توقف “قطار تطبيع” دول عربية علاقاتها مع إسرائيل عند السعودية التي كانت على أهبة لركوبه بدورها بعد كل من الإمارات، البحرين، السودان والمغرب. وهذا التوقف كان قبل أيام ظرفيا في انتظار استكمال بقية الشروط لهذا “التطبيع التاريخي” برعاية أمريكية، إلا أن المعطيات والظروف تغيرت حسب بعض المراقبين بعد الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السبت على إسرائيل وإعلان تل أبيب أنها في “حالة حرب”. فهل ستتأثر فعلا علاقات الدول العربية المطبعة مع تل أبيب بهذا الوضع الجديد في المنطقة؟
نشرت في:
8 دقائق
هل سيتعطل “قطار تطبيع” دول عربية علاقاتها مع إسرائيل؟ هو السؤال الذي يطرحه مراقبون اليوم مع تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وحماس إثر هجوم الحركة في السابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي و950 فلسطينيا حسب آخر الإحصائيات الأربعاء.
وقوبلت حملة تطبيع دول عربية علاقاتها مع إسرائيل بانتقادات من الجانب الفلسطيني، لا سيما حماس وما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تنضوي تحته إيران وحلفائها في المنطقة. وتنظر طهران إلى عمليات التطبيع من قبل عواصم عربية مع تل أبيب كـ”طعنة في ظهر” الفلسطينيين.
وكانت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان قد طبعت علاقاتها مع إسرائيل في 2020، وهو ما أشاد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام الجمعية للأمم المتحدة في وقت سابق، معتبرا أن العملية أطلقت “عهدا جديدا من السلام”. لكن خطابه الأخير السبت الذي أعلن فيه أن إسرائيل في حالة “حرب” حمل صورة جديدة عن الأجواء المشحونة والخطيرة التي تنتظر المنطقة، والتي قد تعطل “قطار التطبيع”، على الأقل موقتا، في وقت كانت فيه السعودية على أهبة لركوبه بدورها.
“تصعيد خطير”
هذا التصعيد الخطير في المنطقة لم تبق أمامه الدول العربية المطبعة في حالة صمت. فوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أكد “أن الوضع الراهن يتطلب تحركا عاجلا من كافة الأطراف الدولية الفاعلة من أجل تخفيف حدة التوتر والحيلولة دون خروج الوضع عن السيطرة”، داعيا إلى “ممارسة أعلى درجات الحكمة”، كما شدد الوزير الإماراتي “على أهمية تهدئة الأوضاع”.
وقالت وكالة أنباء الإمارات إن “صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة أمر بتقديم مساعدات عاجلة إلى الأشقاء الفلسطينيين بمبلغ عشرين مليون دولار… وذلك في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يمر بها الأشقاء الفلسطينيون”. وأضافت أن هذا الدعم يأتي من خلال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في إطار مواقف دولة الإمارات ونهجها تجاه دعم الأشقاء في مختلف الظروف، ومد يد العون لهم والذي يعد من ثوابت دولة الإمارات”.
لكن أبوظبي لم تترد في انتقاد حماس أيضا. وعبرت عن “استيائها الشديد” إزاء أخذ حركتي حماس والجهاد الإسلامي مدنيين إسرائيليين رهائن في قطاع غزة. وردا على ذلك، كتبت القنصل الإسرائيلية في دبي ليرون زاسلانسكي على حسابها على موقع “إكس” (تويتر سابقا): “نتقدم بخالص الشكر والامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة على بيانها”.
من جانبه، دعا المغرب الأحد مجلس جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية لبحث تدهور الأوضاع في قطاع غزة وسبل “إيقاف التصعيد الخطير”. وقالت وزارة الخارجية المغربية، في بيان: “دعت المملكة المغربية مجلس جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس على مستوى وزراء الخارجية العرب للتشاور والتنسيق بشأن تدهور الأوضاع في قطاع غزة، واندلاع أعمال عسكرية تستهدف المدنيين”. وأضافت أن الاجتماع يهدف أيضا إلى “بحث سبل إيقاف هذا التصعيد الخطير”. وأدان كل من البحرين والمغرب “استهداف المدنيين من أي جهة كانت”.
