للمكتب تحديد أماكن زراعة الأفيون.
ويعتبر عمل الفريق في مركز المعلومات حساسا للغاية، كما أن حماية المعلومات التي يجمعها مهم جدا لتجنب أي تداعيات كارثية تقع على المزارعين لاسيما في ظل الوضع السياسي الراهن في أفغانستان. وهو ما أكده أليكس نوباجاس جانو مسؤول المعلومات الجغرافية في المركز والذي قال إن المعلومات التي يتم جمعها لا تتم مشاركتها عبر الإنترنت أو الخوادم الحاسوبية.
دور محوري للموظفين الأفغان
ويعمل في مركز المعلومات أربعة موظفين أفغان هم أحد الأركان الأساسية في الفريق. وكان الموظفون الأربعة ركيزة رئيسية لفريق العمل التابع للمكتب في أفغانستان قبل أن ينهي المكتب عمل الفريق هناك.
لكن الموظفين الأربعة التحقوا بالمركز في طشقند ومازالوا على صلة بأفراد الفريق القديم لجمع المعلومات وخصوصا تلك المتعلقة بأسعار الأفيون.
ورغم خطورة العمل في هذا المجال وخصوصا للأفغان، فإن صديقي – وهو اسم مستعار فضل استخدامه أحد الموظفين الأربعة لأسباب أمنية– فخور بعمله لدى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وأعرب عن أمله في أن يصبح كل شيء على ما يرام في المستقبل.
أحمد عصمتي موظف أفغاني آخر يعمل لدى المكتب الأممي منذ 16 عاما.
تحدث عصمتي عن الدور الذي يقوم به المركز قائلا “كنا نعتمد في هذه المهمة في السابق على ما يتداوله المزارعون وشيوخ القرى بشأن زراعة الأفيون. لكن عبر استخدام الاستشعار عن بعد والتعرف على الأفيون عبر صور الأقمار الاصطناعية، لم يعد هناك مجال للتلاعب بالبيانات أو تزييفها”.
مدى فعالية الحظر
تشير التقديرات إلى أن زراعة الأفيون وإنتاجه قد يتراجع بشكل حاد هذا العام بسبب الحظر الذي تفرضه سلطات الأمر الواقع، بعد سنوات من الارتفاع الكبير في الإنتاج.
الممثلة الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أشيتا ميتال قالت لزميلنا من أخبار الأمم المتحدة عزت الفري إن دور المركز المهم ينبع من هذه النقطة، لا للأمم المتحدة والمنطقة والمجتمع الدولي فحسب، وإنما لسلطات الأمر الواقع نفسها.
وأضافت ميتال “كيف سنثبت فعالية الحظر الذي تفرضه طالبان على زراعة الأفيون؟ سيتم هذا عبر دليل موضوعي نستطيع بواسطته أن نقدم الحقيقة للمجتمع الدولي”.
وأوضحت الممثلة الإقليمية أنه من المبكر معرفة نتائج الحظر على زراعة الأفيون والذي سيتطلب سنوات من التحليل بواسطة مركز المعلومات.
ذلك الحظر على زراعة الأفيون يصاحبه تهديد من نوع آخر وهو المؤثرات الأفيونية الاصطناعية والميثامفيتامين والذي تشير التقديرات إلى زيادة الكميات المضبوطة منه في المنطقة بصورة كبيرة.
وقالت الممثلة الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إنه بسبب الحظر على الأفيون فإن “المهربين قد يحاولون استغلال السوق هناك لزيادة انتاج الميثامفيتامين”.
برامج تنمية بديلة
هناك مهام أخرى يقوم بها مركز المعلومات، فهو يلعب دورا بارزا لتحديد مواطن الاحتياج لبرامج تنمية بديلة.
وقالت رئيسة المكتب الإقليمي لوسط آسيا التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، سالوم فلوريس “إذا حددنا الموقع الجغرافي، فيمكننا توجيه الموارد والجهود. نستطيع أيضا فهم مواصفات المنطقة وتضاريسها الجغرافية، لنقترح بدائل لزراعة الأفيون قابلة للتنفيذ”.
لكن الممثلة الإقليمية لوسط آسيا، أشيتا ميتال قالت إن أفضل استثمار يستطيع المجتمع الدولي القيام به هو التعامل مع نقاط الضعف على كل المستويات.
وأضافت أن المهربين سيبحثون دائما عن مواطن الضعف، لذلك فإن “هناك حاجة لبذل المزيد لمكافحة الزراعة والتعاطي”.
مراقبة جميع المخاطر
وعلى مدار عقود، كان يتم تهريب الأفيون من أفغانستان عبر آسيا الوسطى وطرق التهريب الشمالية إلى أسواق أخرى بما فيها أوروبا وجنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط. ومن ثم فإن مراقبة تجارة المخدرات في المنطقة هو أمر غاية في الأهمية.
وقالت رئيسة المركز إن فريقها يعكف أيضا على مراقبة المخاطر العابرة للدول كافة في المنطقة بما فيها الاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة والتعدين غير القانوني والاتجار غير المشروع بالأحياء البرية وتقليد الأدوية.
يذكر أن أفغانستان هي أكبر مورد للأفيون في العالم بنسبة 80 في المائة من الإنتاج العالمي. وفي غياب تنمية مستدامة حقيقية، ستستمر الأنشطة غير المشروعة كوباء يضرب البلاد ويصيب العالم، الأمر الذي يجعل مهمة مركز المعلومات التابع للمكتب الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة محورية في مواجهة تلك التحديات.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.