تونس: أعمال عنف مستمرة في صفاقس والسلطات ترحّل مئات المهاجرين إلى الحدود الليبية

تونس: أعمال عنف مستمرة في صفاقس والسلطات ترحّل مئات المهاجرين إلى الحدود الليبية



بعد ليال متتالية من أعمال عنف في مدينة صفاقس التونسية، يزداد الوضع سوءا فيما تشن السلطات حملة اعتقال واسعة لمئات المهاجرين الأفارقة وتنقلهم “قسرا” إلى مناطق حدودية صحراوية مع ليبيا، وفقا لشهادات مهاجرين ومنظمات حقوقية.

تتصاعد وتيرة العنف في مدينة صفاقس الساحلية، وسط شرق تونس، بين السكان المحليين ومهاجرين يتحدرون بشكل أساسي من أفريقيا جنوب الصحراء، فيما يتعرض المهاجرون لحملات اعتقال وطرد واسعة إلى مناطق حدودية صحراوية مع ليبيا.

منظمات حقوقية تتحدث عن مئات المهاجرين العالقين على الحدود مع ليبيا، بعدما أوقفتهم الشرطة التونسية وأخلتهم من أماكن سكنهم، ونقلتهم إلى هذه المناطق النائية دون أي دعم أو مساعدة.

للمزيد>>> توترات عنيفة بين مهاجرين وتونسيين في صفاقس ومقتل رجل تونسي

السلطات التونسية تستغل الأوضاع الحالية “كذريعة لتنفيذ حملة اعتقالات”

وتشهد المدينة توترات متزايدة منذ أيام عدة، لا سيما بعد مقتل رجل أربعيني تونسي في صفاقس إثر مواجهات مع مهاجرين، وإيقاف السلطات لثلاثة شباب يتحدرون من الكاميرون يشتبه بأن أحدهم طعن الرجل. وكانت شهدت المدينة مقتل مهاجر من بنين في نهاية شهر أيار/مايو الماضي.

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اعتبر أن السلطات التونسية تستغل الأوضاع الحالية “كذريعة لتنفيذ حملة اعتقالات متتالية طيلة الأيام الماضية تلتها عمليات ترحيل قسري وغير قانوني، تحت التهديد، بهدف “تطهير” المدينة من أي شخص من دول إفريقيا جنوب الصحراء”.

بحسب مقاطع فيديو منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، نقلت حافلات مهاجرين ومهاجرات إلى الحدود الليبية التونسية وتركتهم في مناطق مهجورة “في درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، بظروف سيئة دون تقديم أي مساعدة أو أي نوع من الموارد”.

وأكدت المنظمات أن السلطات التونسية رحّلت إلى منطقة رأس جدير والحدود الليبية 148 مهاجرا ولاجئا من جنسيات عدّة، بما في ذلك ساحل العاج والكاميرون، مشيرة إلى أنه من بين هؤلاء 12 طفلا على الأقل تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 سنوات.

فيما نشرت منصة “هاتف الإنذار” تغريدة مرفقة بصور، أشارت فيها إلى وجود حوالي 300 مهاجر على الحدود الليبية “بعضهم كان هناك منذ عدة أيام، دون طعام أو ماء”.

 

وقالت الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لوران سيبرت، إن السلطات التونسية رحلت ما بين 500 و700 مهاجر إلى الحدود الليبية منذ يوم الأحد 2 تموز/يوليو، ويعاني بعضهم من إصابات جسدية.

كل ذلك يؤدي إلى انتشار مخاوف من أن يزداد الوضع سوءا، وندد المنتدى التونسي بعدم تحرك السلطات التونسية “وإن كان حتى على شاكلة نداء لتهدئة الأوضاع والحفاظ على السلام والسلامة الجسدية للجميع”.

في اتصال هاتفي مع مهاجرنيوز، قال الناطق باسم النيابة العامة في صفاقس، فوزي المصمودي، إن 79 شخصا من أفريقيا جنوب الصحراء محتجزون لدى الشرطة منذ يوم الأحد بتهمة “الإقامة غير النظامية” في تونس.

لكن السلطات التونسية لم توقف أي تونسي على صلة بالهجمات، حسب المصدر نفسه.

