رفضت سلطات البورصة الإسرائيلية الأربعاء نتائج توصلت إليها دراسة، أشارت إلى أن بعض المتعاملين في سوق الأوراق المالية كانوا على الأرجح يعلمون مسبقا بهجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما سمح لهم بالمضاربة ضد سوق الأسهم في الدولة العبرية وتحقيق الأرباح. ورغم اعترافهما بوجود أخطاء في عملهما الاستقصائي، أصر الاقتصاديان الأمريكيان اللذان كانا وراء الدراسة على استنتاجاتهما.
نشرت في:
9 دقائق
اعتبرت بورصة تل أبيب الأربعاء بأن تقريرا، أعده باحثان أمريكيان أشار إلى استفادة مستثمرين في إسرائيل من “علمهم المسبق” على الأرجح بهجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول، “غير دقيق”، رافضة تلك المزاعم جملة وتفصيلا.
ووصفت بورصة TASE الدراسة التي أجراها الخبيران الاقتصاديان الأمريكيان بأنها “كاذبة ومنفصلة عن الواقع”.
وكان كل من روبرت جيه جاكسون جونيور خبير اقتصادي من جامعة نيويورك، وجوشوا ميتس محامي من جامعة كولومبيا، قالا إنهما لاحظا نشاطا “غير عادي للغاية” للمضاربين وعمليات بيع كبرى على المكشوف للأسهم في البورصة، قبل بضعة أيام أو حتى أسابيع من وقوع هجوم “طوفان الأقصى” الذي أشعل فتيل الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل.
نظرية المؤامرة؟
وفي دراستهما، أشار الخبيران إلى أن “لاعبين مجهولين” في سوق الأوراق المالية قد حققوا الملايين من الدولارات بفضل المراهنة ضد الشركات الإسرائيلية المدرجة في بورصة تل أبيب ونيويورك، في الفترة ما بين نهاية سبتمبر/أيلول وبداية أكتوبر/تشرين الأول.
وقالا إن نشاط “البيع على المكشوف زاد بشكل كبير عن مثيله خلال فترات الأزمات الأخرى العديدة” مثل الأزمة المالية لعام 2008 وكوفيد-19. وكتبا أنه بالنسبة للمستثمرين في لئومي، أكبر بنك في إسرائيل، فقد تم بيع 4.43 مليون سهم على المكشوف خلال الفترة من 14 سبتمبر/ أيلول حتى الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، ما حقق لهم أرباحا قدرها 3.2 مليار شيكل (859 مليون دولار).
حتى إن الدراسة الصادمة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة حاليا، والتي جاءت تحت عنوان: “تداول على الإرهاب؟”، ويمكن الاطلاع عليها مباشرة على موقع شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية SSRN ومقرها روتشستر (نيويورك)، لم تتوان عن التساؤل حيال “إمكانية كون أن حركة حماس نفسها قد استفادت من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول في سوق الأوراق المالية”، أو حتى من إمكانية “إخطار المضاربين مسبقا حول الهجوم المخطط لتنفيذه داخل إسرائيل“.
اقرأ أيضاحركة حماس: من هي الجهات الـممولة؟
كما قالت سلطات البورصة الإسرائيلية بعد يومين من نشر الدراسة، إنها كانت على علم [بنتائج الدراسة] وقد بدأت التحقيق في هذا الشأن. وأوضحت هيئة الأوراق المالية والأسواق الإسرائيلية لصحيفة تايمز أوف إسرائيل: “لم تفض نتائج مراجعتنا إلى أي مخاوف حيال نشاط مشبوه في بورصة إسرائيل”.
واعتبرت بورصة تل أبيب بأن تقديرات الباحثين كانت خاطئة لأن أسعار الأسهم مدرجة بالأجوروت، وهي وحدة مالية إسرائيلية تعادل واحدا بالمئة من الشيكل (العملة الإسرائيلية)، ما يجعل ربح البيع على المكشوف المحتمل عند 32 مليون شيكل فقط. وقالت إن بعض أسهم الشركات يتم منحها فقط بالأجوروت، أي ما يعادل السنتات الإسرائيلية على سبيل المثال. (الدولار = 3.7243 شيكل).
ونقلت وكالة رويترز عن يانيف باجوت رئيس التداول في البورصة قوله: “لا أرى في البيانات شيئا قريبا مما كتباه في الورقة البحثية.. لم يكن هناك أي شيء غير معتاد في مراكز البيع على المكشوف في البورصة خلال الشهرين السابقين للهجوم”.
بدورها، تناولت فايننشال تايمز هذه الدراسة المثيرة للجدل أيضا، وذهبت إلى حد إدراجها ضمن خانة “نظرية المؤامرة”. لا بل وقارنت الصحيفة الاقتصادية البريطانية اليومية بين نتائج هذا العمل البحثي وتأكيدات منظري المؤامرة الذين يصرون مثلا على أن المضاربين كانوا على علم مسبق بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي هزت الولايات المتحدة.
رغم ذلك، اعترف مؤلفا الدراسة بأخطاء شابت عملهما وقاما بناء على ذلك بتعديل فقرات متعلقة بالمدى المفترض للمكاسب التي يحققها المضاربون. وفي بعض الحالات، تم تقسيم هذه الأرباح على 100. إلا أنهما تمسكا وأصرا على استنتاجاتهما الشاملة.
في السياق، أوضح أنطوان أندرياني كبير محللي السوق في XTB وهي شركة وساطة للأوراق المالية: “يجب الاعتراف بأن البيانات التي قدماها تبدو قوية”.
