موفد فرانس24 إلى شمال فرنسا – بينما كان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في زيارة إلى مدينة كاليه (شمال)، الجمعة، للدفاع عن مشروع قانون الهجرة الجديد، حاول 300 مهاجر عبور بحر المانش إلى بريطانيا، ما تسبب في وفاة اثنين منهم. فبعد مرور سبع سنوات على تفكيك ما كانت تسمى “مدينة الصفيح”، يبدو أن الوضع سار من سيء إلى أسوأ على الساحل.
في هذا الصباح البارد من شهر ديسمبر/كانون الأول، وصل عشرات المهاجرين غير النظاميين إلى محطة القطارات في كاليه (شمال فرنسا) قادمين من بولوني سور مير وضواحيها. بعضهم ملفوف في بطانيات النجاة والبعض الآخر يرتدي ملابس مبللة، ما ينبئ بأن محاولتهم للعبور إلى بريطانيا قد فشلت.
لقد وصل نحو 300 مهاجر، الجمعة والسبت، إلى شواطئ سانغات وويسان وفيمرو، بين مدينتي كاليه وبولوني سور مير، في محاولة متجددة للعبور إلى بريطانيا، وجهتهم المحفوفة بالمخاطر.
فهل نجح بعضهم في العبور؟ التساؤل يبقى من دون جواب، لكن من المؤكد أن خطورة بحر المانش لم تتغير، وفق محافظة الشمال، لقي مهاجران مصرعهما بعد غرق سفينتين، وهما الضحيتان التاسعة والعاشرة في 2023.
كشف أكسيل غودينا (23 عاما)، وهو منسق فرع كاليه في جمعية “يوتوبيا 56” لإغاثة المهاجرين: “تلقينا 12 نداء استغاثة خلال 24 ساعة، بما في ذلك ثمانية في غراند-سانت وخمسة في كاليه”.
حاولا الوصول إلى أحد القوارب، لكن السائق انطلق بدونهما
في ساحة المحطة، يتحدث اثنان من زملائه مع المهاجرين العائدين من الكثبان الرملية القريبة من البحر، مستخدمين هواتفهم للترجمة إلى العربية أو الباشتو أو الفارسية. واقترب قاصران لتبادل الحديث معنا. وائل (16 عاما) وأيهم (17 عاما) سوريان من دمشق. عند حلول الليل، حاولا الوصول إلى أحد القوارب المطاطية المتوجهة نحو بريطانيا، لكن السائق انطلق بدونهما.
وكباقي الأيام، ليس أمام الشابين لقضاء الليلة سوى دار سانت أومير للقاصرين، على بعد 40 كيلومترا، وهو مبنى صغير الحجم يضم 50 مكانا لاستقبال عدة مئات القُصَر المعزولين. في العام 2021، تم توجيه 3300 قاصر إلى هذا المكان.
“الشرطة مقتنعة بأننا على اتصال بالمهربين“
في شاطئ فيمرو، لا أثر للمهاجرين في هذا اليوم (السبت) نظرا لسوء أحوال الطقس. لكن أثناء جولاتنا على الكثبان الرملية التي تمتد على طول الشاطئ، عثرنا على سترات النجاة البرتقالية ما يدل على أن بعضهم حاولوا العبور ليلا. وعثرنا أيضا على معطف شتوي أخضر اللون مدفون في الرمل وعلى صندوق من الورق المقوى كان ربما يحوي قاربا مطاطيا.
للإفلات من قبضة رجال الأمن، يستخدم المهربون في معظم الأحيان تقنية “قارب تاكسي”، إذ يضعون القوارب على ضفاف الأنهار ثم يتوجهون إلى الساحل ليباشروا عملية “الركوب”. لكن العملية الأكثر شيوعا تتمثل في دفن القارب المطاطي في الرمل ثم إخراجه في اللحظة الأخيرة. كل ما يجب فعله بعدها هو نفخ القارب وإضافة محرك، غالبا ما يكون صغير الحجم، قبل الإبحار.
وحسب أكسيل غودينا، “ينتظر المهاجرون أحيانا ما يصل إلى 48 ساعة وهم مختبئون في الكثبان الرملية قبل تلقي الضوء الأخضر من المهربين”.
الجمعة، تم استدعاء 56 متطوعا في جمعية “يوتوبيا” للتكفل بمجموعة من نحو خمسين مهاجرا كانوا يسعون للإبحار، وكان بينهم رضع تقل أعمارهم عن ثلاثة أشهر. وقال أكسيل غودينا: “الشرطة مقتنعة بأننا على اتصال بالمهربين، لكن في الواقع، من النادر أن نجد أنفسنا أمام محاولة عبور. غالبا ما يكون ذلك عن طريق الصدفة”.
وبحسب بيانات وزارة الداخلية البريطانية، تم اكتشاف 292 مهاجرا على متن سبعة قوارب الجمعة، و55 في اليوم التالي على قارب واحد.
ومنذ بداية 2023، وصل نحو 29 ألف شخص إلى بريطانيا مقابل 45 ألفا في 2022.
وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت عمليات العبور تنطلق أكثر فأكثر من جنوب كاليه، في محاولة لخداع يقظة الشرطة. ففي مدينة دان، الواقعة على بعد 40 كيلومترا من كاليه، يفتح العمدة أوليفييه كارتون قاعة الحفلات من وقت لآخر عندما تبوء محاولة عبور مجموعة من المهاجرين بالفشل، ولا توجد حافلات تقلهم إلى الشمال مجددا.