ويتعرض المهاجرون لحملات تستهدف وجودهم، لا سيما بعد خطاب ألقاه الرئيس قيس سعيّد في 21 شباط/فبراير الماضي، قال فيه إن وجود “جحافل” من المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء مصدر “عنف وجرائم”.

” لم أعد أجرؤ على الخروج من المنزل”

ليلة الثلاثاء تجمّع مئات السكان في شوارع صفاقس، وقطع بعض المحتجين الطرقات وأضرموا النار في إطارات مطاطية، وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عناصر من الشرطة وهم يطردون عشرات المهاجرين من منازلهم وسط هتافات سكان المدينة.

وأظهرت مقاطع أخرى مهاجرين على الأرض وأيديهم على رؤوسهم ومحاطين بعدد من السكان بانتظار وصول الشرطة.

داود، مهاجر من ساحل العاج يبلغ من العمر 22 عاما، يعيش في صفاقس منذ حوالي عام روى لمهاجرنيوز الخوف اليومي الذي يعيشه، وقال “لم أعد أجرؤ على الخروج من المنزل، الوضع هنا مقلق للغاية”.

حتى لو لم تكن تخطط للذهاب إلى أوروبا، فإنك ستفعل ذلك

تقاطعت إفادة داود مع مهاجرين آخرين تواصل معهم فريق مهاجرنيوز وتحدثوا عن تعرضهم لسرقات، قائلا “رأيت مجموعة من الشبان التونسيين يدخلون فجأة منزل أصدقائي. هاجموهم ونهبوا كل شيء بداخله. سرقوا الهواتف والمال والملابس والأحذية… تدخلت الشرطة لكنها اعتقلت المهاجرين”.

واستنكر أزهر ناجي، الذي يعمل في غرفة الطوارئ بأحد مستشفيات صفاقس، “ليلة غير إنسانية (…) دموية تجعلك ترتجف”. وأكد في منشور على صفحة فيسبوك أن المستشفى استقبل ما بين 30 و 40 مهاجرا بينهم نساء وأطفال، مشيرا إلى “إلقاء بعضهم من المدرجات والبعض الآخر تعرض لهجوم بالسيوف”.

للمزيد>>> الاتحاد الأوروبي يعرض على تونس مساعدات بأكثر من مليار يورو

انتقل داود للعيش مع صديق له في حي آخر، خشية تعرضه للأذية، موضحا “قال لي تونسي الليلة الماضية إن عليّ مغادرة الحي حفاظا على سلامتي”. بالنسبة للشاب، الحل الوحيد هو أن يخوض غمار البحر ويعبر إلى إيطاليا “على أي حال، نظرا لما يحدث، حتى لو لم تكن تخطط للذهاب إلى أوروبا، فإنك ستفعل ذلك”.

انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية

واعتبر المنتدى التونسي، في بيان، أن السلطات ترتكب “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” تتضمن “ترحيل غير قانوني وتعسفي إلى الحدود تحت التهديد، وتدمير الهواتف ونقص المساعدة الطبية والتوليدية، وسوء المعاملة والعنف”.

وأوضح أن السلطات ترتكز في تلك الحملات على “فرضية أن هؤلاء الأجانب قد مروا بليبيا أو الجزائر قبل دخول تونس”، رغم أن بعضهم دخل البلاد عن طريق الجو، إضافة إلى أن هناك مهاجرين وجدوا أنفسهم عالقين في تونس بعد أن اعترضهم خفر السواحل التونسي في البحر المتوسط.

ممارسات السلطات التونسية تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد ضمن المعاهدات الخاصة بوضع اللاجئين التي صادقت عليها تونس، والتي تنص على أنه لا يجوز ترحيل الأشخاص إلى أماكن تتعرض فيها حياتهم للخطر. وأشار المنتدى إلى “أن هذه الحادثة تعتبر الأكثر خطورة بحكم أن ليبيا بلد لا يوجد به تشريع متعلق بحق اللجوء. وقد تم توثيق وإدانة ممارسات العنف والتعذيب والعبودية ضد المهاجرين من قبل المجتمع الدولي”.



Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *