يبدو أن جزءا من المجتمع الدولي كان متفاجئا من ترسانة الأسلحة الحربية الكبيرة التي تملكها الفصائل الفلسطينية المسلحة من صواريخ وطائرات مسيرة وبنادق وذخائر أخرى. وبالرغم من ذلك، فإن رؤية هذه الأسلحة في أيدي قوات النخبة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي ليس بالجديد. إذ إن هاتين المنظمتين عرضتهما واستخدمتهما في وقت سابق، وقد حصلت على معظمها من إيران أو تم تصنيعها في غزة انطلاقا من نماذج إيرانية وجزء آخر صغير متأتي من سوريا وكوريا الشمالية.
بطريقة وحجم غير مسبوقين، أودى هجوم حركتي حماس والجهاد الإسلامي على إسرائيل انطلاقا من قطاع غزة إلى مقتل أكثر من 1300 شخص من الجانب الإسرائيلي وآلاف الجرحى والمفقودين.
وأكد مسؤولون إيرانيون، من بينهم شخصيات سياسية وعسكرية في عدة تصريحات أن طهران تقدم دعما اقتصاديا ولوجيستيا لحركة المقاومة الإسلامية حماس. وفي الجانب الفلسطيني، لم تتوان سلطات الحركة في غزة عن تقديم الشكر علنا للقادة الإيرانيين في طهران على دعمهم.
“جزء من هذه الأسلحة تم ابتكارها انطلاقا من أسلحة إيرانية وتم تصنيعها داخل قطاع غزة“
وسيم نصر صحافي فرانس24 المتخصص في الجماعات الجهادية يقول:
في كل مقاطعها المصورة الحديثة، لم أر أسلحة جديدة أو تكنولوجيات حديثة تستخدمها حماس. فقد شاهدنا هذه الأسلحة في السابق في هجمات ضد أهداف إسرائيلية أو مقاطع فيديو لتدريبات مقاتلي حماس والفصائل الإسلامية الأخرى.
تم إدخال هذه الأسلحة بطريقة سرية إلى قطاع غزة باستخدام الأنفاق. قطاع غزة يعاني حصارا منذ عدة أعوام وتم تمرير الأسلحة مع بضائع أخرى مهربة مثل الغذاء والأجهزة المنزلية.
جزء آخر من هذه الأسلحة تم ابتكاره انطلاقا من أسلحة إيرانية وتم تصنيعه داخل قطاع غزة التي تمد الفصائل الفلسطينية بمخطط تصنيعها وتقدم الدعم التقني من الخارج.
وصرح قائد حركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة في حوار في شهر أيار/مايو الماضي بأن “كل مهندسي حركتي الجهاد الإسلامي وحماس تلقوا تدريبا في إيران” مضيفا أن “قاسم سليماني (القائد السابق لفيلق القدس في جهاز الحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل في بداية سنة 2020 في بغداد) هو العقل المدبر لإدخال إنتاج هذه الصواريخ في غزة”.
يحيى السنوار قائد حماس في غزة أكد بدوره في خطاب في شهر أيار/مايو 2019 بأن كل الأسلحة التي تملكها الحركة جاءت من إيران “فلنكن واضحين، من دون إيران، فإن مقاومتنا لا يمكن أن توجد، نحن لا نملك القدرات وشعوبنا (فريق التحرير: حكومات الدول العربية) كانت ستتركتنا في اللحظات العصيبة، ولكن إيران قدمت لنا المساعدة وزودتنا بالأسلحة والدعم اللوجيستي والتدريب والدعم التقني”.
بهدف توثيق مصدر هذه الأسلحة التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية ضد الإسرائيليين، قام فريق تحرير مراقبون فرانس24 بالتدقيق في مقاطع فيديو نشرها مواطنون وأخرى من حسابات رسمية للفصائل المسلحة في قطاع غزة على وسائل التواصل الاجتماعي.
راجمات قذائف وصواريخ وألغام
في هذا المقطع المصور الذي نشرته حركة حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، يوم تنفيذها الهجوم المباغت على إسرائيل، نرى راجمة قذائف من صنع إيراني ويتعلق الأمر براجمة قذائف “أم 48” والتي تطلق قذائف من عيار 120 مليمتر وهي من صنع إيراني.