ارتفاع “غير معتاد” في المبيعات على المكشوف
تركز دراسة “تداول على الإرهاب؟” هذه بالدرجة الأولى على عمليات البورصة المتعلقة خصوصا بصندوق MSCI الإسرائيلي للتداول (EIS)، وهو منتج مالي يتعلق بأداء حوالي 50 شركة إسرائيلية مدرجة في بورصتي نيويورك وتل أبيب، مع ملاحظتها أنه في حال حققت الأخيرتين أرباحا فإن نظام EIS يؤتي ثماره بشكل كبير، والعكس صحيح.
في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول، راهن المضاربون بشكل كبير على التراجع التالي لصندوق MSCI الإسرائيلي للتداول في البورصة. يلحظ الخبيران اللذين أعدا الدراسة في هذا الشأن أن “ما يقرب من 100 بالمئة من المعاملات المسجلة في 2 أكتوبر/تشرين الأول من هيئة تنظيم الصناعة المالية [Finra – شركة الرقابة المالية الأمريكية] كانت عبارة عن مبيعات على المكشوف”.
تعد عمليات البيع على المكشوف هذه واحدة من بين الأسلحة المفضلة لدى المضاربين. حيث إنهم يقومون باقتراض السندات، سواء كانت أسهما أو منتجات مالية أخرى، ثم يبيعونها بسعر السوق مع الالتزام بإعادة شرائها لاحقا. في حال انخفاض سعر هذه السندات في تلك الفترة، يمكن لهؤلاء المضاربين الاحتفاظ بالفرق، أي الربح المحقق بين السعر الذي باعوا به في البداية والسعر الذي اشتروه به مجددا.
بمعنى آخر، تعني هذه الزيادة الحادة في المبيعات على المكشوف والتي لفتت إليها الدراسة وتخص تحديدا صندوق EIS الإسرائيلي، أن بعض المضاربين توقعوا مسبقا انهيارا وشيكا في سوق الأسهم في إسرائيل. وهو ما وقع فعليا بعد شن حركة حماس هجومها المباغت “طوفان الأقصى”.
اقرأ أيضاالحرب بين إسرائيل وحماس.. إلى أي مدى يتضرر قطاع السفر في الشرق الأوسط؟
يلحظ أنطوان أندرياني في هذا الصدد العدد الكبير من “عمليات البيع على المكشوف التي تمت تصفيتها عند إعادة فتح البورصة في إسرائيل بعد عطلة نهاية الأسبوع في 7 أكتوبر/تشرين الأول”. يعني هذا بأن المضاربين أعادوا شراء الأوراق المالية فيما كانت الأسهم الإسرائيلية في حالة سقوط حر، محققين بذلك أرباحا كبيرة.
من جهة أخرى، سلّط هؤلاء الاقتصاديون الضوء على التعاملات المالية التي تشمل شركات محددة مدرجة في بورصة تل أبيب. سمح ذلك لهم مرة أخرى بملاحظة زيادة حادة في المضاربة حيال بنوك معينة، مثل بنك لئومي. هذا الاستنتاج هو أكثر ما تناقضه هيئة الأسواق المالية الإسرائيلية وبشدة، مؤكدة أنها لم تلحظ تغييرا كبيرا في المبيعات على المكشوف فيما يخص بنك لئومي. مضيفة لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، بأن التصريح بنقيض ذلك أمر “غير مسؤول”.
يرى أنطوان أندرياني بأن المضاربة ضد صندوق EIS الإسرائيلي هي “غير معتادة”. ويقول محلل الأسواق المالية: “نلحظ بشكل واضح للغاية ذروة في عدد المبيعات على المكشوف ما بين نهاية الصيف وبداية أكتوبر/تشرين الأول، لم يتم بلوغها منذ سبتمبر/أيلول 2018”.
تكهنات مشروعة
لكن، هل يعني هذا أن كل هذه المضاربة هي ناجمة فعلا عن معرفة مسبقة لعملاء البورصة بأن حركة حماس ستهاجم إسرائيل؟ يجيب أنطوان أندرياني: “هنا، يمكن لنا بسرعة الانزلاق نحو نظرية المؤامرة”.
رغم كل شيء، يبقى أن من المحتمل أيضا أن يكون قسم كبير من هؤلاء المضاربين قد رأوا، بشكل مشروع، بأن تلك اللحظة كانت فرصة للمراهنة ضد البورصة الإسرائيلية. يقول أنطوان أندرياني: “هي [البورصة الإسرائيلية] في منحى تنازلي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 على الأقل. هذا السياق يشجع حركات المضاربة على الهبوط”. ومن ثمة، يمكن أن يكون هؤلاء المضاربون قالوا لأنفسهم بعد هجمات حماس، إن هناك فرصة يجب اغتنامها. بالتالي، فإن مقولة “مصائب قوم عند قوم فوائد” تنطبق على هؤلاء، لاغتنامهم تلك الهجمات غير المسبوقة والمأساة الإنسانية التي أعقبتها، دون أن يكونوا بالضرورة على علم مسبق باحتمال وقوعها في ذلك التاريخ تحديدا.
قد يتعين انتظار فصل ثان من الدراسة التي أعدها الاقتصاديين الأمريكيين لاكتشاف المزيد عن خبايا سوق المال الإسرائيلي. حيث إنهما اعترفا بأنهما لم يحصلا سوى على بيانات غير مكتملة من شركة الرقابة المالية الأمريكية FINRA وأنهما “في صدد جمع المزيد” لصقل استنتاجاتهما. حتى لو كان ذلك يعني أنهما سيواجهان مزيدا من غضب سلطات البورصة الإسرائيلية.
للإشارة، فقد أدى الرد الإسرائيلي الانتقامي على هجوم حماس، إلى مقتل أكثر من 17 ألف شخص حتى الآن في قطاع غزة، نحو 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال حسب آخر أرقام وزارة الصحة في القطاع الخميس.
Share this content:
اكتشاف المزيد من موقع دار طيبة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.