ارتبط اسم البابا فرنسيس بالدفاع عن المهاجرين في محطات مختلفة. ولا يتردد باستمرار في توجيه انتقاداته المباشرة والمبطنة إلى صناع القرار في أوروبا بشأن سياساتهم في مقاربة ملف الهجرة، الذي قد يغيب عنها البعد الإنساني، وتطغى عليه “المصلحة الذاتية الضيقة”. ويزور البابا الجمعة مرسيليا الفرنسية في لقاء عنوانه الكبير ملف الهجرة والمهاجرين.
نشرت في:
4 دقائق
“البحر الأبيض المتوسط مقبرة أفريقيا”، بهذه العبارة يلخص البابا فرنسيس مأساة المهاجرين القادمين من القارة السمراء نحو “الفردوس الأوروبي”. رجل دين يمتلك حسا مرهفا تجاه هذه الشريحة، ولا يتردد في الدفاع عنها في كل مناسبة منتقدا بشكل مباشر وغير مباشر السياسات الأوروبية التي تدبج دون مراعاة للشق الإنساني في هذا الملف.
فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن يلتهم المتوسط أجسادا غضة لشباب حالم بمستقبل زاهر بالقارة العجوز. ففي هذا المعبر البحري الرئيسي للهجرة، حيث قضى أكثر من 2000 شخص غرقا هذا العام، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، ارتفعت أرقام الوافدين إلى الساحل الإيطالي إلى 126 ألفا منذ بداية السنة، مقارنة بـ 66 ألفا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، حسب أرقام للسلطات الإيطالية.
وتسبب وصول نحو 11 ألف مهاجر قبل أيام إلى إيطاليا، معظمهم في جزيرة لامبيدوزا، زلزالا جديدا في المؤسسات الحكومية والقارية الأوروبية التي سارعت لإعادة النظر في طريقة التصدي للمهاجرين نحو القارة ومحاولة التوصل إلى صيغ ممكنة للتعاون مع روما لاحتواء هذه الأزمة، حيث قررت بروكسل إطلاق خطة أوروبية.
قارة تمزقها الأنانية القومية
لم تكن السياسة الأوروبية حول الهجرة يوما محل إجماع، ومنتقدوها كانت لهم دائما ملاحظات حول نقائص تشوبها.
“المطلوب آلية إنقاذ وتوزيع دائمة…ولكن في الوقت الراهن، لا نرى أي تقدم”، بحسب فنسان كوشتال مبعوث الأمم المتحدة لمنطقة وسط وغرب البحر المتوسط، مضيفا بأسف في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: “صارت الكوارث اليومية هي الوضع الطبيعي الجديد”.
وهذا الوضع السياسي الأوروبي حول الهجرة، يثير إزعاج البابا فرنسيس، الذي ينتقده بشدة. ففي زيارة قام بها في ديسمبر/ كانون الأول 2021 لليونان التي كانت تعتبر إلى عهد قريب أحد المنافذ المهمة للمهاجرين الوافدين على أوروبا مرورا من تركيا، انتقد ما أسماه قارة “تمزقها الأنانية القومية”.
واعتبر البابا أن المجتمع الأوروبي “يواصل المماطلة” و”يعاني كما يبدو في بعض الأوقات من العجز وانعدام التنسيق” بدلا من أن يكون “محركا للتضامن” في مسألة الهجرة.
وعندما زار جزيرة ليسبوس اليونانية في نفس الفترة، أي ديسمبر/ كانون الأول 2021، كان واضحا في انتقاداته لـ”المصلحة الذاتية الضيقة والقومية” الأوروبية التي “تقود إلى عواقب كارثية”، داعيا إلى التركيز على أسباب الهجرة مثل “الحروب المنسية” عوض تسليط العقاب على أولئك الذين يتأثرون بنتائجها.
ورقة المهاجر واستغلالها سياسيا؟
ورقة المهاجرين كانت دائما تستغل من أطراف سياسية لأغراض انتخابية بحسب المراقبين. “إنه من السهل التأثير على الرأي العام من خلال زرع الخوف من الآخر”، قال البابا يوما، معتبرا أن “الأسباب البعيدة يجب مهاجمتها، وليس الفقراء الذين يدفعون ثمن العواقب ويتم حتى استغلالهم لأغراض الدعاية السياسية”.
ويحث البابا منذ سنوات على اعتماد مقاربة إنسانية في التعاطي مع ملف الهجرة والمهاجرين بدل الانسياق وراء الأطروحات السياسوية المتشددة. ففي 2013، عند زيارته الشهيرة إلى لامبيدوزا، ألقى خطابا تاريخيا، قال فيه: “ثقافة الرفاهية تجعلنا نفكر في أنفسنا وتجعلنا لا نشعر بألم الاخرين”، داعيا إلى “المسؤولية الأخوية” وإلى إدانة “عولمة اللامبالاة”.
وبزيارته الجمعة إلى مرسيليا، يختتم البابا النسخة الثالثة لاجتماعات البحر الأبيض المتوسط، بعد باري في العام 2020 وفلورنسا في 2022، مواصلا بعث رسائل حول المهاجرين لاعتماد سياسات أوروبية أكثر إنسانية مع هذه الفئة.
ومن حين لآخر، يستفز البابا الضمير الأوروبي لإعادة النظر في الأسلوب المعتمد تجاه هذه الشريحة، وتجاوز الفهم السياسي المنغلق للأزمة، كما حصل في يوليو/ تموز الأخير عندما صرح: “إن موت الأبرياء خاصة الأطفال بحثا عن حياة أكثر سلاما بعيدا عن الحرب والعنف، هو صرخة مؤلمة تصم الآذان لا يمكن أن تتركنا غير مبالين”، موجها اللوم للمجتمعات التي لا تتحرك أمام هول مآسي المهاجرين: “عار على المجتمع، لم يعد يحزن على الأخرين ويشفق عليهم”.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.