هل تتأثر علاقات الدول المطبعة مع تل أبيب بالحرب بين إسرائيل وحماس؟
يتساءل موقع هسبريس المغربي “هل تدفع حرب إسرائيل وحماس الرباط إلى إعادة النظر في العلاقات مع تل أبيب؟، قبل أن يضيف في نص المقال: “بدأت بعض القراءات تستدعي الوقائع التاريخية في ما يجري وتلوح بإمكانية تكرار السيناريوهات التي كانت قد حكمت العلاقات بين المغرب وإسرائيل في هكذا ظروف، والتي بلغت حد إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط إبان الانتفاضة الفلسطينية لسنة 2002”.
“غير أن هذه القراءات تصطدم في الوقت الراهن بواقع جديد، إذ إن المغرب مرتبط بعلاقات واتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي تجعل اتخاذ خطوة من هذا القبيل إجراء “شبه مستحيل”‘، وهو الأمر الذي ذهب إليه المحلل السياسي المغربي محمد شقير على الموقع المذكور.
وحتى لا يفهم بأن خيار التطبيع هو قبول بكل المواقف الإسرائيلية، يوضح الخبير في العلاقات الدولية الموساوي العجلاوي للموقع المغربي أن هكذا خيار جاء “لتنبيه الكيان الإسرائيلي إلى أن المبادرة العربية للسلام مطروحة وليس التطبيع من أجل التطبيع، وهي رسالة من أجل أن تتقدم إسرائيل بالحل السياسي وحل الدولتين”.
وهذا الوضع الجديد، وجه ضربة قوية لمساعي الرياض وتل أبيب لتطبيع علاقاتهما. وقال نائب رئيس السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن براين كاتوليس لوكالة الأنباء الفرنسية إن اتفاقا كهذا “كان دائما قمة يصعب تسلّقها، والآن ازداد ذلك صعوبة”.
وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أيلول/سبتمبر الاقتراب “أكثر فأكثر” من التطبيع مع إسرائيل، لكنه كرر موقف بلاده بضرورة أن يشمل أي اتفاق معالجة قضايا الفلسطينيين. وقال “نأمل أن تؤدي (مباحثات الاتفاق) لنتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دورا في الشرق الأوسط”.
وبعد التصعيد السبت، ذكّرت وزارة الخارجية السعودية بـ”تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.
ورأى الباحث السعودي عزيز الغشيان أن موقف الرياض يهدف إلى دحض الشكوك بأن المملكة ستولي التطبيع أولوية على حساب دعم حقوق الفلسطينيين، موضحا في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن “هذا الوضع دفع السعودية للعودة إلى دورها التقليدي (…) وضع نتانياهو عقبة أخرى أمام المباحثات، لأنه قال إن هذه حرب الآن. لا أتوقع أن يحصل التطبيع على خلفية حرب”.
“حرب ستطول”
ستتأثر العلاقات بين إسرائيل والدول العربية المطبعة مع تل أبيب “على عدة مستويات” بالنسبة للخبير المصري في العلاقات الدولية محمد اليمني، بحكم أنها دخلت معها في تعاون بمجالات مختلفة لا سيما الجانب الاقتصادي، معتبرا أن “إسرائيل تريد توسيع الحرب لتحقيق أهداف جديدة”.
وتوجد الدول المطبعة في مثل هذه الظروف في وضع صعب، بحكم أن “الشعوب العربية بلا استثناء مؤيدة ومتابعة للقضية الفلسطينية”، بحسب اليمني، الذي يسجل “أن التحرك العربي، على مستوى العواصم، يبقى هزيلا وغير وازن في غياب توافق فيما بين دول المنطقة، التي لم تتحرك لتقديم مساعدات للفلسطينيين” وفقا لتصريحات اليمني.
ونُظِّمت مظاهرات لدعم الفلسطينيين في الأيام الأولى من الهجوم بالمغرب والبحرين. وقد تزداد هذه التعبئة في حال استمر الصراع، كما يحذر المحلل في جامعة كينغز كوليدج في لندن أندرياس كريغ في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويقول كريغ “حتى دول مثل الإمارات حيث لا يوجد مجتمع مدني حقيقي، سيكون عليها أن تضمن أن يكون التأييد العام للقضية الفلسطينية متسقا مع سياسة الحكومة ورؤيتها”.
“وهذه الحرب ستطول وقد تتحول لحرب إقليمية” حسب توقعات الخبير المصري محمد اليمني. “وقد يتوقف قطار التطبيع طويلا عند المملكة العربية السعودية، حيث إنها كانت على وشك الدخول في علاقات مع إسرائيل بواسطة أمريكية، وكانت كل الشروط متوفرة لذلك، لكنها قد تتراجع عن هذا التطبيع بسبب ممارسات الاحتلال في غزة والضفة الغربية والقدس”.
بوعلام غبشي
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.