ويمكن لنا أن نرى راجمات القذائف هذه من صنع إيراني في مقاطع فيديو دعائية لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس. على سبيل المثال، في هذا المقطع المصور، الذي نشرته حركة حماس في أيار/مايو 2020، نرى بالضبط نفس هذا النوع من القذائف التي تم تصنيعها في إيران خلال عام 2007 وفق الوصف الموجود على المقذوفة.
في هذه الصورة التي نشرها الإسرائيليون بعد غارة جوية على مجموعة من مقاتلي الكومندوس التابع لحركة حماس داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، نرى أسلحة عثر عليها في الشاحنات التي نقلت أفراد كومندوس حماس، ويوجد على الأقل نوعان من الأسلحة التي تم تصنيعها في إيران.
وفي مقاطع فيديو قديمة نشرتها حركة حماس على غرار مقطع فيديو في سنة 2014 والذي التقطنا منه صورة تظهر أن ذراعها المسلحة يملك هذا النوع من الصواريخ منذ نحو عشرة أعوام.
وشاركت كتائب القدس، الذراع المسلحة لحركة الجهاد الإسلامي في الهجوم المباغت على إسرائيل. وفي مقطع فيديو نشره الفصيل المسلح على وسائل التواصل الاجتماعي، قيل إنه يظهر الهجوم المفاجئ على هدف إسرائيلي في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، نرى مقاتليها يستخدمون صاروخا آخر مضادا للدبابات من طراز راد- تي Ra’d-T من صنع إيراني، وبالتحديد نسخة 9 إم 14 ماليوتكا 9M14 Malyutka، وهو صاروخ موجه مضاد للدبابات تم تطويره في الاتحاد السوفياتي السابق.
تم العثور على صاروخ آخر من صنع إيراني بعد هجوم حماس ويتعلق الأمر بطراز “مانبادس ميساغ “MANPADS Misagh”. وفي مقطع فيديو نشره الإسرائيليون بعد معركة ضد كومندوس من حماس، نرى بقايا صواريخ من هذا الطراز.
تلقت الفصائل المسلحة في غزة عدة أنواع من الصواريخ الإيرانية ذات المدى القصير على مدى عدة عقود ويتعلق الأمر بالخصوص بصواريخ من طراز فجر 3 وفجر 5 وزلزال. في هذا المقطع المصور الذي نشر في شهر أيار/مايو 2021، تقدم حماس صاروخا من طراز “عياش 250” وهو في الحقيقة نسخة من صاروخ إيراني الصنع من طراز “زلزال.
طائرات مسيرة
حسب مقاطع فيديو نشرتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي خلال الهجوم المباغت على إسرائيل، يبدو أن هذه الفصائل المسلحة استخدمت طائرات استطلاع مسيرة أو طائرات مسيرة انتحارية؟
وتطلق حركة حماس على هذه الطائرات المسيرة اسم “شهاب” ولكن الأمر يتعلق في الحقيقة بنسخة من “أبابيل 2″ وهي طائرة مسيرة إيرانية الصنع استخدمتها عدة مجموعات متحالفة مع طهران في الشرق الأوسط وذلك تحت أسماء مختلفة. ويطلق عليها الحوثيون في اليمن على سبيل المثال اسم ”قاصف 2 كيو”.
وطائرة “أبابيل 2” المسيرة هي سلاح قديم الطراز صنع في إيران منذ نحو 15 عاما. وتملك إيران طرازات حديثة أكثر تطورات على غرار “شاهد 131” و136 والتي تستخدمها روسيا في الحرب على أوكرانيا.
ومرة أخرى، فإن استخدام الحركات الفلسطينية لهذه الطائرة المسيرة في نزاعها مع إسرائيل ليس جديدا. إذ إن كتائب عز الدين القسام نشرت صورا تؤكد امتلاكها لهذه الطائرة المسيرة بل استخدمتها أصلا في هجمات ضد أهداف في داخل إسرائيل.
يظهر هذا التسجيل المصور الرسمي الذي عرضته حركة حماس في شهر أيار/مايو 2021 بأن الحركة حصلت على هذه الطائرة المسيرة وأنها قادرة على استخدامها.
وكانت حركة حماس قد هاجمت في أيار/مايو 2021 مصنعا كيماويا قرب نير عوز في إسرائيل باستخدام هذه الطائرة المسيرة.