قبل ثلاثة أسابيع، استقبل العمدة 35 مهاجرا بينهم امرأتان، لليلة واحدة: “أحدهم بدت علامة إصابة بسكين على رقبته…”
مدينة محصنة
وللحد من ظاهرة “القوارب الصغيرة”، قام وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بتعزيز فرق الأمن بشكل كبير. وأعلن أثناء زيارته كاليه بناء مركز شرطة جديد بالإضافة إلى معسكر “قوات خاص بقوات الأمن الجمهورية – شرطة مكافحة للشغب – مساحته 7700 متر مربع، وسيتيح بحلول العام 2026 إيواء 220 شرطيا.
نظرا لموقعه التجاري، كان من المفترض أن يكون “هوتيل باد أند بريكفست” فندقا سياحيا بامتياز، لكنه أخذ شكل مركز للشرطة. وعلى بعد أمتار فقط، يوجد مركز اعتقال إداري محاط بسياج شائك، وبجواره قاعة ألعاب.
في هذا المكان، تتناوب قوات شرطة مكافحة الشغب كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لتجنب الإرهاق. وفي السياق يقول فريديريك، في الأربعينيات من عمره، وهو يدخن سيجارة أمام الفندق: “أعتقد أن الوضع أكثر توترا في الوقت الراهن”.
كان هذا الشرطي في مدينة سانغات عندما نشبت مشاجرات بين مهاجرين حاولوا الإبحار وقوات الأمن. وبحسب متطوعي جمعية “يوتوبيا 56″، استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لردع المهاجرين، وهي أسلحة مخصصة عادة للحفاظ على الأمن في المناطق الحضرية. كما أفادت عدة جمعيات أن الشرطة لم تعد تتردد في ثقب القوارب المطاطية بالبحر، رغم أنها مطالبة بعدم التدخل بمجرد وجود القوارب على الماء.
وأحيانا، يقوم بعض المهاجرين المحبطين بالاعتداء على رجال الشرطة، إذ سجلت وزارة الداخلية في 2023 نحو 166 اشتباكا وإصابة 31 من أفراد الشرطة.
“كان الأمر أفضل في السابق…”
لكن الحقيقة أن محاولات العبور هذه، تبقى مُكلِفة للغاية للمهاجرين، قد تصل لآلاف اليوروهات بالنسبة للعائلات. وعلى الرغم من عسكرة ميناء كاليه، يفضل المهاجرون محاولة الصعود على متن الشاحنات التي تستعد لعبور النفق تحت المانش أو العبّارات.
يقول صالح، وهو سوداني يبلغ 33 عاما وصل لكاليه منذ تسعة أشهر، إنه قام بـ 50 محاولة للعبور على متن شاحنة، لكن دون جدوى.
وهذه الطريقة لا تخلو من المخاطر. ففي 17 تشرين الثاني /نوفمبر، لقي مهاجران حتفهما بعد أن صدمتهما شاحنة أثناء سيرهما على شريط الطريق المخصص للتوقف الطارئ على الطريق السريع بالقرب من كاليه.
منذ تفكيك ما كان يعرف بـ “أدغال” كاليه في العام 2016، انتشرت حوالي عشرة مخيمات غير رسمية، مقسمة حسب الجنسيات (الإريتريين والسودانيين والأفغان وغيرهم…)، في جميع أنحاء المدينة.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين المتواجدين في كاليه والمناطق المحيطة بها يتراوح ما بين 1500 و2000 مهاجر. وتقوم الشرطة بتفكيك الخيم كل 48 ساعة.
اقرأ أيضاالنيجر: لماذا يثير إلغاء قانون تجريم مهربي المهاجرين قلق الاتحاد الأوروبي؟
يعيش المهاجرون يوميا على إيقاع عمليات الطرد، إذ تتم مصادرة الخيام أو تمزيقها، ورمي مقتنياتهم الشخصية في القمامة. وحتى الماء أصبح من الأمور النادرة، ما يزيد من التوترات اليومية.
في بداية أيلول/ سبتمبر مثلا، أدى شجار بين 100 مهاجر إلى إصابة شخصين”. لم تكن الظروف معقدة إلى هذا الحد في كاليه من قبل، لقد كانت تقريبا أفضل في السابق…” على حد قول أكسيل غودينا.
وعلى الرغم من توفر ملاجئ موقتة وضعتها السلطات تحت تصرفهم، إلا أن معظم المهاجرين يفضلون البقاء بالقرب من الساحل. ولا يستطيع أغلبهم طلب اللجوء في فرنسا بسبب لائحة دبلن التي تشترط تنفيذ هذا الإجراء في أول دولة يصلون إليها داخل الاتحاد الأوروبي (مثل قبرص، مالطا، أو إيطاليا).
فقد وصل صالح إلى أوروبا من مالطا، لكن يصعب منعه من عبور الأربعين كيلومترا الأخيرة التي تفصله عن هدفه النهائي، وذلك رغم تشديد سياسة الهجرة البريطانية.
عشر سنوات خلت منذ أن غادر صالح السودان. أما شقيقه، فهو في بريطانيا.
النص الفرنسي: لويس شاهونو / النص العربي: فارس بوشية
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.