ونشرت كتائب عز الدين القسام مقطع فيديو يظهر طائرة مسيرة تم استخدامها في هجمات داخل إسرائيل. وتطلق كتائب عز الدين القسام على هذا الطراز القديم من الأسلحة الجوية اسم “صياد” أو “شاهد إكس” فيما يطلق عليه الحوثيون في اليمن اسم ”صمد 1″ وتستخدم هي الأخرى هذه الطائرات المسيرة الانتحارية.
وتبين أيضا أن حركة الجهاد الإسلامي تمتلك هذا النوع من الطائرات المسيرة الإيرانية. على سبيل المثال، وخلال عرض عسكري في 4 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قدمت كتائب عز الدين القسام هذا النوع من الطائرات المسيرة.
البنادق النارية
في النهاية، من المعروف أن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تستخدم بنادق نارية إيرانية الصنع على غرار بندقية “صياد” المضادة للآليات التي صنعت في إيران.
كما تم العثور على نسخ من رشاشات آلية إيرانية وصينية الصنع في جنوب إسرائيل بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر المباغت.
الطائرات الشراعية ذات المحركات
إنها من بين أكثر الصور التي جذبت الأنظار في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري لحركة حماس على إسرائيل، ويتعلق الأمر باستخدام طائرات شراعية مزودة بمحرك كطائرات نقل مقاتلين لأهداف عسكرية.
ويبدو أن الفكرة مبتكرة لكن فيلق “صابرين” وهي قوات النخبة في جهاز الحرس الثوري الإيراني استخدمت هذا الأسلوب في السابق.
“نحن ندعم الفلسطينيين لكننا لسنا من أشرف على هجوم حماس”
بمناسبة اجتماع مع قادة حركة حماس في طهران في 22 تموز/يوليو 2019، قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي “الفلسطينيون يجب أن يشعروا أنهم في تطور، وذلك لأنهم يستخدمون صواريخ دقيقة عوض استخدام الحجارة (على الإسرائيليين)” وهو تصريح يلمح إلى أن إيران تبيع أسلحة لحركة حماس.
ولكن في معرض تعليقه في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على هجوم حركة حماس على إسرائيل ودعمه للحركة، نفى خامئني أي دور للنظام الإيراني في تنظيم العملية إذ قال: “خلال الأيام الماضية، أكد بعض المسؤولين في النظام (الإسرائيلي) أن إيران كانت وراء هذه الهجمات، ولكنهم مخطئون. نحن ندافع عن فلسطين.. ولكن ما حدث كان من صنع يد الفلسطينيين أنفسهم”.
“الجديد الوحيد في عملية حماس هو التنظيم والتخطيط”
يعود وسيم نصر ليقول:
الجديد الوحيد في عملية حماس هو التنظيم والتخطيط. إذ إنهم نفذوا هجمات متزامنة ضد 30 موقع مراقبة إسرائيليا على السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الإسرائيلية وداهموا 11 موقعا عسكريا داخلها، وتم تنسيق الهجمات بين فصائل مسلحة مستقلة.
ولكن ما قاموا به ضد نقاط مراقبة عسكرية ليس بالأمر الخارق للعادة، فقد استخدموا طائرات مسيرة غير مسلحة لإلقاء قنابل صغيرة وهو ما نراه في سوريا منذ عدة أعوام. كان تنظيم “الدولة الإسلامية” أول من استخدم هذا الأسلوب. كما تم استخدام هذه الطريقة في عمليات في أوكرانيا وفي نزاعات أخرى كثيرة حول العالم.
يبدو أن حماس بدأت في الإعداد لهذا الهجوم منذ شهر أيار/مايو من العام الماضي. وفي أيار/مايو 2023، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها نفذت هجوما على إسرائيل وبشكل مفاجئ لم تشارك فيه حركة حماس مظهرة أنها لا تريد تأزيم الوضع قبل أن تكون في أتم الاستعداد لهذه “المفاجأة الكبيرة”.
إيران تدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي منذ عدة عقود من خلال تقديم المال والسلاح والتدريب والدعم التقني. إنه أسلوبهم المعتاد في دعم حلفائها كما فعلوا ذلك مع الحوثيين في اليمن ومع عدة مليشيات في العراق أو حزب الله في لبنان منذ سنة 1982. تملك حركتا حماس والجهاد الإسلامي خاصية أنهما سنيتان وليستا شيعيتين. هل أشرفت إيران على قيادة هذه الهجمات؟ لا أعتقد أن أحدا بإمكانه معرفة ذلك.
Share this content: